كتّاب ومثقفون فلسطينيون: هذا ما حدث

02 مايو 2016
(تصوير: جويل كاريلي)
+ الخط -

أين يرى الفلسطيني نفسه ما بعد "الربيع العربي"؟ وأين تقع فلسطين وفقاً لخارطة هذا "الربيع"؟ وما هو ترتيب قضية العرب الأولى على أجندته؟ هذا ما سنسمعه هنا من أصوات ثقافية وسياسية وإعلامية في الضفة الغربية المحتلة.


خليل شاهين: مواجهة الاستبداد العربي
وتمكين الشعوب العربية من تقرير مصيرها
المحلل السياسي خليل شاهين قال إنَّ بناء وتطوير مشروع تحرري في مواجهة نماذج الاستبداد العربي لا تشكل القضية الفلسطينية محوره لن يكون متاحاً، طالما أن الهدف الرئيسي لمثل هذا المشروع هو تمكين الشعوب العربية من تقرير مصيرها فى سياق تحقيق التحرر والحرية والعدالة "فهذا هو جوهر القضية الفلسطينية، رغم تراجع مكانتها ضمن أولويات بعض الشعوب العربية في مواجهة توحش الاستبداد العربي".

واعتبر شاهين أنَّ ما شهدته المنطقة العربية في العام 2011 كان محاولات لإعادة بناء الكيانات المجتمعية العربية على أسس تحررية، أي بلورة مشروع لتحقيق العدالة والحرية في مواجهة الاستبداد، لذلك فهو يتماهى، من حيث جوهر مساره التحرري، مع عدالة القضية الفلسطينية، لا سيما أن منظومة سلطة الاستبداد في البلدان العربية تتقاطع مع منظومة السيطرة الصهيونية القائمة على تفتيت المجتمع الفلسطيني.

وأشار شاهين إلى أن الشعوب العربية ما زالت تهتف للقضية الفلسطينية وشهدائها حتى وهي تشجع فرقها في ملاعب كرة القدم، رغم صعود أولويات أخرى تفرضها طبيعة اللحظة في مواجهة الاستبداد في بلدان أخرى، أو تبدل أولويات دول أخرى باتت ترى تقاطعاً في مصالحها مع إسرائيل، بل وتتحالف معها في السر.


أكرم مسلَّم: لم تعد المفاهيم الدارجة تسعف
يرى الروائي أكرم مسلَّم أن فلسطين كانت ذريعة لـ "الرسمي" العربي، لكنها لم تعد ذريعة لأحد أو لشيء، لم يعد أحد يحتاج إليها حتى كذريعة. ويعتقد أنه لم يعد من الممكن استخدام المفاهيم القديمة ذاتها في تحليل الواقع الجديد، "لقد انهار الواقع المألوف تماماً وانهارت معه اللغة، ولم تعد المفاهيم الدارجة تسعف".

يتساءل: ما الذي تعنيه الشعوب العربية الآن؟ كم عددها؟ أين هو المشروع الذي يمثّل حلمها الجماعي؟ أين هو المركز الذي يقود إنتاج هذا المشروع؟ وهل تستطيع الأطراف النفطية، بإسناد بعضها للعسكر وبعضها لخصومهم، إنتاج مشروع جماعي "شعبي" جديد؟ أين موقعنا من حسابات أميركا في تدخلها مع الشعوب؟

وأين موقع "القومجيين" من استحضار الروس لقصف العرب؟ بعد فشل الدولة القومية، أليست الشعوب جزءاً من الاستقطاب؟ من هم الإخوان ومن هم السلفيون والوهابيون والحوثيون ومليشيات إيران في العراق، أليسوا من "الشعوب"؟ مشيراً إلى أننا بنينا الكثير من التحليلات على افتراضات، مثلا أن عشرات آلاف الشباب الرومانسيين والتقدميين في مقدمة ربيع مصر يستطيعون حمل مشروع افترضنا أنه تنويري إلى نهايته، فوجدنا أنفسنا فجأة أمام قيادة تستعيد الشيفرات الطائفية، وبعدها قيادة عسكرية تعيد انتاج النظام القديم.

