كورونا يضع عهد آبي أحمد تحت المجهر

30 مارس 2020
سجلت إثيوبيا إصابات عدة بكورونا (مايكل توالدي/فرانس برس)
+ الخط -
يتلقى أكثر من 35 مليوناً من سكان منطقة أوروميا في إثيوبيا، بحسرةٍ، الأخبار المتداولة من الجارة كينيا، عن الشراكة بين عملاق "غوغل"، و"ألفابيت"، وشركة "تيلكوم كينيا" الوطنية، للبدء بتوفير خدمة الإنترنت فائقة السرعة، عبر بالونات عملاقة في الفضاء، لسكان هذا البلد كافة. ويناشد العديد من المستخدمين للإنترنت في هذه المنطقة، المحيطة بالعاصمة أديس أبابا، عبر "تويتر"، حكومة آبي أحمد، تحرير الإنترنت، المحجوب عنهم منذ أشهر، بحجة إخماد السلطات محاولات تمرد في منطقة أوروميا، التي يتحدر آبي أحمد نفسه منها. وسبب المناشدة، هذه المرة، تفشي فيروس كورونا الجديد، الذي بدأت ترتفع أخيراً وتيرة المصابين به في القارة الأفريقية. ويعرف الإثيوبيون، كما غيرهم من الأفارقة، مدى هشاشة قارتهم اقتصادياً واجتماعياً، إذا ما تمكن الفيروس الذي تسرّب إليها، من التحكم بها. وتُذكرهم تجارب سابقة في انتشار الأوبئة، بذلك، وبحجم الكارثة الصحية المقبلة التي قد تكون بانتظارهم.

ويعتبر تفشي وباء "كوفيد 19"، اختباراً لحكومات دول العالم، ومدى قدرتها على اعتماد استراتيجية متكافئة اقتصادياً واجتماعياً، لمواجهته. وفي جنوب الأرض، تتصاعد التحذيرات من منظمات دولية من أن يكون الفيروس أكثر فتكاً، وأكثر إيلاماً. ويُنظر إلى إثيوبيا، ثانية كبرى دول أفريقيا من حيث عدد السكان، على أنها مشروع واعد. لكن اختبار كورونا، مثله مثل اختبارات أخرى سابقة، قد يشكل خطراً على سمعة عهد آبي أحمد، الحاصل على جائزة نوبل للسلام في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي لا يزال يُصمّ أذنيه عن مطالبات محلية، ومن منظمات حقوق الإنسان، لإعادة خدمات الإنترنت إلى نحو ثلث سكان البلد. ويعتبر التواصل الاجتماعي الافتراضي، بعكس التقارب الجسدي، الحجر الأساس لمتابعة تفشي الفيروس، والوقاية منه. وفي حالة إثيوبيا، يعجز ثلث سكانها اليوم كذلك عن متابعة أعمالهم من منازلهم، في وقت تحدثت فيه مواقع عدة قبل أشهر عن خسائر بملايين الدولارات يومياً، جرّاء استمرار قطع الإنترنت عن منطقة أوروميا.

ووجهت جماعات حقوقية، وكذلك مواطنون، نداءات إلى الحكومة الإثيوبية، دعتها إلى إنهاء حجب الإنترنت في منطقة أوروميا الغربية وأجزاء من منطقة بنيشانغول غوموز، بعدما تركت هذه الخطوة ملايين الأشخاص غير مطلعين على آخر تطورات تفشي كورونا في العالم، ومحلياً، حيث ينشر المسؤولون الحكوميون تحديثات حول الموضوع تباعاً. وكانت إثيوبيا قد سجّلت أول حالة إصابة مؤكدة بالفيروس في 13 مارس/ آذار الحالي، ولديها حالياً 10 حالات. وفي السياق، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن ملايين الإثيوبيين لا يحصلون على معلومات دقيقة، في الوقت المناسب، عن "كوفيد 10"، على الرغم من إشادتها بجهود آبي أحمد لـ"إدارة عملية الوقاية من تفشي الفيروس الجديد في القارة الأفريقية"، لافتة في المقابل إلى أنه "لا ينبغي له تجاهل احتياجات أولئك الموجودين داخل بلاده". وقال السياسي يوهانيس تيسيما، من منطقة بنيشانغول غوموز، لوكالة "أسوشييتد برس"، إن "خطوط الإنترنت والهواتف مقطوعة في بعض المواقع"، وإن "من الصعب نشر معلومات عن الوباء للسكان"، موضحاً أن هذه المنطقة "لم تشهد قط مثل هذا القطع طويل الأجل في الماضي. إن الناس في هذه المناطق لا يحصلون على تحديثات ضرورية للغاية، وهذا أمر خطير". من جهتها، ترى الحكومة أن المنطقة، التي تعيش أجواء تمرد منذ أشهر، غير معرضة لتسرب الفيروس. وكتب أحد مسؤولي الحزب الحاكم (الجبهة الديمقراطية لتحرير أورومو) في منطقة أوروميا، تاي ديندا، قبل أيام، على صفحته على موقع "فيسبوك"، أن "السائحين والأجانب الآخرين لا يسافرون إلى هذه المناطق بسبب المشكلة الأمنية الموجودة هناك، لذلك هناك فرصة ضئيلة لأن يصل الفيروس إليها".

