كان تلميذاً وبات بائع علكة

07 ديسمبر 2015
يتألم كثيراً ولا يتوقف عن البيع (العربي الجديد)
+ الخط -

معظم الأطفال السوريين النازحين إلى لبنان تركوا مقاعد الدراسة خلفهم، وانصرفوا إلى العمل. تتعدد أسباب ذلك، بدءاً من صعوبة المناهج التعليمية عليهم بما تتضمنه من لغات أجنبية، وصولاً إلى الوضع المادي السيئ لأهلهم، ما يدفعهم إلى العمل لتأمين المال. والأخيرة هي الحالة الأكثر انتشاراً بينهم.

علي خليل العلي أحد أولئك الأطفال الذين أكرهوا على ترك المدرسة واللجوء إلى العمل. وبعدما افتتح دراسته المتوسطة في بلاده، بات في لبنان يبيع العلكة على الكورنيش البحري لمدينة صيدا الجنوبية. يتنقل بين مقاهيها على مدار الساعة علّه يبيع ما معه في العلبة الصغيرة في يده التي لا تكاد تتسع لها.

عمره 14 عاماً، وهو من مدينة حلب في شمال سورية. يقول: "تركت بلدي وجئت إلى لبنان مع أمي وإخوتي الصغار عندما كنت في الصف السادس الأساسي، وذلك بعد وفاة والدي خلال الحرب، بقذيفة سقطت على بيتنا. يومها كنا مع أمي خارج المنزل فنجونا لكنّ الموت خطف والدي". يتابع: "وبعد هروبنا إلى لبنان، تركت المدرسة. ولم أسع من الأساس للدخول إلى واحدة، فوضعنا المالي كان تعيساً جداً، وكنت بحاجة للعمل من أجل مساعدة أمي وإخوتي". يتابع: "وبما أنّني لا أعرف أيّ مهنة، فقد اضطررت للنزول إلى الشارع بائعاً للعلكة في شوارع صيدا وأرصفتها ومقاهيها. وكذلك أبيع الورود أحياناً، وحلويات غزل البنات، والمحارم، وأيّ شيء آخر يمكنني أن أحصل عليه".

يقول علي: "بعد مقتل والدي اشتدّ المرض على والدتي، خصوصاً بعد مجيئنا إلى لبنان. فلم تتمكن يوماً من العمل". وعن سكنهم الحالي يقول: "نسكن في منزل بمنطقة وادي الزينة (شمال صيدا). لا ندفع إيجاراً، فصاحب المنزل قدمه لنا في لفتة إنسانية. أدفع فقط ثلاثين ألف ليرة لبنانية (20 دولاراً أميركياً) شهرياً ثمناً للمواصلات التي أحتاجها للمجيء إلى مدينة صيدا، والعودة مساءً إلى البيت، بالإضافة إلى ثمن العلكة والبضائع الصغيرة الأخرى".
وعن باقي أفراد العائلة يقول: "لديّ شقيقة تبلغ من العمر 23 عاماً. تتعلم في الجامعة اللبنانية، الفرع الخامس في مدينة صيدا. هي جاءت إلى لبنان قبل مجيئنا من أجل متابعة تعليمها. وهي من تتولى تأمين نفقات العائلة الأساسية من خلال عملها في مقهى قريب من الجامعة".
يحلم علي في أن تتمكن شقيقته قريباً من التخرج: "عندما تنهي دراستها سأتمكن من السفر إلى بلد آخر أؤمّن احتياجات عائلتي فيه ومستقبلي". يتابع: "في البداية عندما جئنا إلى لبنان سكنّا في مدينة صور (جنوب)، لكن بعد ذلك جئنا إلى مدينة صيدا، واخترنا مكاناً قريباً من سكن أختي، حتى نظل مطمئنين عليها".
يبدو علي راضياً بنصيبه. مع ذلك، يشكو أنّ الأولاد عندما يصادفونه يضربونه ويشتمونه ويسخرون منه على الدوام. لماذا؟ لا يعلم أبداً.

في سورية، كان لديه أصدقاء كثر يذهب معهم إلى المدرسة ويلعب معهم. كان يحبهم ويحبونه كثيراً. وطبعاً يفضل العودة إلى مدينته، حتى يعود إلى مقعده الدراسي الذي افتقده، والذي ابتعد عنه منذ مدة طويلة. يحبّ أن يتابع تعليمه، خصوصاً أنّ شقيقته تدرس في الجامعة، لكنّ كلفة التعليم في لبنان عالية جداً، وهو بحاجة للعمل من أجل تأمين باقي مصاريف والدته وإخوته. ولا يبقى له اليوم إلّا انتظار تخرّج شقيقته وأمله في أن تنال وظيفة تؤمن لهم العيش الكريم، أو انتهاء الحرب في سورية وعودتهم جميعاً إلى منزلهم شبه المدمر.

في الرابعة عشرة من عمره، يجد علي أنّه لا يملك فكرة عن مستقبله. فهو لم يتابع تعليمه، ولم يتمكن من مهنة. كلّ ما لديه صندوق علكة يحمله ويجول به يومياً. بعض زبائنه يتقبله ويشتري منه أحياناً، ومعظمهم يشتمونه ويطردونه. ومهما كانت بضاعته علكة أو وروداً يقابل دائماً بهذه الازدواجية.
يتألم ويبكي كثيراً، لكنّه لا يتوقف عن البيع. فهدفه واضح: تأمين ما يساهم في إعالة أسرته بانتظار معجزة ما تعيده إلى مدرسته التي تركها قبل أعوام.

اقرأ أيضاً: سميرة تعيل أسرتها وحدها
المساهمون