كاميليا جبران: ماذا يجدر بي أن أغني الآن؟

15 ابريل 2020
رافقت فرقة "صابرين" لعشرين عاماً (فيسبوك)
+ الخط -
تحتل المُطربة وعَازفة العود الفلسطينية، كاميليا جبران، مكانة مهمة ومركزية داخل الساحة الفنية العربية عموماً، والفلسطينية على الخصوص. منذ سنوات الصبا، ظلت كاميليا متمسكة بشغف الموسيقى، رفقة والدها صانع الآلات الموسيقية في ذلك الوقت، والفنان الذي تُجالس يومياً للاستماع إليه وإلى عزفه لطلابه وفرقته. سيكون له تأثير كبير على المسار الفني لكاميليا جبران، وتشبثها بحلم الموسيقى في أحلك الفترات التي مرت بها فلسطين سياسياً، إبان سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم. لكن ذلك لم يؤثر سلباً في مُخيلة كاميليا التي وجدت نفسها في تماه كلي مع التاريخ والجغرافيا والإنسان الفلسطيني ومقاومته اليومية للوجود الإسرائيلي، محتجة وعاملة على تكسير شوكة التقليد الذي طبع الموسيقى إلى حدود اليوم، عن طريق تعامل مُغاير ومُختلف وذكي مع خصوصيات النص وطريقة العزف والإيقاع المُتشعب والمتنوع داخل وحدة فنية معينة. 

لذلك، ظلت كاميليا جبران في أعين نقاد الفن فنانة مجددة في الموسيقى الفلسطينية من خلال بحثها الدائم عن هذا المغاير والمنفلت داخل الموسيقى العربية، الذي هو في الأصل تمييز وتجديد، بل وتفكيرٌ مُسبق في خصوصيات الموسيقى العربية وإمكانية انفتاحها على إيقاعات مختلفة من العالم، منذ انضمامها عام 1982 إلى "فرقة صابرين" الذي سيشكل لها حدثاً مهماً في تجربتها الفنية، خصوصاً أنها تلمست في الفرقة نفس الشغف الموسوم بالحلم والتعبير عن قضايا الجسد واللغة والهوية.

وبانسحاب كاميليا من الفرقة، ستواصل جبران مرحلة جديدة في تجربتها الفنية لحظة استقرارها في باريس، ما أتاح لها إمكانية التحرر من جسدها أولاً، قبل التاريخ الفردي للفنان، ومحاولة النظر بعمق في طبوغرافية هذا الجسد الموسيقي، وتأمل التجارب الفنية التي قطعها هذا الجسد على مدار سنوات طويلة بفلسطين.
بمناسة صدور ألبومها الجديد المشترك مع الموسيقي السويسري فيرنر هاسلر، كان لـ"العربي الجديد" حوار معها.

-للبدايات قيمة كبيرة في صنع مُخيلة المرء وصَقل موهبته الفنية، خاصة لفنانة عاشت في بلد شهد مجموعة من التصدعات وعاش سنوات طويلة من الحيف والظلم. كيف كانت بداياتك الفنية داخل عكا الفلسطينية؟
البداية كانت في المنزل؛ حيث مارست الموسيقى بشكل دائم وبطرق مختلفة، سواء بالاستماع إلى البرامج الموسيقية المذاعة على أثير محطات الإذاعة العربية في ذلك الوقت، سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، إلى جانب ممارسة والدي لصناعة الآلات الموسيقية في البيت، عزفه منفرداً أو بصحبة تلاميذه وفرقته، وتشجيعي ومُرافقتي في مسار دخولي إلى هذا العالم.
والداي كانا مهتمان بالفن عموماً والموسيقي منه على الخصوص. بالرغم من الحروب التي أدت إلى ضراوة الوصول إليها. والدي صانع أعواد. وأنا بدأت في سن الثالثة أغني المونولوغات الطويلة للفنانة أم كلثوم التي كنت دائمة الاستماع إليها عبر الراديو، وبعد ذلك أحبت نفسي ورافقت مصاحبة القانون والعود، واكتشفت موسيقى سيد درويش والعالم الذي أتت منه أم كلثوم.

ماذا عن أول أغنية أو مقطع موسيقي أثار شغفك وشدك إلى عوالم الغناء؟
كنت بدأت الاهتمام بالأغاني الملتزمة في فترة السبعينيات - أغان بُنيت على أشعار كَتبها من عرفوا بشعراء المقاومة في تلك الفترة. أذكر على سبيل المثال محمود درويش، وتوفيق زياد، وسميح القاسم. رأيت في هذه الأغاني بعضاً من الإجابة عن سؤال طالما تردد صداه في داخلي في تلك المرحلة: ماذا يجدر بي أن أغني الآن؟ ومن ثم جاءت الإجابة شافية أكثر في مشروع صابرين.
لا شك في أن الإنتاج الموسيقي لفرقة صابرين، الذي شاركت به على مدى عقدين من الزمن، شكل حلقة الوصل أولاً مع الجماهير المحلية التي تابعت مسار صابرين، ومن ثم مع جماهير عالمية متنوعة تمكنت بفضل الفعاليات الثقافية المختلفة من اكتشاف هذه التجربة والاهتمام بها.