وليس حظر الإنترنت، والتشديد على مراقبة محتواه السياسي، جديداً في إثيوبيا، تماماً كسلوك السلطة الائتلافية الحاكمة منذ إطاحة النظام الماركسي في بداية تسعينيات القرن الماضي، بعدما فشلت في توحيد البلاد، التي تتكون من فسيفساء عرقية، على قاعدة وطنية. وكان عهد رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي مريام ديسالين، الأكثر إيلاماً لناحية حجب الإنترنت، مع الإعلان في فترة ولايته عن حالات طوارئ مرات عدة، لأسباب تتعلق خصوصاً بحركات التمرد الإثنية.


وعلى الرغم من وصول آبي أحمد إلى الحكم في إبريل/ نيسان من عام 2018، رافعاً شعار توحيد البلاد، ومنفذاً عدداً من الخطوات التي تصبّ في إطار حرية التعبير، والانفتاح على الأحزاب والمعارضات والمنشقين، إلا أن ذلك لم يحجب بعد أشهر قليلة من توليه السلطة، نزعته لديكتاتورية مُبطنة، وذلك على الرغم من أن ما يواجهه، في الوقت ذاته، حركات تمرد إثنية، تجد لها جذوراً قوية في المجتمعات الإثيوبية المتنوعة، وتسعى إلى استغلال إرخاء الائتلاف الحاكم (المكون حالياً من أحزاب الأورومو الديمقراطي، والأمهرا الديمقراطي، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا فقط بعدما انسحبت جبهة تحرير تيغراي) حالياً بعض قيوده، للمطالبة والضغط من أجل ما ترى فيه حقوقها في الأرض والسلطة والثروات. واتخذت مظاهر العنف أيضاً طابعاً أكثر حدة، مع تحولها أحياناً إلى صراعات داخل الإثنية الواحدة.

وتعيش منطقة أوروميا انقطاعاً في الإنترنت منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إثر اندلاع أحداث عنف أدت إلى مقتل العشرات، بعدما اتهم الناشط السياسي جوار محمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، الذي كان ساعده في الوصول إلى الحكم عبر تحريك تظاهراتٍ ضد سلفه، بمحاولة تصفيته. ومنطقة أوروميا واحدة من تسع مناطق إثيوبية، حسب التقسيم الدستوري، ويبلغ عدد سكانها 35 مليون نسمة. ويشكل شعب الأورومو ثلث عدد سكان البلاد، البالغ 105 ملايين نسمة. ويجادل جوار محمد، الذي كان قد دعم إسقاط ديسالين للتخلص من حكم إثنية التيغراي (انسحبت من الحكم)، في أن آبي أحمد يسعى إلى إنشاء حكمٍ مركزي، وإلى إهمال حقوق شعب الأورومو. ولهذا الناشط السياسي ما يبرر الالتفاف حوله، فخلال دوامة العنف التي اندلعت في أكتوبر الماضي، وخصوصاً في أداما، جنوب شرقي العاصمة، اعتقلت السلطات مئات الأشخاص، وأطلقت النار على من وصفتهم بالمشاغبين. وهؤلاء تشكّل بعضهم من شبان الـ"كيرا"، التي تضم نحو مليون شخص، وتدعم جوار محمد. لكن أحداث العنف الدموية في أوروميا عكست تحديات أخرى لسمعة آبي ومستقبله السياسي، في وقت كان يستعد فيه لانتخابات مرتقبة هذا العام، ويطمح إلى توحيد الائتلاف في حزب جديد، يمثل رؤيته "الوحدوية" لمستقبل إثيوبيا. ومن جملة هذه التحديات، عمليات قتل ممنهجة تعرض لها مواطنون من قومية أقلية الأمهرة في المنطقة. وتعيش الأمهرة صراعات طويلة مع التيغراي حول الأرض، فيما يربطها الأورومو بعهد إمبراطورياتٍ قمعية حكمت البلاد. وترتبط الكنيسة الأرثوذكسية، التي تمثل نحو 40 في المائة من سكان إثيوبيا، بشكلٍ كبير بالأمهرة، وهي عبّرت عن انتقادات إثر أحداث أكتوبر الماضي.

