كروم الخليل ومعمار الهزيمة

02 نوفمبر 2015
أماني البابا / فلسطين
+ الخط -

يصنع الجنوب الفلسطيني شهده الأليم من كرمة شهوده؛ من الدم الصعب لأطفال جباله الذين يرحلون تباعاً تاركين رواية إعداماتهم لتقطع أحبال الخطابة الجاهزة. إذ ما يُحمل عليه اليوم من نبل وشهادة يحيل إلى وعورة مسالكه، وثأريّة خياراته.

حشود هائلة خرجت، في الخليل، لاستقبال وتشييع جثامين الفتاتين الشهيدتين: بيان العسيلي ودانية ارشيد، والفِتيان الشهداء: بشار وحسام الجعبري وطارق النتشة، في ما كان يجثو الاحتلال وكأنه مسبب الأسباب وصانع الأجوبة.

نعم، لقد ولدت الأم الكبيرة: أوسلو، اتفاقية فرعية: اتفاقية الخليل، المعروفة سياسياً باسم: "بروتوكول إعادة الانتشار". احتوت تفصيلات وتنويعات على "الأمن" ووضع "الأماكن الدينية" والتقسيم المناطقي للبلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي.

ومن بين بنودها الخطرة ما يرد حول المناطق المرتفعة والمطلة على الطرق الرئيسية، تلك التي تخضع لسيطرة الاحتلال والتي تتولى "الدوريات المشتركة" ( لم تعد إلا من جانب واحد) حمايتها ومنع أي أعمال تخريب في محيطها. وكذلك ترتيب الحواجز والتقطيع الجغرافي المنهجي والمدروس معمارياً واستراتيجياً وسيادياً.

ولذا، يمكن القول، إن من وقعوا هذا البروتوكول، أخضعوا المدينة لمعمار الهزيمة. وأسلموا أبناءها لنقاط التفتيش، وعبّدوا الطريق لكل عمليات الإعدام الأخيرة. حيث كل هدف سهل، وكل هدف مكشوف.

إن حالة التعوّد التي لا نقاش فيها للماضي ولا مراكمة فيها للحاضر، تعطي مؤشراً أولياً على بعض المظاهر المرضيّة للانتفاضة التي علقت وستعلق بها، حيث لا يمكن للدم أن يهدر فقط من أجل كل تحوّل، وعقب كل تعثر.

ذلك أن الواقع يقول باستمرار الخلاف على جغرافيا الوهم، وأدبيات المحاصصة على الأرصدة النضالية ذاتها. (إنه الدم الذي لا يزيد من العتمة بقدر ما يؤكد على وجود جمهور ليل بليد). ولكنّه أديم الأرض الجنوبية ينبت عنباً غضاً، يتكشف على الموت بجسارة الزُرّاع، ولا يحصده إلا الأطياب والكبراء.



اقرأ أيضاً: وكان ضياء
المساهمون