وختم مسلّم قائلاً: "أما سورية فأصبحت انتفاضتها ضد الدكتاتور الذي قرَّر أن يهزم شعبه، مساحة لاستقطاب متشعب لا يستطيع السوريون أنفسهم فهمه. نعيش مرحلة ما قبل الدولة، الناجمة عن تماهي الحزب مع الدولة، والدولة مع الطائفة، أو القبيلة الحاكمة أو المؤسسة العسكرية". وأضاف: فلسطين في هذه الحسابات على المحكَّات الواقعية موجودة بعيداً، رسمياً، تتم المقايضات على فلسطين.

وشعبياً، رغم حسن النوايا، لا مكان جوهريا لفلسطين في صراع الهويات. ثم إن فلسطين نفسها تفشل في تقديم نموذج، ولا تستطيع تحديد موقعها مما يحدث، فلسطين "الوطنية" خائفة، وفلسطين "الإسلامية" تائهة بين المحاور.


عبد الغني سلامة: ستتراجع قضية فلسطين للوراء
وقال المحلل السياسي عبد الغني سلامة إنَّ قضية فلسطين ستتراجع في بعض البلدان العربية ليحلَّ محلها قضايا أخرى أكثر إلحاحاً؛ مثل الاستقرار الأمني، والتخلص من رموز النظام السابق، وإعادة ترتيب البيت الداخلي. فيما ستكون بقية الدول مشغولة بعدم نقل عدوى الربيع العربي إليها.

ويضيف أن قضية فلسطين تغرس جذورها عميقاً في الوجدان العربي (القومي والدِّيني)، ولكن، وبسبب هيمنة الأنظمة العربية على شعوبها؛ بقي الرابط العربي مع فلسطين مقتصراً على المستوى الخطابي، وعند حدود الشعارات، والتي غالباً ما كانت تُستخدم وسيلة للظفر بالسلطة. لذلك، ظلت الجماهير الشعبية مغيبة ومهمشة.

ووفقاً للكاتب لسلامة، فإن غياب فلسطين عن الشعارات المرفوعة في معظم المسيرات الشعبية التي جرت في سياق الربيع العربي يعتبر أمراً طبيعياً ومتوقعاً كون هذه الثورات خرجت، في الأساس، لدوافع اقتصادية، اجتماعية، وكانت مطالبها متركزة في إسقاط النظام. كما أن غيابها سيستمر أيضاً عن أجندات دول الربيع العربي، على الأقل في الأمد المنظور لصالح قضايا محلية راهنة وأكثر إلحاحاً.

ويضيف سلامة: "في هذه الظروف سيكون العالم مشغولاً بالتحولات الجديدة في المنطقة، التي باتت محور اهتمامه، على حساب القضية الفلسطينية، مثل "مكافحة الإرهاب"، و"داعش"، والأزمة السورية وتداعياتها. أميركا في استراتيجيتها الجديدة؛ لن تنغمس أكثر في قضايا الشرق الأوسط، وقد تتركه لمصيره، مكتفية بدور المراقب، مع ضمان أمن مصالحها. ومن جهتها، فإن إسرائيل، رغم تدهور سمعتها وتراجع مكانتها الدولية، ستستغل حالة الضعف الفلسطيني، والعربي، وانشغال العالم عن القضية الفلسطينية، لتمضي قُدماً في مشاريعها الاستيطانية".


محمد ضراغمة: العالم منشغل الآن
بالجماعات الإرهابية عابرة الحدود
يعتبر الإعلامي محمد ضراغمة أن أحداث الربيع العربي قادت إلى تراجع مكانة القضية الفلسطينية، بدرجة كبيرة، على المستويين الإقليمي والدولي. اقليمياً، انشغلت الدول والانظمة العربية بأوضاعها الداخلية وأوضاع الدول المحيطة التي تؤثر عليها تأثيراً مباشراً، ما أدى إلى تراجع مكانة القضية الفلسطينية في سلم أولويات هذه الدول والانظمة.

