يظن الكثيرون خطأً أن مجرد فهمك لمادة علمية ما يكفي لكي تستمر في تذكرها، بمعنى أنك قد تنهي تلك المحاضرة عن أشعار بدر شاكر السياب أو المعادلات التفاضلية وتفهمهما جيدًا، ثم بعد أربعة أيام مثلًا تحاول تذكر ما فهمته، ولكنك لا تستطيع، وذلك لأن الممارسة فقط هي ما يمكن أن ينقل المعارف إلى شكل أكثر صلابة في الدماغ.
في تلك النقطة تشير د. باربرا أواكلي إلى أن الممارسة تقوي من الوصلات العصبية الجديدة الناشئة بعد التعلم وتجعلها دائمة، لكن ذلك يجب أن يتم على مراحل متقطعة وليس بشكل مستمر، يشبه الأمر أن تقوم ببناء جدار عال، لا يمكن بسهولة أن تبنيه كله مرة واحدة فسوف يقع بسبب أن الإسمنت ما زال ليناً، أما إن قمت ببناء سطر ثم تفويت يوم كامل وبناء آخر باستمرار، فسوف تبني جدارا صلبا، كذلك بالنسبة للاستذكار، يجب أن تكون هناك فواصل زمنية، يوم مثلا أو اثنان، بين التمرين في شيء محدد.
التعلم إذن لا يعني الفهم فقط كما يظن بعضهم، ولا الحفظ فقط كما تظن مجموعة أخرى من الناس، لكن دمجهما معًا بصورة تبادلية، كأن تربط شعر فتاة صغيرة في صورة جديلة، حيث يشبه التعلم الفعال أن تجمع قطع أحجية Puzzle، الحفظ هو جمع تلك القطع، والفهم هو ترتيبها في صورة كاملة يمكن تذكرها بسهولة، نعم يمكن أن تحفظ شكل القطع قطعة قطعة، لكن ذلك سوف يكون صعبا للغاية، أما الفهم فيمكن له الربط بين القطع ليصنع صورة أقل كثافة يمكن حفظها بسهولة.
اقــرأ أيضاً
هذا الربط بين المعلومات المخزنة في ذاكرتك والجديدة القادمة إليها تسميه أواكلي في كتابها "عقل للأرقام" بالتجميع Chunking، ويشبه الأمر أن تحفظ أغنية ما، سوف تحفظ جزءاً منها، ثم تتمرن عليه كثيرًا حتى يصبح مألوفًا ويسهل تكراره، ثم تضيف جزءا جديدا للأغنية تربطه بما سبق، وهكذا حتى تتم حفظ وفهم الأغنية بالكامل، الآن يمكن أن تخرج مع غيتارك إلى لجنة الحكّام، أو إلى لجنة الامتحان إذا كنت تستذكر فيزياء نووية.
يتطور الأمر بعد ذلك لصنع روابط جديدة بين التجميعات التي قمت بتكوينها سابقًا، فقد تستذكر مثلا الميكانيكا الكلاسيكية، ثم النسبية في جانب آخر، ثم الكوانتم في جانب ثالث، ثم تربط ثلاثتها معًا في الصورة الكبيرة مثلًا، يؤثر ذلك كثيرًا في رتق الكثير من الفجوات الصغيرة التي حدثت أثناء خط سيرك لتعلم كل من تلك الموضوعات الصغيرة.
وما يفيد هنا بشكل أكبر أن احتراف تلك الطريقة في التعلم (جدلية الفهم/الحفظ) يفتح لك باباً أسهل لتعلم علوم أخرى ليست حتى من تخصصك، قد تكون فيزيائيًا وتجد من السهل أن تتعلم اللغة، الأدب الجاهلي، أو حتى الفلسفة مثلًا، ذلك لأن كل المعارف بالأساس تبني نفسها بتلك الطريقة، والعمل على تحسين صورتك الكبيرة هو – بتعبير أواكلي – السر الرئيس للإبداع، لأنه يفتح الباب لتصورات جديدة طارئة يمكن لها أن تساعدك في تكوين أفكار جديدة.
أضف لذلك كله تقنيتين إضافيتين هامتين لا تتعلق أي منهما بالاستذكار نفسه، لكن العلوم العصبية تؤكد أن لكل منهما دورًا هامًا في دعم التركيز، الأولى هي النوم الهادئ لساعات كافية، أو النوم لمدد قصيرة بين نوبات الاستذكار، حيث يمكن لذلك أن يساعد على تحقيق قدر أكبر من التعامل مع المواد العلمية التي تتعلمها، فقد أثبتت العديد من الدراسات أن الدماغ أثناء النوم ينشئ وصلات عصبية جديدة بنفس القدر وفي نفس المواضع المتعلقة بالتعلم.
