كورونا والمنظومة ونرجسيّة البشر

03 ابريل 2020
+ الخط -
تتسارع أحداث تفشّي وباء كورونا المفاجئ والسّريع في العالم ساعة بساعة، ناشرةً الذّعر بين البشر وهم يتخبّطون في مواجهةٍ مفاجئة ومباشرة للموت، واضعةً حوالي 2.5 مليار إنسان تحت الحجر الصّحي وحظر التجوّل. في مشهد سريالي، ترقى تفاعلاته إلى مستوى صدمة تاريخيّة للوعي البشري. كيف لا، وفيروس صغير يسحق نرجسيّة البشريّة وأناها المتضخّمة، وأوهامنا بالمركزيّة والتفوّق على الطّبيعة، ويذّكرنا بضعفنا وهشاشة طريقة حياتنا، والأهم أنه يوقظ في نفوسنا الرّعب الدّفين من الموت. هذا الرّعب من الموت هو تحديدًا المتحكّم بالمشهد العالمي الآن. 
تضعنا هذه الصّدمة أمام مفاهيمنا البالية عن أنفسنا وعن العالم، وأمام سلوكنا، وأولويّاتنا والطّريقة الّتي ندير بها الاقتصاد والعالم. كما تفرض علينا مواجهة مأساة الحضارة البشريّة، وهي تغرق في الأزمات البيئيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، حيث بات من الصّعب على العالم أن يستمر في تجاهل هذا الواقع، بعد أن عرّته جائحة كورونا.
كيف يمكن أن تستمر الحروب في ليبيا واليمن وسورية في غضون هذه الجائحة؟ وماذا يعني أن تصرّ واشنطن على العقوبات على إيران، وهما تواجهان الكارثة نفسها؟ سياسيًّا، وفي الظّروف 
المأساويّة في العالم، نشهد تخبّط النّخب الحاكمة في قراراتها بمواجهة الأزمة، حيث ينتشر الخوف والتّوتر، والتّأخّر في الاستجابة، ولا تنسيق عالميًا، حتّى الآن على الأقل، في مواجهة تستدعي التّنسيق الجماعي والمبكّر، وهو أساسي في التّعامل مع الجائحة. حيث لا بد من وضع استراتيجيّة وخطة وآلية عمل عالميّة لمواجهة الفيروس وغيره من الكوارث، تحديدًا البيئيّة، فهي لا تعرف الحدود ولا تميّز بين الألوان والمعتقدات والطّبقات الاجتماعيّة. ما يجري في الواقع، هو إجراءات محلّيّة تتناقض مع إجراءات محليّة أخرى وتُفقدها جدواها. مثلًا، في الوقت الّذي تقدّم فيه دول، كالصين ونيوزيلندا والأردن وسريلانكا، أولويّة صحّة مواطنيها على الاقتصاد، تقوم بعض النّخب السياسيّة في أميركا وأوروبا بالعكس، لحماية ثروات الأغنياء هناك.
كيف نعجز عن توفير ما نحتاج إليه من كمامّات، ونحن ننتج من الرّصاص ما يكفي لقتل كل ما يتحرّك؟ لماذا نعاني من عجز في أجهزة التّنفس، بينما نتسابق في إنتاج ما يكفي لتدمير الكوكب مرّات ومرّات؟ هل من المقبول أن نعيش في منظومة تعيش على تدمير كوكبنا وتجبرنا على العمل لنعيش بالحد الأدنى، وتجرّدنا من حقوقنا الطّبيعيّة، ثم تعجز عن حمايتنا صحيّا واقتصاديًّا؟ في منظومة النّقد والنّفط والسّلاح هذه، تنهار القطاعات الصحيّة للشّعوب الّتي تدفع ثمن سياسات الخصخصة ونهب المال العام. على المستوى الاقتصادي، تقول التّقارير الدوليّة إنّ الانكماش الاقتصادي الحالي تجاوز ما حصل عام 2008. حيث ما زال الخوف يشلّ الحركة والعمل، بالتّالي الإنتاج والاستهلاك والاستثمار. كما تنهار أسواق الأسهم، وتُهدَّد شركات كبرى في قطاعاتٍ كثيرة بالإفلاس، ما يدفعها إلى تعطيل الملايين من البشر العاملين وتسريحهم من أجل تقليل خسائرها، وهذا يؤدّي إلى ارتفاع كارثي للبطالة، ووقف مدخولات الملايين من النّاس، بالتّالي فقدان قدرتهم على تلبية احتياجاتهم.
يتوقّع خبراء اقتصاديّون ارتفاعًا هائلًا في ديون العالم خلال السّنة الحاليّة، وذلك لضخ مئات 
المليارات في الأسّواق، لإنقاذ الشّركات والبنوك من الإفلاس. ما يعني انخفاض قيمة العملة في العالم مع تراجع الإنتاج، أي ارتفاع التّضخّم، حيث تضعف قدرة الفرد على الشّراء. كما أنّ مزيدا من الدّيون على الشّعوب لصالح البنوك وأثرياء العالم يعني أنّنا نُرهن مزيدا من قوّة عملنا مستقبلًا، أي مزيدا من سنوات حياتنا مسبقًا، لكي يزيدوا هم من ثرواتهم، ونستمر نحن في عبوديّتنا.
المنظومة الاجتماعيّة الرّأسماليّة فاسدة، وتداعيات كورونا على الاقتصاد والمجتمع هائلة، سنلمس آثارها قريبًا، حيث من المتوقّع أن تؤدّي إلى انتفاضات وصدامات وانهيار لمجتمعات. البشريّة تخوض معركة بقاء تَفرِض عليها إزاحة الخلافات وتجميدها، كما تتطلّب القدر الأقصى من العقلانيّة والصّمود والتّضامن، المجتمعي والعالمي. نحن نعيش على كوكبٍ واحدٍ ومترابط، والطّبيعة لا تعرف الحدود التي أقامتها البشريّة، وبنت لنفسها حظائر فيها. بالتّالي، إخفاق دولة في التّعامل مع تفشّي الوباء سيؤثّر على بقيّة العالم. نحن جميعًا في مركبٍ واحد، إما أن ننجو أو نغرق معًا.
لحسن الحظ، نحن نمتلك المعرفة والتّكنولوجيا والموارد الضّروريّة لتحويل هذه الأزمة إلى فرصة لولادة نظام عالمي يحقّق الوفرة، مستدام أكثر عقلانيّة وترابطًا وانسجامًا مع الطّبيعة. المؤكّد أن عالم ما بعد كورونا لن يكون كما قبله، والسّيناريوهات مفتوحة على الفوضى والتّغيير، الخيار لنا.
دلالات
321A25FA-C83B-4FA0-B02E-8BB268A49337
321A25FA-C83B-4FA0-B02E-8BB268A49337
فادي عميرة
فادي عميرة