كايسي آفلك: لحظات مضيئة

29 أكتوبر 2019
لم ينجح آفلِك في خلق صلة متينة بين "ديستوبيا"(Imdb)
+ الخط -
في المؤتمر الصحافي، الذي أعقب عرض Light of my Life في برنامج "بانوراما"، في الدورة الـ69 (7 ـ 17 فبراير/ شباط 2019) لـ"مهرجان برلين السينمائي الدولي"، قال مخرجه وكاتبه وبطله كايسي آفلِك إنّ ما أراده في البداية هو صناعة فيلم "نهاية عالَم"، لأنّه يحب هذا النوع من السينما. لكن كتابته أنتجت دراما عادية بين أب وابنته. 
هذه الجملة فسّرت الكثير من ارتباك الفيلم (التجربة الإخراجية الثانية لآفْلِك)، رغم لحظات مضيئة كثيرة فيه.
تدور الأحداث في المستقبل، بعدما أدّى وباء غريب إلى موت نساء الأرض جميعهنّ، ولم يبقَ غير الرجال فقط. الفتاة الوحيدة الباقية هي راغ (آنّا بْنيوفسكي)، ابنة الأعوام الـ12، التي يريد والدها حمايتها، فيحاول إبقاء الأمر سرًا كي لا تتعرّض لأي خطر. لذا، يعيشان بمفردهما، متنقّلين في البرية، فيُصبح هو كلّ ما تعرفه عن العالم.
في جوهره، هذا فيلم عن علاقة أبوّة ـ بنوة. الجزء الأكبر من زمنه حوار ثنائي بين الأب (آفلِك)، الذي لا اسم له، وراغ، بدءًا من مشهد الافتتاح، الطويل جدًا، الذي يروي لها فيه "قصّة قبل النوم": عاش ثعلبان زمن طوفان نوح، الذي أهلك العالم، والسفينة التي بناها لتحمل ذكرًا وأنثى من الكائنات كلّها، مرورًا بنقاشات فلسفية عن الفرق بين الأخلاق والشخص الأخلاقي، وصولاً إلى حديثهما عن الجنس، والعلاقة بين الرجل والمرأة، وأسئلة الابنة عن الدورة الشهرية والطمث، الحالة التي تجعلها امرأة. مَشَاهد شديدة البساطة والرقّة، بتفاعلٍ ثنائي وأداء مدهش، يُدرك المتفرّج معها أنه لا ينتظر شيئًا، على مستوى الأحداث، من تلك الحوارات، إلا بلاغة الأحاديث نفسها.
لم ينجح آفلِك في خلق صلة متينة بين "ديستوبيا" الفيلم وحكاية الأب وابنته. هناك أفكار نظرية كثيرة يحملها الفيلم، عن التوازن ومعاملة النساء في عالم يَحكمه الرجال بالـ"غضب"، كما تقول إحدى شخصياته. هناك أيضًا مساحة تأويل واضحة لاتهامات التحرّش الجنسي، التي تعرض لها آفلِك عام 2010، وتأثيرها في صناعة فيلمٍ عن عالمٍ يَقتل النساء، ويحاول رجل واحد حماية ابنته. لكن الأفكار تلك تبقى مجرّد أفكار، أو طريقة يُقرأ الفيلم عبرها، من دون أنْ تتداخل وتتفاعل مع نسيجه الدرامي بشكل حقيقي، إذْ لا تُعرف ماهية الخطر الذي تواجهه الابنة بشكل محدد، أو إلى أين تأخذهما تلك الرحلة، ولماذا يحاول أشخاصٌ الهجومَ عليهما مرّتين؟
لا يُستشعر في أيّ لحظة أن العالم في الفيلم على وشك الفناء، ولا دور الأب والابنة فيه. بالعودة إلى جملة آفلِك في البداية، هناك شعور بأنّ قالب الـ"ديستوبيا" والفناء دخيل على السيناريو، وأنّه يمكن بسهولة التحرّر منه لصالح قالب درامي أبسط، يشبه الفيلم أكثر. 
  
نتيجة ذلك، ولأنّ القالب غير موصول بمتانة مع جوهر القصّة، ينتاب المرء شعور، طول الوقت، بعدم أصالة الفيلم، الذي يحيل إلى أعمال أخرى يُشبهها، لكنها تتفوّق عليه في تناول الـ"ديستوبيا" ولغتها السينمائية: العالم الذي ينتهي بسبب عدم وجود مواليد جدد، كما في Children Of Men لألفونسو كوارون (2006)، رحلة أب وابن في مستقبل مظلم، كما في The Road لجون هيلكوت (2009)، مشاهد الأب والابنة في الغابة والبرّية، تُحيل تلقائيًا إلى الفيلم الدرامي البسيط والرائع Leave No Trace لديبرا غرانيك (2018)، ذي الفكرة نفسها، من دون زوائد أو قوالب غير مفيدة، كما فعل آفلِك.
دلالات
المساهمون