كيف أصبح رحّالةً؟

17 مارس 2016
سافر بروحك قبل جسدك (مواقع التواصل)
+ الخط -
السؤال الذي يطرح علي عشر مرات في اليوم. يقول لي أحد الرحّالة: "لطالما استهوتني صور الرحالة، ولكن لم يسبق لي أن جربت حياة الرحالة، ثم في لحظة يأس وملل، قررت السفر إلى مخيم إيفرست الشهير Everest camp. وذهبت لمتاجر أغراض الرحلات Outdoors Stores، واشتريت كل العدة الاحترافية اللازمة، ولبست "ماركات" الرحالة من رأسي إلى أخمص قدمي. وبعد يومين من بدء الرحلة كانت مروحية تحملني من منطقة قريبة من مخيم إفرست إلى أقرب مشفى طبي بسبب سقوطي مغشياً عليه نتيجة لعبة ضغط المرتفعات، وتكبدت خسائر مالية كثيرة! لكنها البداية التي تعلمت منها كل شيء".

لا يمر عليّ يومٌ - في وسائل التواصل الاجتماعي - من دون سؤال من الجمهور: كيف أصبح رحالةً؟ وشخصياً لم أعرف إجابة هذا السؤال من قبل، لإن دخولنا في عالم الرحلة والاستكشاف كان ارتجالاً ونتيجة لخبرات تراكمية لم يكن مخططا لها من قبل، لذا لا أجد أجابة معلبةً جاهزةً لهذا السؤال. ولطالما قسمت السفر إلى عدة درجات مختلفة: أولاً السفر، ثم السياحة، وأخيراً الرحلة.

وفي عالم الرحلة هناك أكثر من صنف للرحالة، وأصنف نفسي رحالةً اجتماعياً يهتم باكتشاف الثقافات والمدن، وإجابتي ستقتصر على الرحالة الاجتماعي فقط. وتماشياً مع العقلية المدنية المعاصرة التي تحب أن تضع خطوات وأنظمة لكل شيء، سأحاول جمع عدة نقاط ارتكاز أساسية تشكل بداية جيدة لكل رحالة:

1- سافر بروحك قبل جسدك
ماذا ألبس؟ أي حقيبة تنصح بها؟ ما هي المعدات اللازمة؟...إلخ. هذه كلها أشياء شكلية وديكورات غير مهمة. المهم هو تواضع روحك وقبولها الآخرين، المهم ألا تشعر بأنك أرقى أو أفضل أو أسعد منهم بشيء، اللحظة التي تشعر فيها بتقزز أو نفور من ثقافة أو مجتمع أو شخص، يعني أنك قد بنيت حاجزاً غليظاً سيمنعك من التمازج معهم. هل رأيت شيخ الدين الذي يقيم الليل ويصوم النهار ويرى نفسه أحقر الخلق وأصغرهم، ذلك مكانك في الرحلة، أقل الناس قدراً وأوضعهم ثقافة. وستكتشف حينها أن الآخرين - ممن استصغرتهم - يملكون أشياء لا تشترى. هذه الروح المتواضعة - وحدها - تجعلك تشارك عشرة أرجنتينيين شرب "المتة" من مصاص واحد، ومن بعدها ستدخل معهم في ثرثرة لا تنتهي تفهم من خلالها العقد الأرجنتينية المتراكمة في دواخلهم.

هذه الروح تجعلك تجلس مع الإثيوبيين في غرفة "البركة" حيث يتناولون القات ولتنكشف أسرارهم ودواخلهم. هذه الروح المنفتحة تعطيك تلك اللمسة الحانية التي تمسح فيها على أي مجتمع لتخرج الجنيَّ من المصباح.

ما زلت أذكر حينما كنت في ماراكايبو في فنزويلا - من أخطر مدن العالم - حيث كنت أتنقل بكيس بلاستيكي يجمع احتياجاتي، وكانت من أسعد أسفاري وأكثرها عمقاً وغوراً في مدينة لا يجرؤ أحد على زيارتها، لكن الروح المنفتحة هي من تفتح لك المصاريع.

