"تأثّر الجميع بسبب فيروس كورونا وتبعاته. لكن ما يقلقني أكثر هو تأثّر والديّ. منذ بداية تفشي الفيروس، عزلا عن جميع الأقارب. لم نسمح (الأسرة) لهما بزيارة الأقارب أو المساجد خشية إصابتهما بالفيروس". هذا ما يقوله الشاب الباكستاني محمد مصطفى، وهو من مدينة راولبندي، لـ "العربي الجديد"، حول كيفية تعامل أسرته مع والديه، موضحاً أنه مع بداية تفشي الجائحة، كان هم أسرته الوحيد حماية الوالدين كونهما في عمر متقدّم، ومعرضين لخطر الإصابة بالجائحة أكثر بسبب ضعف مناعتهما بالمقارنة مع الشباب. لكن مع استمرار العزل، تأثّرا نفسياً، وخشيت الأسرة من أن يعانيا من مشاكل نفسية أكثر من إصابتهما بكورونا.
يقول مصطفى إنّ والده رجل اجتماعي واعتاد زيارة أشقائه وأقاربه والذهاب إلى المسجد بشكل دائم. "نادراً ما كان يجلس في المنزل. أما اليوم، فقد بات وحيداً كما هو حال والدتي. وإذا استمرّ الوضع على هذا النحو، فقد يعانيان من أمراض نفسية".
أما معراج الدين (75 عاماً)، فما زال يذهب إلى المسجد بشكل يومي، لكنه لا يزور أقاربه أو يذهب إلى السوق كما في السابق. ويستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي ليتحدث مع أقاربه وابنتيه وأحفاده ويجلس معهم طوال النهار، مع توخي الحذر وأخذ الاحتياطات اللازمة. لكنّه لا يتوقف عن الذهاب إلى المسجد، على الرغم من قرار الحكومة الباكستانية عدم السماح لمن تجاوز عمره الخمسين عاماً بالذهاب إلى المسجد.
خلال شهر رمضان الماضي، اتّفقت نقابة العلماء مع الحكومة الباكستانية على إبقاء أبواب المساجد مفتوحة من أجل صلاة التراويح، لكن الاتفاق ينص على ألّا يحضر إلى المسجد من تجاوز عمره 50 عاماً. هذا ما شدّد عليه رئيس الجمهورية عارف علوي عند إعلان التوافق على فتح المساجد، قائلاً "إنّنا نطبق بشدة ما اتفقنا عليه، ولن يحضر إلى المسجد من فاق عمره 50 عاماً". لكن معظم كبار السن يذهبون إلى المساجد في ظلّ عدم وجود أي نوع من الإجراءات لمنعهم.
إضافة إلى العزلة، عانى بعض كبار السن نتيجة عدم قدرتهم على تأمين لقمة العيش لعائلاتهم عدا عن الدواء، بعدما أغلقت البلاد نتيجة كورونا ما يعني تدهوراً اقتصادياً أكبر.
من بين هؤلاء شير عالي كاكا (62 عاماً)، وهو من سكان منطقة بلوسي في مدينة بيشاور، ولديه ستة أولاد، وهو الوحيد الذي يتحمّل أعباء المنزل. وبسبب الإجراءات المتخذه لمكافحة تفشي الجائحة، لم يعد قادراً على العمل، وبات يعتمد على مساعدات بعض أقاربه. يقول لـ "العربي الجديد": "كنت أخرج في الصباح الباكر إلى منطقة سبين جومات القريبة من المنزل، وأجلس هناك مع العمال المياومين لأحصل على عمل في البناء. لا أرفض أي عمل حتى لو كان شاقاً لتأمين الطعام لأولادي".
منذ بداية تفشي الجائحة، بات شير علي محروماً من العمل. يخرج من البيت من دون أن يجد عملاً، ما اضطره إلى استدانة المال من بعض أقاربه. باتت حياته مرهونة بمساعدات الأقارب له، سواء بالمال أو المساعدات الغذائية.
يقول شير علي إن "جيراني يساعدونني كثيراً لكنهم فقراء أيضاً. والأمر لا يقتصر على يوم واحد. آمل أن أتمكن من العودة إلى العمل وأؤمن لأسرتي احتياجاتها".
أما عالم كير، وهو في العقد الخامس من العمر، فكان يعمل حارساً في إحدى المدارس الخاصة في منطقة ركشوبول في مدينة بيشاور، ويتقاضى راتباً شهرياً قدره عشرة آلاف روبية (نحو 63 دولاراً). وبعد الظهر، يبيع الطماطم المقلية على قارعة الطريق. منذ شهرين، لم تدفع له المدرسة راتبه، وقد بات ممنوعاً من بيع الطماطم، علماً أن زوجته مصابة بسرطان الثدي وتحتاج إلى دواء. أما هو، فيتناول أدوية الأعصاب.
وفي خضم الأحوال السيئة التي يمر بها كبار السن في باكستان، وعدت الحكومة بتقديم المساعدات لهم. إلا أن عالم كير يقول إنه لم يحصل حتى على ذلك المبلغ الذي وزع على الفقراء من خلال حملة "إحساس" وقدرها 12000 روبية (نحو 74 دولاراً). أما المساعدات الأخرى الخاصة بهم، فلم تبدأ حتى الآن.
قبل تفشّي كورونا، أعلنت الحكومات الإقليمية عن تنظيم حملات خاصة لكبار السن من دون أن تبصر النور حتى الآن. وأعلنت حكومة إقليم خيبربختونخوا عن توزيع بطاقات لكبار السن، تشمل من تجاوزت أعمارهم الستين عاماً. وبحسب تلك البطاقات، يحصلون على مساعدات شهرية من دون أن يتحقق الأمر. الحال نفسه ينسحب على إقليم البنجاب.
إلى ذلك، يقول الناشط الاجتماعي داد الله لـ "العربي الجديد": "الحكومة منشغلة بملفات شائكة. وفي زمن كورونا، لا أظن أن اتخاذ خطوات قد يغير أحوال كبار السن، خصوصاً الذين هم في حاجة إلى لقمة العيش".