لا يبدو أن المشرفين على "المعهد" تغيب عنهم مثل هذه الخلفيات، ولعلهم هندسوا هذه المعادلة بعناية. فداود لا يزال محلّ جدال قويّ منذ أن نشر مقالاً بعنوان" كولونيا مدينة الأوهام" في نهاية كانون الثاني/ يناير من هذا العام يعلّق فيه على حادثة التحرّش في مدينة كولونيا الألمانية، وهو مقال ذهب فيه إلى القول بأن مظاهر العنف التي تتطاير شراراتها من "الإسلاموية" تعود إلى "علاقة مرضيّة مع الجسد والرغبة"، لكن تحليل داود امتد إلى "جَلد" النخب الثقافية الغربية التي تُظهر نفسها مدهوشة ومصدومة من هكذا أحداث، رغم أنها تعلم الفوارق في الذهنيات بين الشرق والغرب.
التقطت الساحة الثقافية الفرنسية هذا التحليل وجعلت منه وسائل الإعلام ضجة كبرى. إسلاموفوبيون رفعوا شعار "وشهد شاهد من أهلها"، فيما استغرب البعض كيف يستبطن مسلمون مثل هذا الطرح "الإسلاموفوبي"، وشقّ ثالث دخل في ردود على حجج داود مدافعاً عن الثقافة الغربية أو الثقافة الإسلامية.
أحد المعلّقين على مقال صاحب "ميرسو.. تحقيق مضاد" كان المفكر الفرنسي جان لوك نانسي حيث نشر في شهر آذار/ مارس 2016 في جريدة "ليبيراسيون" مقالاً بعنوان "تحية إلى كمال داود" معلناً فيه دعمه للكاتب الجزائري. هذه الحادثة كما تشير الصفحة الإعلانية لفعالية الحوار بين داود ونانسي كانت بداية تفكير في حوار بين الرجلين حرص "معهد العالم العربي" على تنظيمه.
في مقاله، يستغرب نانسي كيف أن الضجة التي لحقت بداود لم نر لها أثراً مع أدونيس أو فتحي بن سلامة أو غيرهما رغم أنهما قالا الشيء الكثير مما كتبه داود. عند هذه النقطة سيقال الكثير في النقاش بين الرجلين، وكذلك من المؤكد أن مواضيع أخرى ستُفتح خصوصاً وأن الليلة الدموية التي عاشتها باريس في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر مرّت ذكراها منذ أيام. كل هذا الجوّ الممسرح بعناية ألا يبدو مثل فصل جديد من ادّعاء الدهشة؟