حالياً، وبعد حالة الطوارئ التي تعيشها غزة، بسبب تخوفات الحكومة والمواطنين من تفشي فيروس كورونا، بات الرجل يعود إلى بيته في نهاية النهار، دون أن يشتري المستلزمات الكافية لأطفاله الستة.
يقول غَبِن (35 عاماً): "خلال الأيام السابقة كنت أحصّل من عملي يومياً مبلغاً يراوح بين 40 و60 شيقلاً (الدولار يساوي 3.5 شيقل تقريباً). أمّا اليوم، ورغم الخطر الذي أشعر به بسبب الفيروس، فلم أعد أحصّل سوى أقل من 20 شيقلاً، بسبب قلة خروج الناس من بيوتهم وإغلاق الكثير من المؤسسات".
وفي الخامس من مارس/ آذار الماضي، أعلنت الحكومة في قطاع غزة إغلاق دور العبادة، وتعليق الدوام المدرسي والجامعي، وأغلقت عدداً من المرافق العامّة، وأصدرت تعليمات للمواطنين بمنع التجمعات والتزام المنازل.
وأثّرت تلك القرارات بمختلف المناحي الحياتية في غزة، وكان السائقون والعمال، من أكثر القطاعات المتضررة، نظراً لأنهم يعتمدون في دخلهم على ما يجمعونه من مال خلال عملهم اليومي.
أضرار فادحة
أما يونس الكحلوت، الذي يعمل منذ عدّة سنوات في استئجار المقاصف المدرسية، فلم يتعرض في حياته لضررٍ كالذي واجهه حالياً، منذ قرار إغلاق المدارس.
ويوضح الكحلوت أنّه وغيره من مستأجري المقاصف تعرضوا لخساراتٍ كبيرة. فالعام الدراسي عبارة عن تسعة أشهر فقط، وضياع عمل شهر كامل منها أمر مرهق لهم، خاصّة أنّهم عانوا سابقاً من ضعف الحركة الشرائية للطلاب، الناتجة من الظروف الصعبة التي يعيشها الناس في غزة.
من جهته، يقول مدير العلاقات العامة في وزارة التربية والتعليم، معتصم الميناوي، إنّ الوزارة ستعمل على تقييم الأضرار التي لحقت بمستأجري المقاصف، بهدف إنصافهم وتقليل خسائرهم.
وفي مخيم جباليا، شمالي القطاع، أغلق مقهى "الجمل" أبوابه أمام زواره الشباب منذ بداية الأسبوع الماضي، "وذلك بسبب التخوفات لدى القائمين عليه، من دخول شخص لديه عدوى إليه، دون أن ينتبه، فتقع كارثة لجميع الموجودين وطاقم العمل".
وكان المقهى من بين أوائل المقاهي التي شرعت إداراتها في هذه الخطوة انسجاماً مع حالة الطوارئ والإجراءات الاحترازية التي تعمل بها المؤسسات الرسمية، مع علمها المسبق بمدى الخسائر العالية التي ستسببها، إضافة إلى أنّها تحرم عدداً من العمال أجورهم اليومية.
بدوره يقول الشاب سامر عيّاد، الذي يعمل في أحد الفنادق الواقعة قرب شاطئ بحر غزة، إنّه تعطّل من العمل منذ بداية الشهر الماضي.
ويوضح عياد أن المكان الذي يعمل فيه صار خالياً من الزوار ومن الفعاليات والاحتفالات، التي كانت مؤسسات المجتمع المدني تعقدها في داخلها باستمرار في المناسبات المختلفة.
ويوضح صلاح أبو حصيرة، رئيس هيئة المطاعم والفنادق والخدمات السياحية في غزة (نقابة محلية)، أنّ نحو 200 منشأة سياحية ومطعم أُغلقَت في القطاع؛ بسبب الأزمة الحالية التي تضرر منها كذلك نحو 6 آلاف عامل.
