يواجه نزلاء السجون الليبية خطر تفشي وباء كورونا في ظل ظروف إقامة سيئة وإهمال حكومي متزايد على خلفية انتشار المعتقلات والسجون خارج سلطتها. وبالرغم من إعلان وزارة العدل بحكومة الوفاق، في مارس/ آذار الماضي، عن إطلاق سراح أكثر من 400 سجين لمنع تفشي الوباء بينهم، فإنّ وزارتي عدل حكومتي طرابلس وطبرق لم تعلنا عن مستجدات أوضاع نزلاء السجون الرسمية التابعة لهما.
هذا الوضع يشكل قلقاً متزايداً لدى جابر القرمادي، العضو بجمعية الرقيب الحقوقية الأهلية. يؤكد القرمادي، لـ"العربي الجديد" أنّ الجهات الدولية من منظمات أممية وإنسانية لديها من يؤكد سوء أوضاع السجناء في البلاد، سواء تلك التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس أو التابعة لمعسكر قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق البلاد، علاوة على عشرات السجون التي تخضع لسلطة المليشيات، لكنّها لم تعلن عن موقف قد يشكل عامل ضغط على سلطات البلاد المنقسمة لإنقاذ أرواح السجناء.
ويتبع سلطة حكومة الوفاق عدد من السجون أبرزها سجن الجديدة والرويمي في طرابلس، كما يعتبر سجن قرنادة القريب من شحات، شرقي البلاد، أشهر السجون الخاضعة لسلطة حفتر، وسبق أن عبرت منظمات دولية عن قلقها بشأن الأوضاع السيئة للسجناء. وبينما يؤكد القرمادي أنّ جمعيته خاطبت الجهات العدلية والسياسية في ليبيا، غرباً وشرقاً، بضرورة الكشف عن أوضاع السجناء ووضع التدابير الواقية لهم من تفشي الوباء، يؤكد خليفة نويجي، والد أحد نزلاء سجون شرقي ليبيا، أنّه لا يعلم مصير ابنه، النزيل بسجن قرنادة، منذ يناير/ كانون الثاني الماضي. ويقول نويجي لـ"العربي الجديد" إنّه خاطب عدداً من الجمعيات الحقوقية الليبية بشأن وضع ابنه، الذي تأكد لديه أنّه ما زال على قيد الحياة داخل السجن من دون أن يحال إلى القضاء حتى الآن، مؤكداً أنّ أيّ جهة حقوقية لم تعتنِ بقضية السجناء ومواجهتهم خطر الوباء العالمي.
لجان مكافحة كورونا، التابعة لسلطتي طرابلس وطبرق، لا تولي اهتماماً لقضية نزلاء السجون، كما لم تشر إلى أنّ حملتها الموسعة التي أطلقتها منذ أسابيع، لأخذ عينات عشوائية، تشمل السجون أيضاً. وبالرغم من التطمينات التي يؤكد عليها جابر وريث، الضابط بالشرطة القضائية التابعة لوزارة العدل بطرابلس، بشأن أوضاع السجون في طرابلس وتأكيده أيضاً على خلوّهم من أيّ إصابات بالمرض، فالقرمادي يتساءل عن كيفية محافظة القائمين على السجون على الإجراءات الاحترازية، ومن بينها التباعد أو عدم الاختلاط مع الزائرين. ويقول وريث لـ"العربي الجديد" إنّ سلطات حكومة الوفاق أعلنت عن إطلاق سراح 466 سجيناً ضمن إجراءات منع تفشي المرض داخل السجون، كما لم تتوقف عن توزيع المعدات والتجهيزات الطبية والوقائية على مؤسسات الإصلاح الخاصة بها، ومن بينها الأغطية الجديدة ومطهرات اليدين ومعقمات وتجهيزات أخرى. لكنّ القرمادي يشير إلى أنّ القرارات صدرت منذ مارس/ آذار الماضي، لكن ليس هناك ما يؤكد تنفيذها من جانب، ومن جانب آخر يتساءل عن نسبة الذين أطلق سراحهم من مجمل نزلاء السجون، كما أنّ قرارات الإفراج توقفت.
بدوره، يلفت الناشط المدني، عقيلة الأطرش، إلى أنّ تقارير الأمم المتحدة المتعاقبة التي أثبتت عنفاً ضد السجناء وانتهاكاً لحقوقهم في سجون خارج سلطة الدولة قد يزيد من احتمالات الخطر بشأن أوضاعهم الصحية، مضيفاً أنّ "ميليشيات خارج القانون تمارس أبشع أنواع التعذيب من الطبيعي ألاّ توفر ظروفاً صحية ملائمة لهم". ويطالب الأطرش عبر "العربي الجديد" بضرورة التفات المجتمع الدولي وسلطات البلاد إلى وضع نزلاء السجون الخاصة بالمليشيات، مؤكداً أنّهم يواجهون مصيراً غامضاً، وأنّ تفشي المرض بينهم قد يكون كبيراً. ويتساءل: "من يراقب سجون الدولة نفسها في مناطق بعيدة مثل سبها، وكيف ستصلها سلطات الطرفين في البلاد لتوفر لنزلائها ظروفاً صحية تحميهم من خطر الوباء؟".
سجينات طرابلس
يقول الناشط المدني، عقيلة الأطرش، إنّه بسبب ظروف الحرب والانقسام السياسي والأمني في ليبيا، أعداد نزلاء السجون في البلاد، مجهولة، كما أنّ عدد السجون نفسها غير معروف. ويؤكد الأطرش، وهو سجين سابق في قرنادة، أنّ السجن غير مجهز لمواجهة تفشي الفيروس. كذلك، يشدد على ضرورة حماية السجينات، في سجون طرابلس لا سيما سجن الجديدة الذي يضم 40 امرأة بعضهن أرامل ويصطحبن أطفالهن.