كفر قدوم الفلسطينية: مقاومة شعبية تواجه عتاداً عسكرياً إسرائيلياً

01 أكتوبر 2019
من مواجهات يوم الأرض مع الاحتلال(جعفر أشتية/فرانس برس)
+ الخط -
لا يغادر الشيخ عبد الرزاق عامر (66 عاماً) منزله الواقع بجانب البوابة الحديدية التي تغلق المدخل الرئيس لقرية كفر قدوم، شرق قلقيلية شمالي الضفة الغربية، منذ 16 عاماً، إذ يخشى أن يطلق جنود الاحتلال الرصاص أو قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع باتجاه منزله، فتشعل حرائق فيه، أو أن يقتحمه الجنود ويعيثوا فيه خراباً، وينكلوا بمن فيه. وربما يحولون سطحه لثكنة، يقنصون بها المشاركين في المسيرة الأسبوعية للأهالي المطالبة بفتح البوابة التي تخنق القرية وتهدد أراضيها بالاستيطان. الشيخ عبد الرزاق هو إمام وخطيب مسجد متقاعد، يسكن وسط "المعمعة"، كما يقول لـ"العربي الجديد"، إذْ تعرض هو وجميع أفراد عائلته للإصابات بالاختناق بالغاز المسيل للدموع، وبالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، واعتقل أبناؤه، ولم تسلم حديقة منزله من الاحتراق بقنابل الصوت والغاز الذي اختنق منه كل شيء في المنزل، فالتراب بعد أيام يفوح غازاً مسيلاً للدموع، بل إن إحدى قنابل الغاز أحرقت ستارة نافذة وخنقت الأسرة.

ولم يكتف جنود الاحتلال باستهداف المشاركين بالمسيرة الأسبوعية، بل استهدفوا منازل الأهالي، فتهشم زجاج النوافذ والحمامات الشمسية. وتعرضت المزروعات للاحتراق، بفعل قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، واستهدفوا بأسلحتهم النساء والأطفال والمسنين، ونفذوا اعتقالات طاولت عديد الشبان، واقتحموا المنازل بشكل متكرر، يوضح رئيس المجلس القروي في كفر قدوم، سمير القدومي، في حديثه لـ"العربي الجديد".



قبل نحو أربع سنوات، لم يشفع للمسن مؤيد اشتيوي (65 عاماً) من كفر قدوم خروجه لرؤية ما تفعله جرافة إسرائيلية قرب منزله بإزاحتها للسواتر التي وضعها الشبان قبل بدء المسيرة الأسبوعية. فأطلق جنود الاحتلال الرصاص باتجاهه وأصابوه بقدمه وبظهره، فتهتكت أحشاؤه، رغم أنه لم يشكل خطراً عليهم، وكاد أن يفقد حياته. وبعدما تلقى العلاج في الضفة الغربية، سافر للأردن، ولكن لم يتمكَّن الأطباء من علاجه، واستقرت الرصاصة بالنخاع الشوكي. ولا يزال يعاني آثارها إلى الآن.

قبل أن تغلق قوات الاحتلال الإسرائيلي الشارع الرئيس لقرية كفر قدوم، كان منزل الشيخ عبد الرزاق لا يبعد عن الشارع الرئيس الواصل لمدينة نابلس سوى 2 كيلومتر. أما الآن فإن المسافة أصبحت 15 كيلومتراً، إذْ يضطر لاجتياز كل منازل القرية وحاراتها للوصول إلى الشارع الرئيس، مُؤكّدا: "هذا الشارع من حقنا، هو مفتوح من أيام الأتراك، وبقي مفتوحاً أيام الانتداب البريطاني ثم زمن الأردن وزمن الاحتلال الإسرائيلي حتى العام 2003". قبل إغلاق بوابة كفر قدوم الرئيسية عام 2003، كانت تبعد عن نابلس نحو 12 كيلومتراً، أما الآن فيضطر الأهالي لسلوك طرق أخرى غير مؤهلة ومعبدة تكبدهم السير 25 كيلومتراً، يوضح رئيس مجلس قروي كفر قدوم، سمير القدومي.
ويؤكد القدومي أن إغلاق البوابة زاد من تكاليف المواصلات باتجاه نابلس، وكبد الأهالي خسائر مادية منذ إغلاقها نحو 2.5 مليون دولار، علاوة على إهدار الوقت، واضطرار الكثير من الموظفين وطلبة الجامعات إلى السكن في نابلس بدلاً من التنقل اليومي. فيما يضطر الأهالي إلى نقل مرضاهم عبر مركباتهم الخاصة إلى المستشفيات حيث لا يوجد مركز طبي في القرية، ولا سيارة إسعاف، "فالقرية تحتاج لبنية تحتية. قبل عشر سنوات حصلنا على شبكة كهرباء، ولا توجد شبكة صرف صحي للآن. ودخل الهاتف إلى القرية في تسعينيات القرن الماضي، في القرية 3 مدارس وعيادة صحية بدوام جزئي".