2- معلوماتك هي سلاحك
بقدر ما تقرأ عن المجتمع، بقدر ما تتفتح لك الحوارات والأبواب والبيوت. وكلّ ما عرفت أكثر عن المدينة، كلما سهل عليك تكوين علاقة حب ناضجة معها. والمعلومات قد تكون: تاريخاً (مادتي المفضلة)، سياسةً، رياضة (التي أجهلها) اجتماعاً، أخباراً، اقتصاداً، رموزاً، فنوناً... ونوعية المعلومات ستقودك إلى نوعية العلاقات البشرية التي ستنسجها. فمعرفتك - مثلاً - بـ"كرة القدم" ستعرفك بالطبقة التي تعشق الكرة، بينما معرفتك بالسياسة ستفتح لك أبواب المهتمين بالشأن السياسي. ونصيحتي في تجميع المعلومات عن المدينة تتدرج على النحو التالي:
- كتب تخطيط الرحلات Guide books
عادة ما تمنحك هذه الكتيبات، ثقافة شاملة عن البلد والتنقل فيها، وغالب الشركات - المحترمة - تقوم بتنقيح كتبها سنوياً. وللأسف لا يوجد شركات عربية تصدر كتب التخطيط للرحلات، والشركات تترجم كتبها لعدة لغات عدا العربية لقلة الرحالة العرب، واعتماد العرب على المعلومات السمعية.

- كتاب تاريخي
 بالنسبة لي فهم تاريخ المدينة هو السبيل الوحيد لفهم حالتها الراهنة، كما أن فهم التاريخ يعطي للأماكن قيمتها ويعطيك شعور التناغم والاندماج مع المكان. فزيارة "مدرسة الحسن" أو "مدرسة ابن طولون" في القاهرة لن يكون لها معنى دون فهم تاريخ المماليك. ولن تفهم تكوين الشخصية المكسيكية ولا احترامهم المبالغ فيه للناس من غير معرفة ماذا فعل الاستعمار الإسباني بهم؟ ولن تعرف لماذا يحب المصريون توزيع الألقاب مثل:باشا، بيك، أفندم ... إلا بعد معرفة التاريخ العثماني في مصر.

- قراءة مذكرات شخصية لرمز من رموز البلد
لإن المذكرات الشخصية تعطيك إيقاع الحياة اليومي للمدينة، وتعطيك الكثير من عاداتهم الراهنة التي ترتبط بشخصية المدينة. فقراءة "مذكرات كاسترو" ستجعلك تفهم لماذا توجد صور عبدالناصر في متحف الثورة.

- صحيفة يومية
متابعة قراءة صحيفة يومية لمدة أسبوعين قبل السفر سيتيح لك أن تكون ملماً بأحداثهم اليومية، وخصوصاً السياسية والرياضية والأمنية. وهو ما يعطيك القدرة للحديث مع الناس بكل انسيابية.
أعتقد ان تجهيز عقلك بكل أو بعض ما سبق سيسهل عليك رحلتك.

3- تكوين علاقات إلكترونية
المواقع الإلكترونية أصبحت تسهل التعارف على الناس، ما عليك إلا أن تكتب شيئا من اهتماماتك في غوغل وستجد العجب العجاب، ولا يزال فيسبوك هو الأقوى والأكثر تأثيراً في تكوين علاقات دولية.

4- المدونون والفيديويون (إن صحت الترجمة) Bloggers & Vloggers
أوصيكم بالرحالة المدونين، فهم ينقلون الكثير من المعلومات المعاصرة عن الدول، فهم يقدمون أدب رحلات تفاعليا ومعلومات طازجة. أما الفيديويون VLOGGERS فهم مدونون يقدمون مذكراتهم اليومية بالفيديو، ولهم مدوناتهم الخاصة أو قنوات على اليوتيوب.

5- اللغة
تعلم الكلمات الأساسية سيبسط لك الأمور، ويشجع الناس على التعرف إليك.

6-التخطيط المبكر
وهو ما يساعد في خفض التكلفة، واستثمار الوقت، وبناء صداقات مبكرة، وهو ما سيعينك على اختيار حاجاتك المناسبة من حقيبة وملابس ولحاف وخيمة.

وإذا كانت العرب ترى الفصاحة في الإيجاز، أوجز الإجابة على سؤال كيف تكون رحالة؟ بعبارة واحدة: القليل من الجرأة والكثير من الثقافة.


*رحالة كويتي
انستغرام
Q8backpacker

دلالات
المساهمون