كوباني وأدوات الحرب الباردة

13 أكتوبر 2014
+ الخط -

ثمة من يعتقد أن الصراع الدائر في عين العرب (كوباني) محصور فقط في طبيعته الظاهرة بين تنظيم الدولة الإسلامية داعش والمقاتلين الأكراد، بمختلف مشاربهم السياسية، وهذا من حيث الصورة العامة للمشهد الميداني الدائر هناك صحيح نسبيا.
 
ولكن، تبدو هذه الصورة مغايرة لطبيعة الصراع وأهدافه، إذا ما تم التفحص أكثر، بشأن أدوات هذا القتال والمواقف الدولية منه. ويبدو أن تنظيم القاعدة، الحامل الأساسي لتنظيم الدولة، وحزب العمال الكردستاني، هما أبناء مرحلة الحرب الباردة، والتي سعت الولايات المتحدة فيها إلى سياسات محاصرة الشيوعية واستئصالها، وحشد الحلفاء، خصوصاً في أوروبا الغربية والشرق الأوسط. فيما دعم السوفييت الحركات الشيوعية في العالم، خصوصاً في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية، كما دول جنوب شرق آسيا وفي الشرق الأوسط أيضا.

والكل يعلم كيف شجع الأميركان، في ثمانينيات القرن الماضي، على تأسيس تنظيم القاعدة، وغض النظر عن الجهاد العالمي، وتوجيهه إلى أفغانستان، لضرب خاصرة الاتحاد السوفييتي واستنزافه هناك، ووقف المد الشيوعي ومحاصرته، باستثمار حالة الشعور بالإحباط والإذلال واليأس عند المسلمين، وتوظيفها أداة من أدوات الصراع مع السوفييت، فكانت القاعدة ذات الفكر الأيديولوجي المتطرف، واللاهثة خلف جزرة إقامة دولة الخلافة الإسلامية، ولا يخفى الحال الذي انتهى له هذا التنظيم.
 
وليس غريباً أن يصادف ميلاد القاعدة والجهاد الأفغاني الذي يحارب الشيوعية ميلاد حزب العمال الكردستاني الشيوعي، المطالب بالانفصال، وتحت إشراف ودعم كامل من حافظ الأسد آنذاك، والذي يعتبره السوفييت أحد أزلامهم المهمين في المنطقة، بغرض إثارة القلاقل مع تركيا المنضوية في حلف الناتو، والمحسوبة على الغرب، في ذلك الوقت، خصوصاً أن السوفييت كانوا على إدراك بأهمية تركيا بوابة لأوروبا.

وهنا، أيضاً، تم استثمار أوجاع وقهر الشعب الكردي وآماله في التحرر من الظلم، وطموحه في كيان مستقل، يعيد إليه هويته المسلوبة، ليكون حزب العمال الكردستاني أداة أخرى من أدوات الصراع في الحرب الباردة، وحيث سياسة الجزرة التي يسعى وراءها هي الدولة الكردية المستقلة.

إذن، اعتمد الأميركيون على أيديولوجيا الدين في محاربة السوفييت، واعتمد الروس على أيديولوجيا القومية، لزعزعة استقرار دول الناتو. وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وتفرد واشنطن في الهيمنة على العالم، انتهت صلاحية تنظيم القاعدة أداة في الصراع مع الشيوعية، وبالتالي، تم اعتبارها عدواً، وجرت ملاحقتها دولياً. وفي المقابل، استثمر الأتراك الظرف الدولي، وحشدوا الجيش على الحدود مع سورية، مهددين الأسد الأب بتسليم عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، ولم يكن للأسد من خيار، بعد سقوط حليفه الاتحاد السوفييتي، إلا تسليم أوجلان، فهو غير قادر على تحمل ضغوط كبيرة، عسكرية أو سياسية، وتم تسليمه فعلا.
 
وبعد سنوات طوال من الصراع، دفع آلاف الشباب من المنطقة، سواء من العرب أو من الأكراد، للموت في سبيل تحقيق أحلام أيديولوجية دينية، أو قومية، ثم  تمت تصفية القاعدة، وإنهاك حزب العمال، ليدخل الأخير في مفاوضات سلام أخيرة مع تركيا، في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية التي تمكنت من القفز بالاقتصاد التركي إلى مستويات عالية.
 
هذه التنمية الاقتصادية في تركيا، وتخطيها الدور المرسوم لها، ومحاولتها حل القضية الكردية، عززت دوافع القلق تجاه الدور التركي الجديد في المنطقة، لدى لوبيات اقتصادية عديدة في العالم، ولوبيات السلاح، فالأولى تهمها الهيمنة المالية، والأخرى تعيش على استمرار النزاعات والصراعات المسلحة. وهنا تبرز عين العرب كوباني نقطة استثمار مهمة، يمكن خلالها تحقيق أهداف هذه اللوبيات.
 
فالصراع الذي  يدور في المدينة الصغيرة بين تنظيم الدولة الإسلامية، المنبثق عن القاعدة، وحزب الاتحاد الديمقراطي، المنبثق عن حزب العمال الكردستاني، انعكس مباشرةً على الوضع الداخلي التركي وملف السلام مع حزب العمال، وهذا هو المطلوب، إثارة الاضطرابات داخل تركيا بتحريك الملف الكردي، وعودة الصراع العسكري مع حزب العمال.
 
وإلا من يستطيع أن يفسر الفرق بين الموقف الغربي والأميركي بين أحداث سنجار وأحداث كوباني، وكيف اندفع الجميع، بكل قوة، لحماية الأكراد في سنجار، وتعزيز تسلحهم ضد تنظيم الدولة. وفي المقابل، لم يكترثوا للأكراد في كوباني.
 
وهل يوجد من يصدق أن كل هذا التحالف الدولي، بقدراته العسكرية، لا يستطيع وقف العمليات العسكرية للتنظيم في عين العرب، وتقدمه الملحوظ؟ وكيف نفسر الإصرار التركي على طلب منطقة الحظر الجوي، في وقت يرد الأميركيون فيه على طلب المنطقة بأنها ليست في وارد البحث أساسا؟ وكيف يطالب الأكراد تركيا بالتدخل لإنقاذ عين العرب. وفي الوقت نفسه، يحذر صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديقراطي الكردي، تركيا من التدخل في "كوباني"، ويعترض النواب الأكراد في مجلس النواب على تفويض الجيش التركي بالتدخل!
 
من الذي دفع الشباب الأكراد العزل لإزالة الحدود بين مدينة القامشلي في الشمال السوري ومدينة نصيبين التركية، ليتعرضوا لإطلاق نار، أودى بحياة عدد منهم؟
ألا يشبه هذا الفعل ما قام به بشار الأسد، عندما دفع مئات من الشباب السوريين والفلسطينيين العزل لإزالة الحدود مع الجولان بأيديهم، وقتل على إثرها، أيضاً، عدة أشخاص برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي.

هناك أسئلة كثيرة تجيب عن نفسها، سواء من مواقف الأطراف الدولية، أو أطراف الصراع نفسه. وباختصار، المطلوب اليوم من الصراع في عين العرب ضرب الاستقرار التركي، بتوريط تركيا في سورية منفردة، في موازاة بقاء القضية الكردية بلا حل، واستمرار الوضع السوري جهنما أخرى على رقعة السياسة الدولية.

0DEFC302-4E4E-42CA-AF58-BF181EC20FF2
0DEFC302-4E4E-42CA-AF58-BF181EC20FF2
أنمار السيد (سورية)
أنمار السيد (سورية)