كورونا والنفط يحرمان الخليج من زيادة الإيرادات... السعودية والبحرين وعُمان الأكثر تضرراً
يعد تفشي فيروس كورونا وهبوط أسعار النفط ضربة مزدوجة لا تترك لحكومات دول الخليج العربية خياراً يُذكر لتحقيق الاستقرار لموازناتها المالية، في الوقت الذي تحاول فيه حماية اقتصادها من المخاطر، والدفاع عن مستويات ربط عملاتها.
وحتى السعودية ستواجه مصاعب رغم كونها صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة العربية، وهي التي بدأت حرباً مع روسيا من أجل حماية حصتها في السوق في أعقاب انهيار اتفاق بين منظمة "أوبك" وحلفائها، في السادس من مارس/ آذار، أدى إلى هبوط الأسعار بنسبة 30%.
وكان الانهيار السابق في أسعار النفط، في العام 2014، قد دفع المنطقة التي تعتمد على صادرات الطاقة إلى تخفيض الدعم الحكومي للمواطنين، واستحداث ضرائب لتنويع مصادر الإيرادات، ومحاولة تقليص نظم الرفاهية والقطاع العام المتضخم.
أما الآن، فستجد حكومات مجلس التعاون الخليجي الست، صعوبة في إدارة العجز في موازناتها أو زيادة الضرائب أو خفض الدعم؛ بفعل التركيز على تحفيز النشاط الاقتصادي، والتخفيف من أثر انتشار فيروس كورونا على سكانها.
ويمكن لأغلب الحكومات الاستعانة باحتياطياتها المالية الضخمة إذا لم تنتعش أسعار النفط. وبوسعها أيضاً خفض الإنفاق الاستثماري لإدارة العجز في الميزانية أو كسب الوقت بالاستدانة.
غير أنّ مصرفياً سعودياً تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قال إنّ "الاحتياطيات النقدية لا يمكنها الحفاظ على الإنفاق الحالي لفترة طويلة جداً" وهو ما يعني أنه "قد يتعين عليها (الحكومات) خفض الإنفاق".
اقــرأ أيضاً
وأضاف المصرفي "هذه أوقات صعبة. الناس بدأت تتحدث وبدأت تستعد لما قد يحدث مستقبلاً". وقد تعرضت العملات الخليجية المربوطة بالدولار الأميركي منذ عشرات السنين لضغوط بفعل التوقعات بقلة السيولة.
اختلافات بين الدول
ثمة اختلافات شديدة بين دول مجلس التعاون الست، فقطر تتمتع بفائض في الموازنة واقتصادها يعتمد على صادرات الغاز الطبيعي المسال الذي كان تأثره المباشر بأسعار النفط أقل شدة، في حين أنّ اقتصاد عمان والبحرين، وهما دولتان أصغر منتجتان للنفط، وتعانيان من عبء الديون، أكثر عرضة لتقلبات الأسعار.
غير أنّ أرقام شركة "كابيتال" قالت إنّ "الصورة المالية العامة لدول مجلس التعاون الخليجي تتدهور تدهوراً حاداً"، ومن المحتمل أن تكبد أسعار النفط بين 30 و40 دولاراً للبرميل، هذا العام، دول الخليج، عشرات المليارات من الدولارات من إيراداتها.
وتقول أرقام "كابيتال" إنّ السعودية قد تشهد ارتفاع العجز في موازنتها لعام 2020 إلى 16.1% من التقدير السابق البالغ 6.4% إذا كان متوسط أسعار النفط 40 دولاراً للبرميل.
أما إذا كان متوسط الأسعار 30 دولاراً للبرميل فتقول أرقام "كابيتال" إنّ العجز سيقفز إلى 22.1% وهو ما يعادل 170 مليار دولار، وفقاً لحسابات "رويترز".
وعلى النقيض من المنتجين الأصغر، يمكن للسعودية أكبر مصدر للنفط في العالم أن تعوض انخفاض الأسعار جزئياً بزيادة الإنتاج.
ومع ذلك فقد قالت مصادر، لـ"رويترز"، الأسبوع الماضي، إن الرياض طلبت بالفعل من مؤسسات حكومية تقديم مقترحاتها لخفض موازناتها بما لا يقل عن 20%.
إجراءات مؤلمة
قال بعض المحللين إنّ التخفيضات في حد ذاتها قد تفضي إلى الركود، في ضوء كون الإنفاق الحكومي أحد المحركات الرئيسية للنمو في المنطقة.
وقد عرضت البنوك المركزية في السعودية والإمارات وقطر، تدابير تحفيزية قيمتها الإجمالية 60 مليار دولار للتخفيف من تداعيات فيروس كورونا، في حين خفضت الحكومات رسوم الصفقات العقارية، ورسوم المرافق، للمساهمة في دعم القطاع الخاص.
وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين ببنك أبوظبي التجاري "تاريخياً... تميل دول مجلس التعاون الخليجي لخفض الإنفاق الرأسمالي في البداية، أكثر من ميلها لخفض الإنفاق الجاري"، مضيفة أنه "ومع ذلك فاستمرار الضغوط النزولية على سعر النفط سيستلزم تراجعاً كبيراً في الإنفاق الجاري".
وتراجع الالتزام بالإنفاق في السنوات الأخيرة مع انتعاش أسعار النفط واتجاه الحكومات لمنح الأولوية للنمو الاقتصادي، وأرجأت بعض الدول مثل سلطنة عمان فرض ضرائب أو تخفيضات أكبر في الدعم لتجنب القلاقل السياسية.
وقال طارق فضل الله من "نومورا أسيت مانجمنت الشرق الأوسط"، إنّ "ضربة فيروس كورونا وانخفاض النفط المزدوجة، ربما تكون جرس إنذار لا للحكومات فحسب بل أيضاً للشركات التي تعتمد بإفراط على الإنفاق الحكومي لتدعيم نشاطها الاقتصادي".
مزيد من الديون؟
قالت مونيكا مالك من بنك أبوظبي التجاري، إنّ الإمارات والكويت وقطر التي تتمتع بوسائل حماية مالية أكبر من السعودية بوسعها تحمل ضعف أسعار النفط لفترة أطول لكن "من المستبعد أن ترغب في وجود عجز كبير لفترة طويلة".
ولتحاشي اتخاذ تدابير مؤلمة، يمكن للحكومات أن تزيد الاقتراض أو تعزز السيولة من خلال بيع أصول، ومنذ العام 2014 استدانت السعودية من الخارج ما يتجاوز 100 مليار دولار مستفيدة من انخفاض أسعار الفائدة العالمية.
ويمكن للسعودية، نظراً لأن ديونها تعادل 20% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، أن تقترض لتمويل العجز لكنها قد تختار بدلاً من ذلك استغلال احتياطياتها التي بلغت نحو 469 مليار ريال (124.96 مليار دولار) في العام 2019 أي ما يعادل 17% من الناتج المحلي الإجمالي.
اقــرأ أيضاً
وقال كريسيانيس كرستينز المدير ضمن فريق "فيتش" للتصنيفات الائتمانية في الشرق الأوسط وأفريقيا "عملياً كانت الحكومة تخطط لاقتراض حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، حيث كان العجز المتوقع في الموازنة 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وربما يكون بإمكانها اقتراض المزيد من أسواق المال إذا اقتضت الضرورة".
غير أنّ تكلفة الاقتراض ارتفعت، وشهدت السندات الخليجية إقبالاً على بيعها بعد انخفاض أسعار النفط. وتصنف وكالات التصنيف الائتماني الكبرى بالفعل، سندات عمان والبحرين ضمن التصنيفات الاستثمارية عالية المخاطر.
كما أنّ تكلفة التأمين من مخاطر احتمال تخلف السعودية عن سداد التزاماتها ارتفعت، الأسبوع الماضي، لثلاثة أمثالها لتسجل أعلى مستوى منذ العام 2016.
(رويترز)
وكان الانهيار السابق في أسعار النفط، في العام 2014، قد دفع المنطقة التي تعتمد على صادرات الطاقة إلى تخفيض الدعم الحكومي للمواطنين، واستحداث ضرائب لتنويع مصادر الإيرادات، ومحاولة تقليص نظم الرفاهية والقطاع العام المتضخم.
أما الآن، فستجد حكومات مجلس التعاون الخليجي الست، صعوبة في إدارة العجز في موازناتها أو زيادة الضرائب أو خفض الدعم؛ بفعل التركيز على تحفيز النشاط الاقتصادي، والتخفيف من أثر انتشار فيروس كورونا على سكانها.
ويمكن لأغلب الحكومات الاستعانة باحتياطياتها المالية الضخمة إذا لم تنتعش أسعار النفط. وبوسعها أيضاً خفض الإنفاق الاستثماري لإدارة العجز في الميزانية أو كسب الوقت بالاستدانة.
غير أنّ مصرفياً سعودياً تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قال إنّ "الاحتياطيات النقدية لا يمكنها الحفاظ على الإنفاق الحالي لفترة طويلة جداً" وهو ما يعني أنه "قد يتعين عليها (الحكومات) خفض الإنفاق".
وأضاف المصرفي "هذه أوقات صعبة. الناس بدأت تتحدث وبدأت تستعد لما قد يحدث مستقبلاً". وقد تعرضت العملات الخليجية المربوطة بالدولار الأميركي منذ عشرات السنين لضغوط بفعل التوقعات بقلة السيولة.
ثمة اختلافات شديدة بين دول مجلس التعاون الست، فقطر تتمتع بفائض في الموازنة واقتصادها يعتمد على صادرات الغاز الطبيعي المسال الذي كان تأثره المباشر بأسعار النفط أقل شدة، في حين أنّ اقتصاد عمان والبحرين، وهما دولتان أصغر منتجتان للنفط، وتعانيان من عبء الديون، أكثر عرضة لتقلبات الأسعار.