وبالطبع، كما تحدثنا في نوعي التركيز (المباشر والمنتشر)، فرغم أن هناك العديد من الدراسات التي تشير إلى أن العقل أثناء مواجهة تجارب جديدة، بيئات جديدة، السفر مثلًا، ينشئ وصلات عصبية جديدة، لكن كذلك فإن التمرينات الرياضية تعطي نفس الأثر على أدمغتنا، ما تحتاجه إذن لرفع تركيزك هو قدر يسير من النوم الهادئ، وقدر يسير ومنتظم من ممارسة التمارين الرياضية.
اقــرأ أيضاً
التعلم إذن لا يعني الفهم فقط كما يظن بعضهم، ولا الحفظ فقط كما تظن مجموعة أخرى من الناس، لكن دمجهما معًا بصورة تبادلية، كأن تربط شعر فتاة صغيرة في صورة جديلة، حيث يشبه التعلم الفعال أن تجمع قطع أحجية Puzzle، الحفظ هو جمع تلك القطع، والفهم هو ترتيبها في صورة كاملة يمكن تذكرها بسهولة، نعم يمكن أن تحفظ شكل القطع قطعة قطعة، لكن ذلك سوف يكون صعبا للغاية، أما الفهم فيمكن له الربط بين القطع ليصنع صورة أقل كثافة يمكن حفظها بسهولة.
هذا الربط بين المعلومات المخزنة في ذاكرتك والجديدة القادمة إليها تسميه أواكلي في كتابها "عقل للأرقام" بالتجميع Chunking، ويشبه الأمر أن تحفظ أغنية ما، سوف تحفظ جزءاً منها، ثم تتمرن عليه كثيرًا حتى يصبح مألوفًا ويسهل تكراره، ثم تضيف جزءا جديدا للأغنية تربطه بما سبق، وهكذا حتى تتم حفظ وفهم الأغنية بالكامل، الآن يمكن أن تخرج مع غيتارك إلى لجنة الحكّام، أو إلى لجنة الامتحان إذا كنت تستذكر فيزياء نووية.
يتطور الأمر بعد ذلك لصنع روابط جديدة بين التجميعات التي قمت بتكوينها سابقًا، فقد تستذكر مثلا الميكانيكا الكلاسيكية، ثم النسبية في جانب آخر، ثم الكوانتم في جانب ثالث، ثم تربط ثلاثتها معًا في الصورة الكبيرة مثلًا، يؤثر ذلك كثيرًا في رتق الكثير من الفجوات الصغيرة التي حدثت أثناء خط سيرك لتعلم كل من تلك الموضوعات الصغيرة.
وما يفيد هنا بشكل أكبر أن احتراف تلك الطريقة في التعلم (جدلية الفهم/الحفظ) يفتح لك باباً أسهل لتعلم علوم أخرى ليست حتى من تخصصك، قد تكون فيزيائيًا وتجد من السهل أن تتعلم اللغة، الأدب الجاهلي، أو حتى الفلسفة مثلًا، ذلك لأن كل المعارف بالأساس تبني نفسها بتلك الطريقة، والعمل على تحسين صورتك الكبيرة هو – بتعبير أواكلي – السر الرئيس للإبداع، لأنه يفتح الباب لتصورات جديدة طارئة يمكن لها أن تساعدك في تكوين أفكار جديدة.
أضف لذلك كله تقنيتين إضافيتين هامتين لا تتعلق أي منهما بالاستذكار نفسه، لكن العلوم العصبية تؤكد أن لكل منهما دورًا هامًا في دعم التركيز، الأولى هي النوم الهادئ لساعات كافية، أو النوم لمدد قصيرة بين نوبات الاستذكار، حيث يمكن لذلك أن يساعد على تحقيق قدر أكبر من التعامل مع المواد العلمية التي تتعلمها، فقد أثبتت العديد من الدراسات أن الدماغ أثناء النوم ينشئ وصلات عصبية جديدة بنفس القدر وفي نفس المواضع المتعلقة بالتعلم.
وبالطبع، كما تحدثنا في نوعي التركيز (المباشر والمنتشر)، فرغم أن هناك العديد من الدراسات التي تشير إلى أن العقل أثناء مواجهة تجارب جديدة، بيئات جديدة، السفر مثلًا، ينشئ وصلات عصبية جديدة، لكن كذلك فإن التمرينات الرياضية تعطي نفس الأثر على أدمغتنا، ما تحتاجه إذن لرفع تركيزك هو قدر يسير من النوم الهادئ، وقدر يسير ومنتظم من ممارسة التمارين الرياضية.