فعلى سبيل المثال فإن الأولية الأولى لدول الخليج العربي اليوم هي التحديات الأمنية والسياسية الداخلية أولاً، ثم في الدول المحيطة مثل اليمن، ثم في الدول المشرقية الأخرى مثل سورية ولبنان. والأولية الأولى لمصر هي التحديات الأمنية والسياسية الداخلية في سيناء وفي مواجهة "الاخوان المسلمين"، والعراق وسورية تغرقان في أوضاعهما وتحدياتهما الداخلية.

ورأى ضراغمة أن بعض الدول العربية وجد دافعا للتحالف الأمني والعسكري مع إسرائيل في مواجهة إيران والقوى الحليفة لها في المنطقة، وهذا بالتأكيد يعزّز من دور اسرائيل ويضعف مكانة القضية الفلسطينية. ودولياً، بات العالم أكثر انشغالا بالتطورات الجارية في المنطقة العربية، خاصة الجماعات الارهابية العابرة للحدود، وأفواج اللاجئين المتدفقة إلى القارة، ما أدى الى تراجع مكانة القضية الفلسطينية.

ويعتقد ضراغمة أن التطورات الجارية في المنطقة العربية ستدفع بالقضية الفلسطينية إلى الخلف لسنوات، وتقلّص فرص الحل السياسي لهذه القضية، وتعزّز من مكانة إسرائيل ودورها الإقليمي.


سامح خضر: تراجع القضية الفلسطينية
يرجع لأسباب فلسطينية
الكاتب سامح خضر يرى أن "الربيع العربي" خلق حالة من التشرذم، وأشعل صراعات مجتمعية وطائفية خطيرة لم تشهدها المنطقة العربية منذ عهد معاوية ويزيد، وجرَّ عدداً كبيراً من المثقفين إلى أتون معركة الاصطفاف الطائفي والأيديولوجي التي وصلت مداها عربياً وإقليمياً.

ومع ذلك يقول خضر إن "الربيع العربي" لم يكن وحده مسؤولاً عن أفول نجم القضية الفلسطينية، بل "تراجع القضية الفلسطينية عن واجهة المشهد السياسي العربي يعود لأسباب فلسطينية أولاً أبرزها الانقسام السياسي والجغرافي الحاصل منذ العام 2006 وتراجع تأثير الأحزاب على الأرض، وضعف الخطاب السياسي الفلسطيني الموجَّه للجمهور العربي ساهم بشكل كبير في هذا التراجع"، على حد تعبيره.


رولا سرحان: إنه تغييب مقصود للقضية الفلسطينية
ترى الشاعرة رولا سرحان أن الأمر ليس سقوطاً بقدر ما هو "تغييب" متعمَّد ومقصود للقضية الفلسطينية، وذلك من قبل النظم العربية التي تعيش "حالة من الاستقرار" النسبي، بخلاف دول عربية أخرى تشهد صراعات داخلية.

وتعتقد سرحان أن الأمر يعود إلى العوامل التالية، الأول: أن الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، وبإيجاد حل عادل لها، لم يكن بالأساس اهتماماً أصيلاً، من قبل النظم العربية المختلفة، بمعنى أن يكون نابعاً من وازع عربي- وحدوي قائم على استعادة الحق المغتصب، أو لمواجهة ممارسات استعمارية-إحلالية، لحيّز جغرافي أصيل من الوطن العربي.

الثاني: لأن الواقع العربي الحالي اقتضى خلق علاقات (منها العلني ومنها السري) مع دولة الاحتلال، وخاصة بعد الاتفاق النووي الإيراني، وبعد بروز الحلف الروسي - السوري. الثالث: نجاح الدول العربية في حرف اهتمام شعوبها عن القضية الفلسطينية، والتلهي بالصراعات الداخلية.

وتؤكد سرحان أنَّ هذه الصراعات نجحت في خلق حالة من العداوة بين شعوبها والشعب الفلسطيني. الرابع: ضعف القيادة الفلسطينية الحالية، وعدم تمثيلها للشارع.

المساهمون