هيرنان كريسبو نجمٌ من أبرز هدافي الكرة الأرجنتينية، صال وجال في ملاعب أوروبا والعالم، وفرض اسمه في سجلات اللعبة الأكثر شعبية في العالم، ومنح "العربي الجديد" حواراً حصرياً، أجاب فيه عن العديد من الاستفسارات، وتطرق لكثيرٍ من المواضيع فكان هذا الحوار.
ــ تفصلنا أقلّ من أربع سنوات على ضربة البداية لمونديال قطر 2022، وحتى بلوغ هذا الاستحقاق نرى أن معظم اللاعبين من القارّة الأميركية الجنوبية تنقصهم الخبرة، ولم يسبق لهم أن خاضوا كأس العالم. ما الذي ينقصهم لتمثيل الأرجنتين والبرازيل في البطولة المقبلة؟
هناك قاسم مشترك اليوم بين الأرجنتين والبرازيل، هو وجود عدد كبير من اللاعبين الناشئين والصاعدين، الذين كما تفضلت تنقصهم الخبرة، وما زالوا يجلسون على مقاعد الدراسة ويتلقون أبجديات اللعبة، وهذا في حدّ ذاته أمرٌ مُفرح، ويُثلج الصدر لأننا في أمسّ الحاجة لتكوين جيل جديد من اللاعبين، بعد انقراض جيل العمالقة. لكن في المقابل، نلاحظ أن الوضع في أوروبا مختلف تماماً، لأن الكرة هناك أصبحت متقدمة، والأوروبيون يخططون أفضل منا، إذ نجحوا بتطوير كرتهم من خلال الأكاديميات التي مكّنتهم من اكتشاف مواهب كبيرة، ليتفوقوا علينا، وهذا ما ينقصنا في قارّة أميركا اللاتينية، وليست صدفة فوز فرنسا بكأس العالم في روسيا، وأنا فوجئت بأن ألمانيا أهملت الاهتمام بهذا الجانب وكانت سباقة في القارّة الأوروبية، ما جعلها تدفع ضريبة باهظة لأنها خسرت اللقب.
ــ هل تعتقد أن بطولة كأس العالم بمشاركة 48 منتخباً أفضل للّعبة، أم أنها فكرة سلبية يجب صرف النظر عنها؟
هذه التجربة يتوقف نجاحها على عدد من العوامل منها البنية التحتية، هل هي قادرة على توفير حاجات عشرات الآلاف من الزائرين وعلى عدد المباريات؛ لأن المتفرج قد يُصيبه الملل عندما نعلم أن ثمانين مباراة سيتم إدراجها، بل سيشعر المتفرج بالضياع وأين سيذهب وماذا سيتابع. ثم إن "فيفا" يقول اليوم، بطولة بثمانية وأربعين منتخباً، وغداً نسمع أسطوانة جديدة، وقد يرفع العدد إلى مائة منتخب، وعندها تفقد كأس العالم نكهتها، ثم لا ننسَ الإرهاق الذي سينال من اللاعبين طوال المسابقة.
أعتقد أن "فيفا" لم يُفكر في نجاح البطولة بقدر تفكيره في تحقيق إيرادات مالية ضخمة، لأن ازدياد العدد يعني أن المونديال سيُصبح مثل "بقرة حلوب" بالنسبة للاتحاد الدولي، مقابل عبء كبير تتحمله الدولة المنظمة، التي ستجد نفسها مجبرة على الزيادة في عدد الفنادق والملاعب وشبكة المواصلات، لست أدري حقاً إذا كانت فكرة مونديال بـ 48 منتخباً ستنجح.
