وقالت سبعة مصادر مطلعة لوكالة "رويترز"، اليوم، إن موقف رئيس شركة روسنفت إيغور سيتشن أقوى مما ظنه المسؤولون العراقيون؛ فقبل أيام، تملكت روسنفت خطوط أنابيب تصدير النفط إلى تركيا من حكومة كردستان مقابل 1.8 مليار دولار.
ولم يكن هدف الصفقة تجارياً فحسب، بل لتعزيز نفوذ روسيا السياسي في العراق والشرق الأوسط، بحسب ما نقلته الوكالة عن مصادر في روسنفت وصناعة النفط والحكومتين الكردية والعراقية.
وأوضحت المصادر، أن السيطرة على خطوط الأنابيب منحت روسنفت دوراً محورياً في المحادثات الجارية بين حكومة كردستان وبغداد الرامية إلى استئناف صادرات النفط بالكامل والتي تعطلت بسبب الاستفتاء وسيطرة العراق على حقول نفطية.
وفي مؤشر إلى نفوذ روسنفت، ذكرت ثلاثة مصادر بالقطاع في إربيل وبغداد للوكالة ذاتها، أن مسؤولين أكراداً قالوا إنهم لن يشرعوا في ضخ النفط وتحويل الأموال التي يدرّها للحكومة العراقية ما لم تسدد رسوماً خاصة بخط الأنابيب لشركة النفط الروسية الكبرى.
وأقر وزير النفط العراقي جبار اللعيبي فعلياً بدور الشركة المتنامي في كردستان، حين اجتمع بديدييه كاسيميرو اليد اليمنى لسيتشن في بغداد الشهر الحالي، وقال إنه مستعد للتعاون مع روسنفت "في تجديد الأنابيب".
ويمتلك إقليم كردستان احتياطيات نفطية ضخمة، قد تكون ثلث إجمالي العراق، وصادراته حيوية للاقتصاد المحلي والعراق ككل. وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفي ذروة الأزمة السياسية بمنطقة كردستان العراق، وصل خطاب إلى وزارة النفط العراقية في بغداد من رئيس روسنفت، وفقاً لرويترز، قال فيه إن حكومة بغداد تبدي "قصوراً في الموقف البنّاء والاهتمام" إزاء عرض روسنفت تطوير حقول في جنوب العراق.
وأكدت قوى عالمية من بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي أبدت في السابق تعاطفاً مع حملة استقلال كردستان، لحكومة بغداد اعترافها بسيادتها على كامل أراضي العراق بما في ذلك كردستان، لكن خطاب "سيتشن" لم يشر إلى مثل هذا الإقرار، كما أن روسيا هي القوة العالمية الكبرى الوحيدة التي لم تعارض استفتاء استقلال كردستان، قائلة إنها تتفهم تطلعات الأكراد للاستقلال.
وفي الأيام التالية للاستفتاء، توجّه مسؤولون أكراد من بينهم وزير الموارد الطبيعية اشتي هورامي إلى موسكو للاجتماع بمسؤولين تنفيذيين في روسنفت ومسؤولين بوزارة الخارجية الروسية بحسب مصدرين.
وفي 20 أكتوبر/ تشرين الأول، في ذروة الفوضى التي أعقبت الاستفتاء، حين كانت قوات الحشد الشعبي تطرد قوات البشمركة من حقول كركوك، كان سيتشن قد أبرم الاتفاق.
وقال سيتشن وهو من أقرب حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تصريحات إعلامية أخيراً، إنه في ظل إحجام بغداد عن العمل مع روسنفت فإن الشركة ستتعاون مع حكومة كردستان العراق التي أبدت "اهتماماً أكبر بالتوسع في التعاون الاستراتيجي".
وتعهدت روسنفت باستثمار مليارات الدولارات في كردستان، مما أغضب حكومة بغداد، بينما يرى الأكراد أن من حق الإقليم توقيع اتفاقات مع الشركات الأجنبية في ما يتعلق بضخ النفط من أراضيه بوصفه منطقة شبه مستقلة، غير أن الحكومة المركزية في بغداد اعتبرت ذلك مخالفاً للقانون.
وقالت المصادر إن روسنفت سددت الدفعة الأخيرة من إجمالي قيمة الصفقة البالغة 1.8 مليار دولار لإربيل، ولم تكشف روسنفت ولا سيتشن، وهما يخضعان لعقوبات بسبب ضم روسيا لمنطقة القرم، المبلغ الذي سددته الشركة لشراء خطوط الأنابيب.