في الأول من يوليو/ تموز عام 2011، بدأ أهالي كفر قدوم مسيرتهم الأسبوعية كل يوم جمعة، احتجاجاً على إغلاق المدخل الرئيس للقرية من ناحيتها الشرقية. وصعَّد الأهالي من مسيرتهم التي أصبحت منذ أربع سنوات في يومي الجمعة والسبت، ويستغلون المناسبات الوطنية للخروج بمسيرتهم، حتى بلغت لغاية الآن أكثر من 650 مسيرة، ولم تفلح قوات الاحتلال بكسرها حتى الآن. الأهالي استخدموا أشكالاً متعددة من المقاومة الشعبية، بإشعال الإطارات المطاطية ورشق جنود الاحتلال بالحجارة سواء بالنقافة أو المقاليع، وابتكروا وسائل لإعاقة عمل القناصة باستخدام المرايا العاكسة ورش المبيدات الحشرية التي تشكل سحبا من الدخان، واستخدموا المتاريس وزجاجات الطلاء لإعاقة تنقل مركبات الاحتلال، وكان لافتا وجود لجنة خاصة تتابع المسيرة وتقيمها كل أسبوع، ولها لجنة إعلامية تطوعية تصور الأحداث بالفيديو والصور الثابتة والخبر المكتوب. ولم يركن الأهالي إلى اللجوء فقط إلى المحاكم الإسرائيلية لفتح بوابتهم، بل واصلوا مسيرتهم الأسبوعية مدركين أهمية الضغط الشعبي، إذ يؤكد منسق المقاومة الشعبية في كفر قدوم مراد اشتيوي لـ"العربي الجديد"، وجود مؤشرات على بدء الاحتلال بحث آليات لفتح البوابة.

وحاول جيش الاحتلال قمع مسيرة كفر قدوم بأساليب شتى، من استهدافها بشتى أنواع الأسلحة خلال المسيرة، واستهداف الصحافيين. ونصب الاحتلال حواجزه العسكرية اليومية، واستهدف المنازل بالرصاص وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع والمياه العادمة، ونكل بالأهالي وروعهم مستخدماً الكلاب البوليسية، ونفذ اعتقالات، وهدم أسواراً أثناء إزالته المتاريس، واستخدم أسلوب الحرمان من التصاريح لدخول الأراضي المحتلة عام 1948 سواء للعمل أو للعلاج.
وخلال ثماني سنوات، أصابت قوات الاحتلال أكثر من 90 فلسطينياً بالرصاص الحي، والمئات بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط. وأصيب الجميع بالاختناق بالغاز المسيل للدموع، واستهدف البعض بقنابل غاز بشكل مباشر، واعتقل 150 شخصاً من الأهالي، وبقي اثنان منهم فقط! ومنذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى قدمت كفر قدوم 56 شهيداً، ومئات الجرحى، ومئات المعتقلين، بقي منهم حتى الآن 12 أسيراً يقضون أحكاماً عالية.



في الثاني عشر من يوليو/ تموز 2019، كان الطفل عبد الرحمن ياسر اشتيوي (10 أعوام) يجلس برفقة أصدقائه قرب منزلهم في قرية كفر قدوم، يراقبون المواجهات في جبل مقابل، لكن قناصاً إسرائيلياً أطلق باتجاهه رصاصة متفجرة اخترقت دماغه بنحو 100 شظية، أدخلته في غيبوبة منذ ذلك الحين. ويؤكد ناصر اشتيوي، عم الطفل عبد الرحمن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قناصاً إسرائيلياً استهدف عبد الرحمن، ولم يفعل شيئًا، إذْ ترك القناص الشبان بالمواجهات، واستهدفه وأصدقاءه، وكادت أن تحصل مجزرة، لقد انفجرت الرصاصة في رأس عبد الرحمن وسقط جزء من دماغه على الأرض!

المساهمون