10 يناير 2021
ملامح النظام الدولى الجديد بعد أزمة كورونا
أثار انتشار فيروس كورونا "كوفيد 19" الذى ضرب كل بقاع العالم تقريباً، العديد من التساؤلات، لعل أبرزها ما أثير حول تداعيات هذا الفيروس على النظام الدولي الحالي...
ورغم أنه لا يمكن لأي شخص مهما بلغ علمه أن يحكم على المستقبل وظروفه، إلا أن ذلك لا يعنى استحالة وضع تصورات أولية لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع، سواء على المدى المتوسط أو البعيد.
وعليه، يمكن وضع مجموعة من التصورات الأولية للنظام الدولي الجديد بعد كورونا، لعل أبرزها:
تراجع العولمة: فبينما تعني العولمة في أبسط معانيها حرية انتقال البشر والبضائع ورؤوس الأموال بين دول العالم، إلا أن ما اتخذته الدول من سياسات لمواجهة كورونا كان عكس ذلك تماماً.. وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:
تحجيم حركة البشر
فقد لجأت أغلب دول العالم إلى تحجيم تنقلات البشر بين الدول. أكثر من ذلك، فقد تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات الصارمة داخل كل دولة من أجل الحد من انتشار الفيروس، وهي إجراءات أقرب ما تكون إلى منع التجول والعزل الصارم والحجر الصحي.
اللجوء لسياسة الاحتكار
قامت أغلب الدول على رأسها ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة (والصين في بداية الأزمة) بحظر تصدير الأقنعة والكمامات الطبية، ما يشير إلى أن الدول قد تقرر، في حالة تعرض صحة وسلامة مواطنيها للخطر، بحظر الصادرات حتى إن ألحق ذلك الضرر بدول حليفة أو جارة لها.
تفكيك الاتحاد الأوروبي
يعتبر الاتحاد الأوروبي أحد النماذج المؤسسية للعولمة، والذي كشف فيروس كورونا عن إمكانية تفككه وانهياره.
فبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) رسمياً مطلع العام، يأتي وباء كورونا ليفتّ في عضد أواصر الاتحاد، وهو ما ظهر في قيام العديد من الدول الأوروبية بمصادرة الأدوات الطبية الموجهة لمساعدة دولة أوروبية أخرى، مثل مصادرة كل من جمهورية التشيك وألمانيا لأدوات طبية أرسلتها الصين هبة لإيطاليا.
تراجع الديمقراطية
فمنذ سنوات، والمفكرون والخبراء يتناولون مأزق الديمقراطية الغربية، والتي تظهر في وصول قيادات غير ذات كفاءة في عدد من الدول الديمقراطية مثل ترامب في أميركا وجونسون في بريطانيا. وفي المقابل، تتصاعد الأدوار الإقليمية والدولية لدول غير ديمقراطية (روسيا والصين).
وليأتي وباء كورونا المستجد من أجل تعزيز مكانة الدول غير الديمقراطية، فقد أظهر الفيروس أن الأنظمة غير الديمقراطية "الصين" أكثر كفاءة وسرعة في التعامل مع جائحة كورونا من الأنظمة الديمقراطية كأميركا وأوروبا.
تزايد نفوذ اليمين المتطرف
لعل منع الانتقال الحر بين مواطني الدول الأوروبية، وإن كان لأهداف تتعلق بالوقاية من كورونا، يعد بمثابة انتصار كبير لتيارات اليمين المتطرف فى المرحلة الراهنة. حيث تعد مسألة الهجرة، إحدى أهم الأولويات لدى تيارات اليمين المتطرف، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، حيث كان التدفق الكبير للمهاجرين إليها بمثابة الكابوس، الذي سعوا إلى مطاردته، سواء بسبب المخاوف الأمنية المرتبطة باحتمالات تسلل عناصر إرهابية إلى داخل تلك الدول، وبالتالي تنفيذ عملياتهم في قلبها، أو على خلفية الأزمات الاقتصادية، والتي ارتبطت إلى حد كبير بانتقال مواطني دول أخرى ومزاحمة المواطنين الأصليين في فرصهم الاقتصادية.
وبالتالي، فإن التزامن بين تفشي فيروس كورونا، والتحديات الأمنية والاقتصادية سالفة الذكر، يساهم بصورة كبيرة في الحد من الهجرة، التي طالما نادى بها اليمينيون.
تقدم الصين وتراجع أميركا
رغم أن الصين كانت أول دولة يضربها كورونا، إلا أنها كانت الأنجح في مكافحة هذا الفيروس، فقد نجحت الصين في لفت الانتباه العالمي إليها كقوة دولية عبر التعامل مع الأزمة الكبيرة التي لحقت بها، بعدما توقع الكثيرون أنها ستكون النهاية بالنسبة لها، لتقدم نموذجاً دولياً في كيفية إدارة الأزمات الدولية، ما قد يدفع العديد من الدول نحو الاستعانة بالتجربة الصينية، وهو ما يعني زيادة كبيرة في نطاق التأثير العالمي لبكين.
وفي مقابل النجاح الصيني في احتواء الفيروس، فقد كانت استجابة إدارة ترامب للفيروس الجديد بطيئة، فضلاً عن أن الموارد الأميركية شحيحة بما لا يمكنها من توفير شيء للدول الأخرى.
أكثر من ذلك، فقد حرصت بكين على تقديم نفسها كقائد في المعركة العالمية ضد الفيروس الجديد لتوسيع نطاق تأثيرها. فبينما رفضت الدول الأوروبية وأميركا تقديم المساعدة الطبية لإيطاليا وإسبانيا وصربيا من أجل مواجهة الفيروس، فقد سارعت الصين بإرسال الأدوات الطبية اللازمة لتلك الدول. ما دفع الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش إلى القول إن "الاتحاد الأوروبي وقت الشدائد ليس أكثر من كذبة، وأننا بدأنا نفكر جدياً بالاعتماد على التعاون والشراكة مع الصين بدل الغرب".
أكثر من ذلك، يؤكد العديد من المراقبين أن تداعيات الفيروس لن تتوقف على مجرد صعود الصين وتراجع أميركا، بل سيؤدي إلى تراجع القوى الغربية في مقابل تصاعد القوى الآسيوية، وهو ما ظهر في استجابة دول آسوية لمواجهة المرض مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة بشكل أفضل من الدول الأوروبية والولايات المتحدة.