ــ أنت شاركت في ثلاث نسخ لكأس العالم، ولديك مخزون كبير من الخبرة. كيف ترى لاعبي قطر الذين سيشاركون لأول مرة في كأس العالم، ما هي النصائح أو التوصيات التي توجهها للّاعبين الشبان؟
أولاً يجب أن يعلموا بأن أمامهم أربع سنوات تحتاج إلى عملٍ كبير، ويجب عليهم تحضير هذا الاستحقاق بجدية، وحسب علمي بأنهم أحرزوا نتائج جيدة على مستوى القارّة الآسيوية. لم تتح لي فرصة زيارة قطر كثيراً، ولكن بلغتني أصداء جيدة جداً، وهناك أشياء جميلة تحدث في هذا البلد، وأعرف أن القطريين بصدد القيام بالمستحيل، لأن قطر دولة صغيرة من حيث المساحة وعدد سكانها قليل، وهي تسعى لكسب التحدي، كما أعتقد أن قطر مطالبة بتطوير منظومتها الاحترافية بشكل أكبر، حتى يكون لديها دوري أقوى، لأن المسابقة القوية تُنتج منتخباً قوياً، وتنظيم كأس العالم سيكون فرصة تاريخية لدولة صغيرة من حيث المساحة، لكي تستكمل ملاعبها وبنيتها التحتية، وتكوّن جيلاً كروياً يكون أهلاً لتمثيل البلاد في أكبر محفل كروي.
ــ المصري محمد صلاح تُوِّج بجائزة أفضل لاعب أفريقي هذا العام، وحقق لقب الهداف في البريميرليغ. ما هو تقييمك ورأيك به؟
محمد صلاح كان مفاجأة سارّة للجميع، واكتشافاً مدهشاً تابعناه في الموسم الماضي، وما حققه في البريميرليغ لم يحققه من قبله لاعبون كبار في الكرة الإنكليزية. صحيحٌ أنه لقي بعض الصعوبات مع تشلسي في البداية، لكن انطلاقته الحقيقية كانت في إيطاليا مع فيورنتينا وروما، وكلاهما ندم بكل تأكيد على بيعه.
عودة صلاح للّعب في البريميرليغ بعد فشل تجربته مع تشلسي كانت تحدياً كبيراً، نجح مع ليفربول، بل بات واحداً من أفضل لاعبي النادي على مرّ التاريخ بأهدافه. إنّه لاعبٌ سريع يمتلك المهارة وجهاً لوجه مع المدافعين، وينتهز نصف الفرص للتسجيل، ثم يقوم بتمويل زملائه بكرات "مقشَّرة"، وعندما لا يسجل صلاح فهو يصنع الأهداف لغيره.
ــ لاعب عربي آخر يستقطب الأنظار، الجزائري رياض محرز. ما رأيك به؟
تابعت محرز مع ليستر سيتي، الذي اكتشفه وقدمه للعالم، واللاعب كافح كثيراً من أجل مستقبلٍ أفضل في البريميرليغ، انتظر فرصته وأعتقد أن فوزه بالدوري الإنكليزي مع ليستر، الفريق المغمور، منحه جواز سفر للانتقال إلى مانشستر سيتي.
انضمامه لنادي مانشستر سيتي سيمنحه فرصة لتفجير طاقاته، لأنه يلعب مع فريق ينافس على البطولات، أتمنى أن أرى محرز في مونديال قطر، هو من اللاعبين الذين يمتلكون الموهبة وحاسّة التهديف في منطقة الجزاء، يجب عليه أن يتأقلم على اللعب مع كبار النجوم في مانشستر سيتي المدجج بلاعبين من العيار الثقيل.
ــ لن نسألك من هو الأفضل ميسي أم رونالدو، لأنني أعرف أنك لا تحب المقارنات، لذلك سأسألك ما هو سرّ هيمنة النجمين على الكرة في العالم منذ عشر سنوات؟
كلاهما موهبة وعبقرية كروية، الموهبة لا تكفي وهي تحتاج إلى عناصر أخرى مثل الانضباط والثقافة الكروية، وميسي مثل رونالدو يمتلك نظاماً فريداً في نوعية الحياة، والانتظام سرّ نجاح كل لاعب.
اللاعبان أيضاً يمتلكان قوة ذهنية لا تتوفر عند اللاعبين الآخرين، وأقول شكراً لرونالدو وميسي، لأنهما أمتعا الجماهير في فترة أصبحت فيها النجومية عملةً نادرة، غير أن ميسي ورونالدو سجلهما خالٍ من لقب كأس العالم عكس بيليه ومارادونا.