غير أنّ أرقام شركة "كابيتال" قالت إنّ "الصورة المالية العامة لدول مجلس التعاون الخليجي تتدهور تدهوراً حاداً"، ومن المحتمل أن تكبد أسعار النفط بين 30 و40 دولاراً للبرميل، هذا العام، دول الخليج، عشرات المليارات من الدولارات من إيراداتها.
أما إذا كان متوسط الأسعار 30 دولاراً للبرميل فتقول أرقام "كابيتال" إنّ العجز سيقفز إلى 22.1% وهو ما يعادل 170 مليار دولار، وفقاً لحسابات "رويترز".
وعلى النقيض من المنتجين الأصغر، يمكن للسعودية أكبر مصدر للنفط في العالم أن تعوض انخفاض الأسعار جزئياً بزيادة الإنتاج.
ومع ذلك فقد قالت مصادر، لـ"رويترز"، الأسبوع الماضي، إن الرياض طلبت بالفعل من مؤسسات حكومية تقديم مقترحاتها لخفض موازناتها بما لا يقل عن 20%.
إجراءات مؤلمة
قال بعض المحللين إنّ التخفيضات في حد ذاتها قد تفضي إلى الركود، في ضوء كون الإنفاق الحكومي أحد المحركات الرئيسية للنمو في المنطقة.
وقد عرضت البنوك المركزية في السعودية والإمارات وقطر، تدابير تحفيزية قيمتها الإجمالية 60 مليار دولار للتخفيف من تداعيات فيروس كورونا، في حين خفضت الحكومات رسوم الصفقات العقارية، ورسوم المرافق، للمساهمة في دعم القطاع الخاص.
وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين ببنك أبوظبي التجاري "تاريخياً... تميل دول مجلس التعاون الخليجي لخفض الإنفاق الرأسمالي في البداية، أكثر من ميلها لخفض الإنفاق الجاري"، مضيفة أنه "ومع ذلك فاستمرار الضغوط النزولية على سعر النفط سيستلزم تراجعاً كبيراً في الإنفاق الجاري".
وتراجع الالتزام بالإنفاق في السنوات الأخيرة مع انتعاش أسعار النفط واتجاه الحكومات لمنح الأولوية للنمو الاقتصادي، وأرجأت بعض الدول مثل سلطنة عمان فرض ضرائب أو تخفيضات أكبر في الدعم لتجنب القلاقل السياسية.
وقال طارق فضل الله من "نومورا أسيت مانجمنت الشرق الأوسط"، إنّ "ضربة فيروس كورونا وانخفاض النفط المزدوجة، ربما تكون جرس إنذار لا للحكومات فحسب بل أيضاً للشركات التي تعتمد بإفراط على الإنفاق الحكومي لتدعيم نشاطها الاقتصادي".
مزيد من الديون؟
قالت مونيكا مالك من بنك أبوظبي التجاري، إنّ الإمارات والكويت وقطر التي تتمتع بوسائل حماية مالية أكبر من السعودية بوسعها تحمل ضعف أسعار النفط لفترة أطول لكن "من المستبعد أن ترغب في وجود عجز كبير لفترة طويلة".
ولتحاشي اتخاذ تدابير مؤلمة، يمكن للحكومات أن تزيد الاقتراض أو تعزز السيولة من خلال بيع أصول، ومنذ العام 2014 استدانت السعودية من الخارج ما يتجاوز 100 مليار دولار مستفيدة من انخفاض أسعار الفائدة العالمية.
ويمكن للسعودية، نظراً لأن ديونها تعادل 20% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، أن تقترض لتمويل العجز لكنها قد تختار بدلاً من ذلك استغلال احتياطياتها التي بلغت نحو 469 مليار ريال (124.96 مليار دولار) في العام 2019 أي ما يعادل 17% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال كريسيانيس كرستينز المدير ضمن فريق "فيتش" للتصنيفات الائتمانية في الشرق الأوسط وأفريقيا "عملياً كانت الحكومة تخطط لاقتراض حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، حيث كان العجز المتوقع في الموازنة 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وربما يكون بإمكانها اقتراض المزيد من أسواق المال إذا اقتضت الضرورة".
غير أنّ تكلفة الاقتراض ارتفعت، وشهدت السندات الخليجية إقبالاً على بيعها بعد انخفاض أسعار النفط. وتصنف وكالات التصنيف الائتماني الكبرى بالفعل، سندات عمان والبحرين ضمن التصنيفات الاستثمارية عالية المخاطر.
كما أنّ تكلفة التأمين من مخاطر احتمال تخلف السعودية عن سداد التزاماتها ارتفعت، الأسبوع الماضي، لثلاثة أمثالها لتسجل أعلى مستوى منذ العام 2016.
(رويترز)