كورونا ينسف جهود إنعاش السياحة والفوسفات في تونس... صدمة غير مسبوقة

19 ابريل 2020
الوباء يضر بقطاع السياحة الحيوي (فرانس برس)
+ الخط -

 

لم تكد تونس تتنفس الصعداء بعودة السياحة إلى نشاطها وتحرّك عجلة تصدير الفوسفات وتحقيق استقرار في احتياطي النقد الأجنبي وسعر صرف العملة المحلية، حتى أطلت تداعيات فيروس كورونا لتطبق على ما تحقق، وتدفع موارد البلاد نحو أزمة حادة حال اتساع نطاق أضرار الوباء واسع الانتشار عالمياً.

وتسجّل القطاعات الحيوية منذ بداية الجائحة تراجعاً كبيراً في حجم نشاطها. وأظهرت رسالة وجّهتها الحكومة التونسية، إلى صندوق النقد الدولي، قبل أيام، أن قطاع السياحة مهدد بخسائر قد تصل إلى أربعة مليارات دينار (1.4 مليار دولار) وفقدان 400 ألف وظيفة بسبب تداعيات الوباء، متوقعة أن ينكمش الاقتصاد بأكثر من 4.3 في المائة خلال العام الجاري 2020، في أسوأ ركود منذ استقلال البلاد في 1956.

ويقول كاتب عام جامعة وكالات الأسفار، ظافر لطيف، إن فيروس كورونا تسبب في شلل تام لكل الأنشطة السياحية، ليعيد القطاع إلى نقطة الصفر، بعد أن تمكن العام الماضي من جلب 9 ملايين سائح، وتحقيق نتائج إيجابية لم تبلغها السياحة التونسية منذ 9 أعوام.

ويضيف لطيف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الناشطين في القطاع كانوا يخططون هذا العام لتحقيق مستويات قياسية، باستقطاب 10 ملايين سائح، وتحصيل إيرادات قياسية، قبل أن يعصف الفيروس بكل هذه التوقعات، مشيرا إلى أن عودة النشاط التدريجي متوقف على عودة حركة النقل الجوي، وتحسن الوضع الصحي العام في كل البلدان، لكن من المتوقع أن يستمر إغلاق المنتجعات السياحية إلى حدود الربع الأخير من العام الجاري.

وصناعة السياحة، واحدة من أبرز القطاعات المتضررة في تونس. وإلى حدود مارس/آذار الماضي كانت السياحة التونسية تسجل تطوراً في حجم الإيرادات، لتزيد بنحو 5 في المائة على أساس سنوي لتبلغ 960 مليون دينار (335 مليون دولار) مقارنة بذات الفترة من العام الماضي 2019، وفق بيانات صادرة حديثا عن البنك المركزي التونسي. والعام الماضي، بلغت الإيرادات حوالي ملياري دولار، وكانت تأمل أن تستمر الانتعاشة.

ويرى مسؤولون وخبراء اقتصاد، أن الأزمة لن تقتصر على السياحة التي ركزت عليها الرسالة التي وقّعها محافظ البنك المركزي، مروان العباسي، ووزير المالية نزار يعيش، إلى صندوق النقد الدولي، مشيرين إلى أضرار بالغة تلاحق قطاع الفوسفات، الذي يُعد أحد أعمدة الاقتصاد التونسي.

ويتوقع عبد الرزاق الوناسي، المدير العام للمجمع الكيميائي التونسي، أن تتراجع صادرات الفوسفات خلال العام الجاري بأكثر من 50 في المائة، نتيجة تباطؤ الإنتاج بسبب جائحة كورونا، مشيرا إلى أن الشركة ستضطر إلى الاقتراض لمواجهة المصاريف والخسائر التي ستترتب على تراجع نشاطها.

ويقول الوناسي، لـ"العربي الجديد"، إن المجمّع كان يتوقع أن يرتفع الإنتاج إلى نحو 5 ملايين طن هذا العام، غير أن التداعيات الناجمة عن الوباء ستؤدي إلى هبوط الإنتاج إلى نحو 2.6 مليون طن.

ويضيف أن المجمع بصدد البحث عن خطوط تمويل (قروض) من أجل تحسين وضعه المالي، ومجابهة الخسائر المترتبة على تراجع الإنتاج، لافتا إلى أن المؤسسة تحتاج سنوياً إلى نحو 100 مليون دينار (34.48 مليون دولار) لسداد رواتب 6 آلاف عامل، إضافة إلى مبلغ مماثل لدعم القطاع الزراعي والأسمدة الموجهة للاستخدام الفلاحي، ما يشكل عبئا كبيرا على المجمع الحكومي.

ويقول إن إنتاج وتصدير الفوسفات كان قد بدأ يتعافى في الربع الأخير من العام الماضي والشهر الأول من 2020، قبل أن يبدل كورونا المنحى التصاعدي إلى الهبوط، ما يهدد القطاع بالعودة إلى نقطة البداية.