ــ نعود لقطر التي فازت بلقب كأس آسيا أخيراً، رغم أنها لا تمتلك لاعبين محترفين على مستوى عالٍ في أوروبا. بماذا تفسر ذلك؟ وما هي الخطة التي يجب اتباعها لإعداد فريق قوي للمونديال؟
يجب على القطريين الإعداد من الآن للاستحقاق. هناك أربع سنوات أمامهم ويجب أن يشجعوا اللاعبين على الاحتراف خارج الوطن، وأعتقد أن الهدف يجب أن يكون التأهل للدور الثاني في كأس العالم، بالنسبة لدولة تنظم البطولة على أرضها، وبلغني أن الفريق الذي حقق كأس آسيا يضم بعض اللاعبين الذين كانت لهم تجارب قصيرة في أوروبا.
ــ أنت تدربت مع مدربين عظماء مثل أنشيلوتي ومورينيو وبيلسا وبيكرمان ومانشيني. بمن تأثرت؟ ومن هو المدرب الذي تعلّمت منه أكثر من غيره؟
مبدئياً تعلّمت من كلّ مدرب أمراً معيناً، وكلّ مدرب له أسلوبه وله إيجابياته وسلبياته، ولا يمكن لي أن أفضّل هذا المدرب على الآخر لقد تعلمت من مورينيو ومن أنشيلوتي وبيلسا.
ــ كيف يمكن أن تفسر لقرّائنا العرب بأن ميسي فعل كلّ شيء إلا الفوز بكأس العالم، وهل هذا أثّر على شعبيته مقارنة بشعبية مارادونا؟
في كرة القدم لا تستطيع تحقيق ما تريده، وخوض أربع نهائيات في مختلف المسابقات، وخاصة كأس العالم، لا يعني أنك ستفوز، وهذا ما حصل لميسي وأعتقد أن الحظ خانه وأدار وجهه له. على أي حال، فإن ميسي حقق بطولات عالمية في الفئات العمرية، وذهبية الأولمبياد، وعوّض إخفاقاته مع منتخب الأرجنتين بحصد ألقاب كثيرة مع برشلونة.
ــ دافعتَ عن ألوان ميلان وإنتر وبارما ولاتسيو وتشلسي... ما هي التجربة الأفضل بالنسبة إليك؟
في الواقع أنا مدين لنادي ريفر بليت الأرجنتيني، الذي ترعرعت في أحضانه، هو الذي كان وراء شهرتي. أعتز كثيراً بمشواري مع بارما، بعدما حققتُ معه أجمل الألقاب، وفي لاتسيو أيضاً عشت فترات ممتعة وسعيدة، وأنا سعيد أيضاً بما حققته مع تشلسي وإنتر وميلان، كلّ هذه التجارب ستبقى عالقة في ذهني.
ــ هل لديك طموحات لتدريب منتخب الأرجنتين في يوم ما؟
طبعاً حلمي تدريب المنتخب الأرجنتيني في يوم ما، لكن لبلوغ هذا الحلم لا بُدّ من العمل ومن تطوير قدراتي كمدرب، لأن الخبرة ما زالت تنقصني، وليس كلّ لاعب نجح في مشواره الكروي ينجح مدرباً، ولدينا أمثلة كثيرة ولا أريد أن أذكر الأسماء.
ــ أنت تدرب فريقاً مغموراً في الأرجنتين، ما هو الأسلوب الذي تتبعه، وخاصة أنك خريج المدرسة الإيطالية؟
التدريب هو عصارة عدد كبير من التجارب، صحيحٌ أنا متأثر بالمدرسة الإيطالية، لكنني لعبتُ في الأرجنتين، وأعرف جيداً هذه المدرسة التي يمتاز بها العديد من المدربين على مستوى العالم. أحاول أن أجد خلطة تتوفر فيها عناصر كرة القدم العصرية.
ــ هل أنت متفائل بمستقبل منتخب الأرجنتين؟
أنا متفائل بمستقبل الكرة الأرجنتينية، التي تنجب من حين لآخر موهبة مثل مارادونا وميسي وكمبيس، لكن أنصح الأندية بأن تعمل أكثر فأكثر، لأنها الأساس وبدونها لا يمكن أن نكون منتخباً ينافس على البطولات الكبيرة. وما يدخل الاطمئنان على قلبي هو أن الأرجنتين تصدّر نوعية جيدة من اللاعبين لأندية أوروبا الكبيرة، وهذا يُطمئننا إلى مستقبل المنتخب الأرجنتيني.