روسنفت تتوسع
وتظهر تحركات روسنفت في كردستان التي يربطها تحالف قديم بالولايات المتحدة، كيف يستغل الكرملين روسنفت، ورئيسها التنفيذي، أداةً في السياسة الخارجية في أنحاء العالم، من إربيل إلى كراكاس ونيودلهي.
وتستغل دول عدّة، ومن بينها إيطاليا وفرنسا، شركات النفط الكبرى فيها، أداةً في السياسة الخارجية، لكن استغلال موسكو روسنفت تزايد بشكل كبير في العقدين الأخيرين في ظل حكم بوتين.
وبالنسبة إلى كردستان، ينطوي تنامي النفوذ الروسي على تحول جيوسياسي حاد، وارتبط الإقليم بتحالف وثيق مع واشنطن منذ الإطاحة بصدام حسين إبان الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003.
وقال أموس هوشستاين، الذي عمل مبعوثاً خاصاً للطاقة في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إنه في حين تسعى روسنفت وشركات النفط الروسية الأخرى التابعة للدولة إلى تحقيق أرباح، فإنها تعمل أيضاً ككيانات سياسية عند الضرورة.
وصرح لرويترز: "إنها تتبع الرئيس بوتين مباشرة. ليست جميع الصفقات سياسية. لكن حين يريد بوتين إبرام صفقة سياسية، فإنها تفعل بالطبع. لا تملك روسيا أدوات كثيرة لممارسة نفوذها السياسي والطاقة أكثرها فعالية".
ووجدت بغداد التي لا تعترف بصفقة خط الأنابيب نفسها في وضع صعب، وتواجه الحكومة مصاعب مالية بسبب الحرب على تنظيم داعش ولا يتاح لها إلا مبالغ بسيطة لمد خطوط أنابيب جديدة من كردستان، في حين لا ترغب في تعطيل تدفقات النفط من المنطقة التي تعول عليها لتحقيق إيرادات هي في أمسّ حاجة إليها.
ولا يقتصر دور روسنفت في دعم السياسة الخارجية للكرملين على العراق، فقد لجأت إليها روسيا في أماكن أخرى من العالم بحسب روسنفت ومصادر في الصناعة؛ ففي فنزويلا قدمت روسنفت قروضاً بنحو ستة مليارات دولار لدعم الحكومة. وقد ينتهي المطاف بتملك الشركة مصافي تكسان المملوكة حالياً لشركة النفط الوطنية لأنها ضمان الدين.
وفي الهند، استثمرت روسنفت 13 مليار دولار في مصفاة نفطية، وهو سعر مبالغ فيه لمجمع نفطي، إذ سعت إلى التغلب على عرض من أرامكو السعودية وتعزيز علاقات روسيا بحليف تقليدي للولايات المتحدة.
صعود سيتشن
وقال مصدر في القطاع إن "سيتشن يتصرف كوزير خارجية ثانٍ، أو بعبارة أخرى فإنه يمثل القوة الاقتصادية وراء السياسات الخارجية الروسية. في كثير من الأحيان، تكون هذه السياسات لإثارة غضب الأميركيين".
وقال سيتشن هذا العام، في حديث نادر لصحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج، إنه واثق من سداد فنزويلا وكردستان ديونهما بالكامل، ونفى أن تكون الصفقات سياسية.
ورداً على سؤال عما إذا كان يعتبر نفسه رجل سياسة، أجاب سيتشن (57 سنة)، قائلاً: "هذا سؤال صعب. أشعر دائماً بأنني عشت أكثر من حياة. أعتقد أن الكلمة المناسبة هي مدير".
وُلد سيتشن في سان بطرسبرغ وعمل في الثمانينيات مترجماً عسكرياً في موزمبيق وأنجولا حيث خاضت موسكو وواشنطن حروباً بالوكالة، وتعرف بوتين إلى سيتشن في التسعينيات في سان بطرسبرغ واصطحبه معه إلى موسكو حيث بزغ نجمه.
وساعده سيتشين في تأميم قطاع كبير من صناعة النفط الروسية، وعُين رئيساً تنفيذياً لروسنفت في 2012.
(رويترز، العربي الجديد)