ولم تعد تونس منذ سنة 2011 على خريطة كبار المنتجين العالميين للفوسفات، بعدما كانت ضمن الخمسة الأوائل في العالم. وتضم قائمة الدول الخمس الأعلى إنتاجاً الصين والولايات المتحدة والمغرب وروسيا والأردن. وكان الفوسفات يمثل نحو 10 في المائة من صادرات تونس قبل نحو عشر سنوات، بينما حلّ زيت الزيتون محله، متصدراً قائمة الصادرات.

وفي 2018، انكمشت حصة الفوسفات من الصادرات لتصل إلى نحو 4 في المائة. وتسببت الإضرابات ووقف إنتاج الفوسفات، وهي صناعة حيوية لتونس ومصدر رئيسي للعملة الأجنبية، في خسارة نحو 8 مليارات دولار منذ 2011، وفق البيانات الرسمية.

كما تمتد أضرار كورونا إلى الصادرات الصناعية المختلفة، وتحويلات العاملين في الخارج، لا سيما في دول الخليج التي توقفت فيها الكثير من المشروعات بسبب الوباء واتجهت إلى عمليات تسريح لجزء من العمالة لديها، ما يهدد في النهاية مصادر النقد الأجنبي للدولة.

وتراجع العائدات بالعملة الصعبة، سيكون له تأثير على المالية العمومية، وهو ما سيؤدي إلى اللجوء إلى مزيد من الاقتراض الخارجي، بحسب الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف.

ويقول الشريف لـ"العربي الجديد" إن "كل المصادر الأساسية للنقد الأجنبي معطلة، وهذا الوضع قد يستمر لأشهر، ما يستدعي تعبئة رصيد من العملة من مصادر غير تقليدية واستغلال كل الإمكانيات المتاحة لتحريك الصادرات الزراعية نحو الأسواق التي تعاني من صعوبات توفير الغذاء".

ويضيف أن رصيد العملة الصعبة لدى البنك المركزي التونسي لا يزال مطمئنا، غير أن امتداد الأزمة لأشهر قادمة قد يستنزف جهد السلطات المالية في تعبئة هذه الموارد، ويؤدي إلى انزلاق جديد في قيمة الدينار.

وأظهرت بيانات صادرة عن البنك المركزي، في وقت سابق من إبريل/نيسان الجاري، ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى 22.3 مليار دينار (7.7 مليارات دولار)، أي ما يعادل واردات 131 يوماً، مستفيدا من قروض ومساعدات دولية بحوالي مليار دولار حصلت عليها لمواجهة تداعيات فيروس كورونا.

وقال البنك المركزي إن احتياطي العملة الصعبة في هذه الفترة من العام الماضي كان في حدود 14.3 مليار دينار، أي ما يغطي واردات 83 يوما. وحصلت تونس الأسبوع الماضي على قرض بقيمة 745 مليون دولار من صندوق النقد الدولي بهدف احتواء آثار فيروس كورونا، كما منحها الاتحاد الأوروبي نحو 275 مليون دولار.

وقال صندوق النقد الدولي، إن برنامج تمويل جديدا مع تونس قد يبدأ في النصف الثاني من 2020. وينتهي خط التمويل السابق الموقع في 2016 بقيمة 2.8 مليار دولار الشهر الجاري.

في هذه الأثناء، قالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني العالمية، إنها وضعت تصنيف تونس "قيد المراجعة"، مشيرة إلى إمكانية خفض التصنيف في ضوء ما وصفته بصدمة غير مسبوقة للاقتصاد جراء تداعيات فيروس كورونا الجديد.

وأشارت الوكالة في بيان، وفق وكالة الأناضول، إلى أن المراجعة ستركز على تقييم قدرة السلطات التونسية على إدارة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والمالية الناجمة عن تداعيات كورونا.

ولفتت في البيان الصادر الجمعة وأوردته وكالة الأناضول، أمس، إلى أن "تشديد الظروف في الأسواق الدولية، سيؤدي إلى خطر شديد في الحصول على التمويل على المدى الطويل".

وذكرت موديز أن "الصدمة الاقتصادية العالمية ستؤدّي بشكل رئيسي إلى زيادة تكلفة التمويل، وانخفاض عائدات السياحة، وتباطؤ ملحوظ في نمو الناتج المحلي الإجمالي مما سيزيد من ديون تونس الخارجية".

وأضافت أنها "من خلال هذا البيان، ترسل إشارة للمستثمرين الدوليين بأن الاقتصاد التونسي يواجه صدمة غير مسبوقة يمكن أن تغيّر الوضعية الائتمانية للبلاد". وكانت "موديز" قد عدلت نظرة تونس من سلبية إلى مستقرة في 14 فبراير/ شباط الماضي، مع تأكيد التصنيف B2.

المساهمون