ويلفت إلى أنّ أصحاب المنشآت السياحية والمطاعم يعيشون حالةً صعبة بسبب الديون المتكدسة عليهم، إضافة إلى خسائرهم التي ستصل خلال الفترة المقبلة إلى ملايين الدولارات، مضيفاً أن "هذا مؤشر خطير جداً، يجب على الجهات المسؤولة تداركه قبل أن يتحول إلى كارثة".
رزق البسطاء
ولحقت الأضرار الاقتصادية كذلك بمئات الباعة البسطاء الذين كانوا يقصدون الأسواق الأسبوعية التي تعقد في أماكن القطاع المختلفة، لبيع بضائعهم بأسعارٍ بسيطة للمواطنين، بشكلٍ يضمن لهم هامش ربح بسيط، وذلك بعد قرار حكومة غزة تعطيل العمل في تلك الأسواق مؤقتاً.
ويروي البائع إسماعيل موسى، الذي يقطن جنوبي غزة، أنّه لم يتغيب عن البيع طوال السنوات العشرين التي أمضاها بالعمل داخل الأسواق الأسبوعية، إلّا في حالة الطوارئ، لأنّ رزقه منها "يومي".
من جانبه، يشرح إبراهيم طه، الذي يقطن في المحافظة الوسطى ويعمل منذ شهور داخل دولة الاحتلال تحت غطاء "تصاريح التجار"، أنّه تضرر كثيراً من إجراءات الطوارئ، حيث مُنع كغيره من العمّال من الدخول للعمل، خاصّة أنّ إسرائيل تعيش حالياً أزمة بسبب تفشى فيروس كورونا فيها.
ويعمل مئات من فلسطينيي القطاع، عمالاً في دولة الاحتلال، بشكل غير مباشر، بعد أن يحصلوا على تصاريح تفيد بأنهم "تجّار".
بدوره، يرى المختص الاقتصادي ماهر الطبّاع، أنّ الأزمة الاقتصادية التي رافقت انتشار جائحة "كورونا"، فاقمت من مشاكل الفقر والبطالة في قطاع غزة.
ويقول إن "الأزمة معقدة على الصعيد العالمي، وتهدد كثير من اقتصادات الدول الكبرى؛ فكيف سيكون الحال في قطاع غزة المنهار اقتصادياً؟".
ويضيف أن "قطاع غزة المنهار اقتصادياً بالأصل، تأثر كثيراً من الناحية الاقتصادية، وذلك ظهر من خلال تضرر كثير من قطاعات العمل فيه، التي تشمل الفنادق والمطاعم والمقاهي وشركات النقل العام، وسائقي الأجرة والعاملين في داخل إسرائيل وغيرهم".
وبرأي الطبّاع، إنّ الجهات الحكومية، على الرغم من معاناتها من أزمة مالية، يمكن أن تتخذ عدداً من الإجراءات التي تساهم في دعم الأماكن المتضررة وللحفاظ على رزق الناس البسطاء، مثل الإعفاءات الضريبية، وتخفيض رسوم التراخيص التي تحصل عليها من أصحاب الحرف والمهن.
ويعاني قطاع غزة من أوضاع معيشية قاسية، بفعل الحصار، وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي) تبلغ نسبة البطالة في قطاع غزة 45 بالمائة، لكنّ اللجنة الشعبية الفلسطينية لكسر الحصار عن قطاع غزة (غير حكومية) تقول إن النسبة الحقيقية للبطالة في غزة تفوق 60 بالمائة، وقالت في بيان الأسبوع الماضي إن جائحة فيروس كورونا فاقمت الفقر والبطالة في القطاع.
وحذرت الأمم المتحدة الأحد الماضي من تداعيات كورونا على "بقاء السلطة الفلسطينية واستمراريتها"، ودعت الدول المانحة والمجتمع الدولي إلى "تقديم دعم سخي ومساعدات تقنية، لمواجهة الأضرار الهائلة التي حلّت بالاقتصاد الفلسطيني نتيجة تفشي الفيروس".
وأوضح المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، أن "الصدمات السلبية للاقتصاد الفلسطيني، نتيجة الوباء، سيكون لها آثار عميقة على الرفاهية العامة، والعمالة، والتماسك الاجتماعي، والاستقرار المالي والمؤسسي".
(الأناضول)