كيف سيحضر الإسلاميون في المشهد السوداني؟

02 يوليو 2019
+ الخط -
يبدو أن الإِسلاميين سيكونون أكبر الخاسرين في مستقبل السودان، فهم جزء من نظام البشير الذي ثار عليه الشعب، بل ظلوا متمسكين باستمراره حتى بعد قيام الثورة ضده، ففي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، أعلنت الحركة الإسلامية في مؤتمرها التاسع بالخرطوم، تأييد ترشيح البشير لمنصب رئاسة الجمهورية لدورة أخرى في انتخابات 2020، ودعت لتعديل الدستور لتمكينه من الاستمرار في ولاية خامسة تُضاف لسنوات حُكمه السابقة.

وعليه فمن المتوقع ألا يخرج حضور الإسلاميين في المشهد السوداني عن أحد الاحتمالات الآتية:

1- الانسحاب الكامل من المشهد، وعدم الظهور في الصورة مطلقاً. وهناك مجموعة من الدوافع لذلك:

أولاً: أنها قد تفسح المجال أمام تحول السودان إلى الحكم المدني، خصوصاً أن قوى الحرية والتغيير التي تقود الاحتجاجات لها مقبولية دولياً، وهو ما ظهر في الضغوط الدولية على المجلس العسكري عقب فض الاعتصام، والتي تمثلت في إصدار الاتحاد الأفريقي قراراً قضى بتجميد عضوية السودان على الفور، ودعوته إلى تسليم السلطة إلى المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن أعمال العنف. ويقوم حالياً رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، بصفته الرئيس الحالي للهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيقاد) التابعة للاتحاد الأفريقي بالوساطة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.

كذلك تزايدت الضغوط الغربية المتمثلة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي دعت المجلس إلى تسليم السلطة إلى المدنيين، وهدّدت بفرض عقوبات على المسؤولين عن قتل المحتجين السلميين.


وهناك أيضاً زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، تيبور ناجي، إلى الخرطوم، للاجتماع مع ممثلين عن المجلس العسكري والحراك بالدعوة إلى وقف العنف على المدنيين، وحث طرفي الصراع على العمل من أجل تهيئة بيئة مواتية لاستئناف المحادثات، كما سيبحث ذلك في زيارة لاحقة إلى إثيوبيا.

كما أصدر مجلس الأمن الدولي بيانا شديد اللهجة للتنديد بأحداث العنف الأخيرة في السودان، مطالباً بالوقف الفوري لأعمال العنف، ومؤكداً دعمه الجهود الإقليمية والدولية، وخاصة تلك التي يقودها الاتحاد الأفريقي؛ لتيسير عملية انتقالية في السودان. وأتى ذلك البيان، بعد أسبوع على منع روسيا والصين مسودة بيان مشابهة حول الأزمة السودانية.

وبالتالي فدخول الإسلاميين سيكون مضرا بتلك المعادلة، خصوصاً أنهم دائما ما يظهرون كبديل للنظام السابق، وبالتالي فاختفائهم من المشهد قد يسهم في نجاح الحراك، وتمكين القوى الدولية من إنجاح التحول الديمقراطي في السودان، أو على الأقل عدم عرقلته.

ثانياً: موقف القوى الإقليمية (الإمارات والسعودية) المعادي للإسلاميين، والذي يعتبر أحد الدوافع الرئيسية لقيام هذه الدول بتقديم الدعم المالي والدبلوماسي للمجلس العسكري. وبالتالي فإن انسحاب الإسلاميين قد يقلل من تدخل هذه الدول لدعم المجلس العسكري ضد قوى الحرية والتغيير.

ثالثاً: من الممكن أن يدفع ظهور الإسلاميين إلى خلق مبررات يستخدمها المجلس العسكري من قبيل مواجهة الإرهاب للدخول في صدام عسكري مع قوى الحرية والتغيير.

2- الانسحاب الجزئي وتقليل الحضور لكن مع وجود مشاركة محسوبة تمكنهم من البقاء في المشهد بما يسمح بوجودهم في البرلمانات أو الوزارات المقبلة. فالانسحاب الكامل من قبل الإسلاميين غير ممكن من الناحية العملية، وذلك لعدة أسباب منها:

أولاً: هناك عدد كبير من أفراد الحركة الإسلامية في مناصب هامة داخل أجهزة الدولة في القضاء والشرطة والجيش.

ثانياً: من غير المتوقع حظر الإسلاميين والتخلص منهم بقوة السلاح، وذلك لأن المنتمين للحركة الإسلامية من قبائل كُبرى، لهم غلبة سكانية في مناطق معينة، بما يعني أنه حال تعرض عضو تابع لها للبطش سيؤدي بالبلاد إلى حرب أهلية.

ثالثاً: هناك تخوف لدى الإسلاميين من قوى الحرية والتغيير، فهناك نظرة إقصائية من قبل الأخيرة (المحسوبة على اليسار) للإسلاميين، وهو ما تمثل في مهاجمة مقار حزب المؤتمر الإسلامي، ورفض أن يكون للإسلاميين وجود داخل تجمع قوى الحرية والتغيير، بل المطالبة بإقصاء المجلس العسكري باعتباره متصالحاً مع الفكرة الإسلامية أو يمكن معه حفظ ما بقي من الوجود الإسلامي.

بل هناك تخوف من أن يكون تعليق العصيان المدني، وعودة التواصل بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير يأتيان بالتوافق بين الطرفين من أجل تفرغ العسكري للتخلص من الإسلاميين، فمنذ اليوم الثاني لإطاحة البشير (11 إبريل)، قام المجلس العسكري بإطاحة الفريق عوض بن عوف، الذي يُنظر إليه على أنه امتداد للبشير في علاقته بالتيار الإسلامي، وصولاً إلى تعديلات واسعة في جهاز الأمن والمخابرات، أحال بموجبها البرهان 100 ضابط إلى التقاعد، وليس انتهاءً باعتقالات طاولت 68 ضابطاً، معظمهم من الإسلاميين (غالبيتهم برتبة عقيد) للتحقيق معهم في محاولة انقلاب فاشلة أعلنتها قناة العربية وحدها نقلاً عما وصفتها بمصادر موثوقة. وقد أكد المجلس العسكري الاعتقالات من دون إيضاح الأسباب.

3- حدوث انشقاقات داخل الحركة الإسلامية:
يرى بعض المراقبين للشأن السوداني أن العدد الأكبر من أعضاء الحركة الإسلامية والحزب السياسي المنبثق عنها سيشهد انشقاق جيل الوسط، وتأسيس كيان جديد يحاول إعادة تقديم نفسه من خلال رؤية جديدة.