لاجئو عرسال: ورقة صراع داخل لبنان

05 أكتوبر 2014
تعرّض عدد من مخيمات اللاجئين للقصف والإحراق والدهم(فرانس برس)
+ الخط -

حسم وزير الداخلية والبلديات اللبناني، نهاد المشنوق، قراره بإجلاء اللاجئين السوريين من بلدة عرسال، شرقي لبنان. يصف المشنوق، في تصريحاته، عرسال بـ"المحتلة" ويدعو إلى إخراج "النازحين" منها بسبب تفاقم الأوضاع الأمنية في البلدة.

وقد سبق لعرسال أن شهدت معركة في أغسطس/ آب الماضي، استمرت لستة أيام، بين الجيش اللبناني وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وتعرض خلالها عدد من مخيمات اللاجئين للقصف والإحراق، ثم تبعتها موجة مداهمات واعتقالات كان من نتائجها إحراق المزيد من المخيمات وتشريد المزيد من اللاجئين.

يعزو مصدر رسمي لبناني مطلع على ملف اللاجئين، قرار وزير الداخلية إلى "الترابط التام بين الشق الأمني والاجتماعي في ملف النازحين السورين؛ فالعمل الأمني السليم لا بد أن يتم في بيئة مضبوطة". ويلفت المصدر نفسه إلى أن عرسال تضم أكثر من مئة ألف لاجئ و"لم تعد تشكل بيئة حاضنة لهم". ويؤكد المصدر ارتباط قرار المشنوق بإيجاد أماكن إقامة بديلة، "وهو ما قامت به وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع الامم المتحدة". ينتظر القرار النهائي، إذاً، تأمين التوافق السياسي على موضوع المخيمات حتى يبدأ العمل على إجلاء اللاجئين من عرسال، بحسب المصدر.

وزارة الشؤون الإجتماعية تجمّد طرح المخيمات

يبدو الموقف في وزارة الشؤون الاجتماعية قريباً من موقف وزارة الداخلية، فالوزير، رشيد رباس، يؤيد توجه وزير الداخلية "بنقل النازحين من عرسال إلى أماكن إقامة لائقة"، لكنه يؤكد، لـ"العربي الجديد"، سحب موضوع إقامة المخيمات من التداول، بسبب غياب التوافق السياسي عليه.

سبق لدرباس أن أعلن عن "طرح فكرة إنشاء مخيمين تجريبيين قرب الحدود، شمالي وشرقي لبنان، في نقطتي المصنع والعبودية". إلا أن الطرح قابلته مواقف متشددة من الأحزاب المسيحية. كان آخرها موقف وزير الخارجية، جبران باسيل، الذي أكد أن "موضوع المخيمات بحاجة إلى إجماع مجلس الوزراء، وهو لن يمرّ لا اليوم ولا بعد مئة سنة".
يتماهى موقف باسيل مع مواقف معظم الأحزاب المسيحية الموجودة في الحكومة التي تخشى تكرار تجربة المخيمات الفلسطينية. وسبق لوزير الداخلية أن رد على باسيل مؤكداً أن "الوضع الأمني الضاغط يلغي كافة الاعتبارات السياسية التي تدعو لرفض المخيمات"، وهو الموقف الذي تتبناه هذه القوى منذ عام 2011، عندما بدأ طرح موضوع المخيمات الرسمية، رغم أن عدد المخيمات غير الرسمية وصل إلى 1400 مخيم، بحسب إحصاءات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
حتى اللحظة، لم تناقش الحكومة ملف المخيمات بشكل رسمي، وإن كان قد اتُّفق، خلال جلستها الأخيرة، على تخصيص جلسة لنقاش ملف المخيمات وبتّه، بحسب ما أفادت مصادر وزارية لـ"العربي الجديد". ورغم الاتفاق على تخصيص جلسة لهذا الموضوع، إلا أن عقدها مؤجّل بانتظار توافق سياسي.

انقطاع الدعم مع بدء الشتاء

يحضر ملف اللاجئين السوريين وأماكن إقاماتهم أمام الحكومة من باب معركة عرسال، تحت عنوان "العسكريين المخطوفين". لكن أبعاداً أخرى للقصة لا يراها سوى أهالي عرسال. يحذّر مسؤولون محليون في عرسال من خطورة الوضع الاقتصادي في البلدة، التي باتت على شفير الكارثة. يختصر المسؤول الوضع بـ"تقلّص كمية المساعدات من الخارج، وتوقف معامل الحجر (وهي مصدر الدخل الأول لأهالي عرسال) في الداخل".
وقد أعادت معركة عرسال الحديث عن طريق اللبوة ـ عرسال، وهي الطريق الوحيدة التي تربط البلدة بالعمق اللبناني. قطع أهالي اللبوة الطريق مراراً بحجة منع الصواريخ العشوائية التي تطلقها المعارضة السورية المسلحة، وقطعوها بُعيد اشتباكات عرسال أمام قافلة مساعدات كانت متجهة إلى الأهالي واللاجئين.
يشير مصدر في "اتحاد الجمعيات الإغاثية" إلى الواقع الصعب الذي يرافق نقل المواد الإغاثية "ما يحتّم علينا تجزئة الحمولات والانتظار لساعات طويلة أمام الحواجز العسكرية، وهو ما يؤدي في المحصّلة إلى تقليص كمية المواد التي تدخل البلدة".

وفي داخل البلدة، بدأت بوادر الأزمة الاقتصادية بالتنامي. يشير أحد الوجهاء إلى "توقف أكثر من 2500 عامل سوري عن العمل في مقالع الحجر، إلى جانب مئات العمال اللبنانيين". لم يمنع الجيش العمل في المقالع، لكن الإجراءات الأمنية المشددة والحواجز التي تفصل القرية عن جردها، منعت مُلاّك المقالع من نقل المحروقات والآليات اللازمة للعمل، بحسب بعض الأهالي، وهو ما دفع بعض أصحاب المقالع إلى الاعتصام منذ أسبوعين استنكاراً لهذه الإجراءات.
وإلى جانب توقف العمل، يحذّر الأهالي من فصل الشتاء المقبل. فعدم وصول مواد التدفئة بكيمات كافية، سيعني شتاءً صعباً على الأهالي واللاجئين، وخصوصاً أن البلدة تُعدّ من المناطق الباردة في لبنان بسبب ارتفاعها عن سطح البحر أكثر من ألف متر.
بانتظار اتخاذ الحكومة لقرار ما في ملف المخيمات، تستمر أزمة المخيمات في التفاعل، كما تستمر الإجراءات الأمنية القاسية التي يفرضها الجيش اللبناني في تعقيد الموقف على الصعيد الاجتماعي. فهل ينجح الوضع الأمني والاجتماعي الضاغط في فتح باب الموافقة السياسية على المخيمات؟

المساهمون