كتّاب عرب في الفترينة الغربية

07 مايو 2016
دوريس سالكيدو، كولومبيا
+ الخط -
يصعب على المرء أن يكون عربياً اليوم، ويصعب عليه بشكل خاص أن يكون كاتباً عربياً. لا ريب أن غياب جمهور القرّاء هو العائق الأول والوجودي الذي يعترض الأدب العربي؛ إذ يكاد أن يكون القرّاء العرب الوحيدون هم الكتّاب أنفسهم، معطوفين على النقّاد الأدبيين الذين ليسوا غالباً سوى الكتّاب أنفسهم أيضاً.

وفي ظل غياب الرقابة التي يمارسها القارئ المحايد، من الطبيعي أن تصبح العلاقات الشخصية والخدماتية العامل الحاسم في تقييم الأعمال وتحديد حصّة الكاتب من الاهتمام الإعلامي الذي لا يتوجّه أصلاً إلاً إلى الكتّاب أنفسهم.

لا يستطيع الكاتب العربي لوم مجتمعه الغارق في البؤس والأمية، فالأدب والثقافة من الرفاهيات غير المتاحة لمن يلهث منذ نعومة أظافره وراء لقمة العيش. ولا يستطيع كذلك التعويل على الاهتمام العالمي أو الغربي لتعويض الفراغ، حتى وإن كان العالم العربي والمسلم صار في قلب هموم الغرب وهواجسه منذ هجمات 11 سبتمبر 2001. ذلك أن الأدب والثقافة لا يدخلان في دائرة هذا الاهتمام الفائض، بل إنه بالأحرى يحجبهما.

لكن وحرصاً على التنوّع البيئي والعرقي وما تصفه وسائل الإعلام الغربية بـ "التعدّدية الثقافية"، تبقى هناك واجهة (فترينة) مخصّصة للأدب العربي في الصالونات الغربية، إنما ليس بالضرورة أن يكون الأدب هو ما يجري عرضه فيها.

بالطبع، ثمة كتّاب عرب موهوبون وقديرون بين من يُحتفى بهم في الغرب، لكن الموهبة هنا لزوم ما لا يلزم، والدليل أننا نجد بين من يتصدّرون الواجهة أسماءً تفتقر إلى الحد الأدنى من الموهبة.

"لا مكان في الغرب لأدب عربي ما لم يكن موضوعه العالم العربي أو الإسلامي"، عبارة تسمعها غالباً على ألسنة الناشرين والمترجمين. لا ينطلق هذا الموقف من اعتبارات أيديولوجية، بل من حسابات السوق والبحث عن بضاعة رائجة تتّفق مع مزاج القارئ الغربي. هذا الأخير لا يكترث للأدب العربي بما هو أدب، بل يهتم بالعالم العربي والمسلم من منظور الهواجس الغربية الراهنة.

وعلى الطامح إلى رُكن في "الفترينة" أن يملأ إحدى الخانات التالية: الخانة الأقدم هي "الإيكزوتيكية" (مفهوم يحيل إلى جاذبية ما هو غريب وبعيد عن الثقافة الغربية لدى الجمهور الغربي) الفارغة التي تستلهم الأدبيات الاستشراقية، غير أن مردود هذه الخانة تراجع إلى حد كبير بعد هجمات 11 سبتمبر. وتجدر الإشارة إلى أن "فترينة" الإيكزوتيكية يتشاركها العرب مع كل الشعوب الآسيوية والأفريقية والأميركية اللاتينية.

الخانة الأكثر مردودية ورواجاً اليوم هي دور العربي الشاهد على "بربرية الثقافة العربوإسلامية وتوحّشها المتأصّل"، أصحابها يطلّون على الشاشات الغربية ليشرحوا بإنجليزية أو فرنسية مكسّرة أنه يتعذّر "دمج" أوروبيين من الجيل الثالث والرابع في المجتمعات الغربية بسبب "الداعشية المتجذرة في جيناتهم الثقافية العربوإسلامية" (راجع مقالي"شعبية "التنوير" الإسلاموفوبي" في "العربي الجديد").

وعلى هامش هذه الخانة نجد خانتي المناضلات النسويات والمناضلين المثليين الذين ينقلون إلى الجمهور الغربي (غير المطّلع!) معاناة ومأساة أقرانهم في العالم العربي.

ومع الثورات العربية واستفحال المأساة السورية، ازدهرت خانة المناضلين من أجل الحرية الذين يحصدون الأوسمة في الغرب نيابةً عن شعوبهم التي ترزح تحت القنابل أو تغرق على الشواطئ الأوروبية. بالطبع، هذا النمط من التعامل الغربي المركّز على الذات لا يقتصر على الأدب العربي، لكنه يبلغ معه حدّه الأقصى.

البرهان الأمثل على استمرارية هذه النزعة الغربية الإثنو ـ مركزية قد يكون جائزة نوبل. هي تُمنح للكتّاب الغربيين على موهبتهم في حين تُمنح لسواهم على مواقفهم. وأساساً، عدد هؤلاء الضئيل يجعل منهم مجرّد "كومبارس" في جوقة الجائزة الغربية.

في النهاية، تجدر الإشارة إلى أن الاعتراف العربي لا يتبع معايير أكثر نزاهة من الاعتراف الغربي، وأساساً الثاني يستتبع الأول آلياً؛ فمن ينجح في تكريس نفسه غربياً، يضع يده على مفاتيح فردوس الدعوات الأدبية واللجوء الثقافي، وهذا يكفي بحد ذاته لتكريسه خدماتياً في البلاد العربية.

ولا داعِ كذلك للتحسّر على ماضٍ ذهبي متوهّم، ففي أيام الحركات التحرّرية الجماهيرية وصعود الناصرية لم تلعب الموهبة دوراً أكبر في تكريس رموز أدبية صارت اليوم جزءاً من الفولكلورات القومية المهترئة. قالت لي روائية عربية قديرة من ذلك الجيل إن كافكا لو وُلد عربياً فما كان أحد ليسمع به، لا في العالم العربي ولا في الغرب.

وختاماً، لا معنى لجلد الذات بـ "النحنسيئونية" (نسبةً إلى "نحن سيئون") أو "العالمسيئية"، (العالم سيئ) فهذا لا يقدّم ولا يؤخّر. على المرء أن يتصرّف بنضج ويتحمّل، أو يكفّ عن الكتابة.

المساهمون