23 مارس 2019
كرافانات الموت
نجوى اقطيفان (فلسطين)
كرافانات الموت هي أشبه بصناديق الموتى، تبعث ساكنيها إلى حياة أخرى أفضل بكثير من حياتهم الحالية في الكرفان.
لمن يسأل عن العلاقة بين الكرافان والموت، نقول إنها علاقة تزاوج، كالتي تحدث بين البشر. ولكن، في حياة البشر ينتج التزاوج حياة لأفراد آخرين، أما هنا فنحن أمام حكم نهائي بالنهاية الحتمية على حياة البشر، القاطنين داخل تلك الكرافانات.
بعد حرب غزة عام 2014، وبعد أن دمر الاحتلال الإسرائيلي منازل المواطنين العزّل الذين لا يملكون غيرها، وليس لديهم من الأموال ما يعيد بناءها، منحت بعض جهات الاستغاثة تلك الأسر الفلسطينية الغزية بيوتاً من صفيح بديلاً مؤقتاً عن منازلهم بعض الوقت، ريثما يأتي أصحاب القلوب الرقيقة لمنحهم بعض المساعدات المالية ومواد البناء، لكي يعيدوا بناء منازلهم من جديد.
انتظر هؤلاء المساكين سنتين، من دون أن يأتي أحد، فهناك أُسر فلسطينية غزية كثيرة، مازالت تقطن تلك الكرافانات الحديدية التي تشع حرارة كالفرن في الصيف الساخن، وتشع برودة كالفريزر المثلج في الشتاء، وهم لا حول لهم ولا قوة، استغاثوا وناشدوا أصحاب القرار في غزة والضفة، ولكن من دون آذان تصغي لاستغاثاتهم.
قبل عام ونيف، جئت إلى قطاع غزة، عبر معبر رفح البري، وشاهدت الدمار الذي آل إليه هذا الجزء من الوطن المحاصر منذ ما يزيد عن الثمان سنوات، إذ وجدت أُسر يتعدى عدد أفرادها الست أو العشر أفراد، تعيش في كرافانات من حديد، في وقتٍ تشتد الحرارة فيه يوما بعد الآخر، ما جعلني أتذكر رواية غسان كنفاني "رجال تحت الشمس"، ووصفه أشخاصاً كانوا يحاولون الرحيل، والسفر بطرق غير شرعية إلى بلاد أخرى، وكيف فرض على هؤلاء الرجال أن يجلسوا داخل براميل من حديد، تحت أشعة الشمس الحارقة في الصحراء، إلى أن يعبروا الحدود، ومن بعدها يخرجوا. ولكن، لم ينج أحد منهم، فأصبحت تلك البراميل الحديدية تابوت نعش لأجسادهم.
هكذا هو الحال في قطاع غزة في الجزء الذي تدمرت منازله، حيث أصبحت تلك الكرافانات تابوتاً يحمل أجساد هذه الأسر الفقيرة إلى مثواهم الأخير، من دون أن ينظر إليهم أحد المسؤولين بعين من الرأفة والرحمة والشفقة.
قبل أيام، مات طفل رضيع من البرد القارس، وما تزال أخته التوأم مريضة، وتصارع الموت. الوضع المأساوي في وطني المجروح، لم يسلم حتى الأطفال منه. لذا، لن أناشد أولي الأمر منهم بأن يتطلع إلى هؤلاء المساكين، ولن أقول "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤل عن رعيته"، فإذا لم نكن نحن نشفق ونرحم بعضنا، لا يجب أن نطلب من الغير أن يشفق علينا.
لمن يسأل عن العلاقة بين الكرافان والموت، نقول إنها علاقة تزاوج، كالتي تحدث بين البشر. ولكن، في حياة البشر ينتج التزاوج حياة لأفراد آخرين، أما هنا فنحن أمام حكم نهائي بالنهاية الحتمية على حياة البشر، القاطنين داخل تلك الكرافانات.
بعد حرب غزة عام 2014، وبعد أن دمر الاحتلال الإسرائيلي منازل المواطنين العزّل الذين لا يملكون غيرها، وليس لديهم من الأموال ما يعيد بناءها، منحت بعض جهات الاستغاثة تلك الأسر الفلسطينية الغزية بيوتاً من صفيح بديلاً مؤقتاً عن منازلهم بعض الوقت، ريثما يأتي أصحاب القلوب الرقيقة لمنحهم بعض المساعدات المالية ومواد البناء، لكي يعيدوا بناء منازلهم من جديد.
انتظر هؤلاء المساكين سنتين، من دون أن يأتي أحد، فهناك أُسر فلسطينية غزية كثيرة، مازالت تقطن تلك الكرافانات الحديدية التي تشع حرارة كالفرن في الصيف الساخن، وتشع برودة كالفريزر المثلج في الشتاء، وهم لا حول لهم ولا قوة، استغاثوا وناشدوا أصحاب القرار في غزة والضفة، ولكن من دون آذان تصغي لاستغاثاتهم.
قبل عام ونيف، جئت إلى قطاع غزة، عبر معبر رفح البري، وشاهدت الدمار الذي آل إليه هذا الجزء من الوطن المحاصر منذ ما يزيد عن الثمان سنوات، إذ وجدت أُسر يتعدى عدد أفرادها الست أو العشر أفراد، تعيش في كرافانات من حديد، في وقتٍ تشتد الحرارة فيه يوما بعد الآخر، ما جعلني أتذكر رواية غسان كنفاني "رجال تحت الشمس"، ووصفه أشخاصاً كانوا يحاولون الرحيل، والسفر بطرق غير شرعية إلى بلاد أخرى، وكيف فرض على هؤلاء الرجال أن يجلسوا داخل براميل من حديد، تحت أشعة الشمس الحارقة في الصحراء، إلى أن يعبروا الحدود، ومن بعدها يخرجوا. ولكن، لم ينج أحد منهم، فأصبحت تلك البراميل الحديدية تابوت نعش لأجسادهم.
هكذا هو الحال في قطاع غزة في الجزء الذي تدمرت منازله، حيث أصبحت تلك الكرافانات تابوتاً يحمل أجساد هذه الأسر الفقيرة إلى مثواهم الأخير، من دون أن ينظر إليهم أحد المسؤولين بعين من الرأفة والرحمة والشفقة.
قبل أيام، مات طفل رضيع من البرد القارس، وما تزال أخته التوأم مريضة، وتصارع الموت. الوضع المأساوي في وطني المجروح، لم يسلم حتى الأطفال منه. لذا، لن أناشد أولي الأمر منهم بأن يتطلع إلى هؤلاء المساكين، ولن أقول "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤل عن رعيته"، فإذا لم نكن نحن نشفق ونرحم بعضنا، لا يجب أن نطلب من الغير أن يشفق علينا.