وفي الواقع، يتقاطع حظر الإنترنت في إثيوبيا، مع دوامات عنف مناطقية تحمل طابعاً إثنياً، أرخت بثقلها على عهد آبي منذ بدايته. فبعد أشهر قليلة على وصوله للحكم، لم يتمكن رئيس الوزراء الإثيوبي الشاب من وقف حلقة العنف بين الأورومو وإثنية أصغر، الجديو (مليون نسمة). وتدين الجديو التمييز الذي يتعرض له أبناؤها من مزارعي القهوة على حدود المنطقة.

وكانت أولى محطات العنف الأكثر خطورة في عهد آبي أحمد قد اندلعت في "المنطقة الصومالية" التي تقع شرقي إثيوبيا في أغسطس/ آب 2018، وتمددت إلى أوروميا المجاورة، مسببةً فرض السلطات حظراً واسعاً لخدمات الإنترنت. وترتبط أحداث العنف بدخول القوات الإثيوبية إلى بلدة جيغجيغا، عاصمة إقليم الصومال، وسيطرتهم على مبانٍ حكومية، وتصادمهم مع قوات الشرطة المحلية، ما أدى لاحقاً إلى امتداد العنف إلى منطقتي دير داوا وهرار، ثم إطاحة رئيس الولاية عبدي محمود عمر. واتخذت هذه الأحداث طابعاً إثنياً، مع تصادم شعب الصومال والأورومو. وتزامن ذلك مع إعلان "جبهة تحرير أوغادين"، وهي مجموعة متمردة مسلحة تطالب منذ 27 عاماً باستقلال إقليم أوغادين، أو ما يعرف بالهضبة الصومالية، وقف النار وإنهاء التمرد. وفي جميع الأحوال، إن عنف المنطقة الصومالية، واتهام السلطة المركزية أطرافاً دولية بتغذيته، مرتبطان بمطالبات قديمة بانفصال هذه المنطقة الغنية بالغاز، حيث تعمل شركات عالمية. أما أسبابها المباشرة، التي تعددت تأويلاتها، فتصبّ جميعاً في محاولة التمرد من جهة على قرار لآبي أحمد بتخصيص ضئيل لعائدات الغاز لسلطة الإقليم، مع حديث عن استباق السلطات لإعلان انفصال.

وكانت إثيوبيا، كذلك، على وشك دخول منعطف خطير في يونيو/ حزيران 2019، بعدما تحدثت السلطات عن محاولة انقلاب فاشلة بعد اغتيال أربعة مسؤولين رفيعي المستوى، بينهم قائد الجيش سياري ميكونين، في مدينة بحر دار، عاصمة ولاية أمهرة، ما دفعها إلى حظر تام للإنترنت في جميع أنحاء البلاد. وتحدث الباحث الإثيوبي في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فيليكس هورن، لمجلة "فورين بوليسي" حينها، عن "ديناميات مثيرة للاهتمام في أمهرة"، مع "تصاعد النزعة القومية، في مواجهة الحزب الحاكم، حزب أمهرة الديمقراطي، الذي يعد جزءاً من الائتلاف الحاكم، والمرتبط بآبي".

وبغضّ النظر عمّا ستؤول إليه الأمور، يبدو أن عهد آبي أحمد يسير على خطى أسلافه، لناحية لجوئه إلى أساليب القمع، في وقت لا يزال يفشل فيه في ضبط النزعات القومية للأعراق البالغ عددها 80 عرقاً، والتي تتزايد، وتغذيها المطامع التقسيمية. وفي ظلّ ذلك، يشكل كورونا بالنسبة إلى الإثيوبيين "المتمردين"، سبباً جديداً لوضع آبي تحت عين المجهر.