تُقيمين منذ سنوات في باريس بعد انقطاع علاقتك بفرقة "صابرين" منذ أواخر التسعينيات، وتجترحين مشروعك الغنائي بطريقة فردية عبر ألبومات وحفلات داخل أوروبا وخارجها. كيف جاء التحاقك بـ "صابرين"؟
التقيت بالفرقة في مدينة القدس عام 1981 بفضل أخي خالد الذي عرفني على مؤسس الفرقة سعيد مراد. قبلت دعوة الفرقة للانضمام إليها عام 1982 من دون تردد لمجرد أن أدركت طموحات الفرقة وبحثها عن خلق لغة موسيقية خاصة بها تعبر عن أحلامها ورؤاها الفنية.

ماذا عن تأثيرها في الشأن الموسيقي الفلسطيني؟
رغم مرور الوقت، ما زالت صابرين بتجربتها الغنية على صعيد الفكر والإنتاج الموسيقي تلعب دور المرجع الموسيقي والقدوة للكثير من الشباب الفلسطيني، الذي يعمل على تطوير هوياته الفنية والثقافية بشكل مستمر.

المُستمع إلى ألبوماتك الغنائية بعد تجربة فرقة "صابرين"؛ أي "وميض"، و"مكان"، و"ونبني"، و"وصل"، يتلمس بعملك التطور الفني الذي شهدته تجربتك. كيف جاء هذا التطور؟ وما هي مصادر الإلهام في أوروبا التي جعلت من كاميليا جبران ما هي عليه اليوم؟
لا شك أن تعرفي المباشر إلى ثقافات موسيقية جديدة من خلال تعاوني مع موسيقيين، مثل سارة مورسيا أو فيرنر هاسلر، وغيرهم ممن التقيت بهم وما زلت، في أوروبا، أسهم في توسيع دائرة مصادر التعلم والاستيحاء.


ألبومك الجديد "و" المُشترك مع الموسيقي والمنتج السويسري فيرنر هاسلر، هو الألبوم السابع في تجربتك الفنية. كيف نستطيع أن نلتقط من خلاله الخصوصيات الجمالية للتجربة الموسيقية لدى كاميليا جبران في تقاطعاتها من الألبومات الأخرى؟
هذا العمل الموسيقي هو الثالث لي مع فيرنر هاسلر، والسابع بالمطلق. إنتاج موسيقي مكثف ومختزل، موسيقى مقتصدة مبنية على شكل وصله موسيقيه تنقلنا من وضع إلى آخر عبر الشحنات الموسيقية المتتالية. موسيقى تشير أو تذكر الكثير من المراجع الموسيقية، والكلامية أيضاً إذا دققنا في الاستماع.


للشعر سحر خاص داخل الموسيقى، وهو ما نتلمسه في ألبومك "و". كيف جاء هذا الاهتمام بالتراث الشعري المعاصر وتوظيفه داخل قالب فني موسيقي؟
الجديد في هذا المشروع، إضافة إلى ما قلته في الإجابه السابقة، هو أنني قمت، ولأول مرة، بكتابة الكلام الذي أغنيه، ما عدا بعض أبيات من الشعر الكلاسيكي القديم من فترة القرن الحادي عشر؛ إذ رأيت له منطقاً ساري المفعول، رغم عامل الزمن. عدا ذلك، فالنص في مشروع "و" عبارة عن كلمات لها إيحاءات متصلة بوقائع وحالات أعيشها أنا أو الآخر.

إلى أيّ حد ما تزال القضية الفلسطينية تُشكل في تجربتك الموسقية أفقاً فنياً وجمالياً؟
* هناك محرك خفي داخلي يغذي اندفاعي ومحاولاتي للبحث المستمر، قد يعود هذا إلى التاريخ الذي منه أتيت، حسب اعتقادي.
أخيراً، ما السمات الفنية والجمالية التي تُميز الأغنية الفلسطينية اليوم مقارنة مع التجارب الموسيقية الأخرى التي تميزت بطابع المقاومة والنضال؟ 
هناك العديد من التجارب الموسيقية المعاصرة، حصلت وتحصل على الأراضي الفلسطينية المختلفة، وإن لم تحظ جميعها بنفس درجات الانتشار. بشكل عام، وفي ظل انعدام تراكم مؤسساتي سياسي، كما هو شأن الدول التي تنعم باستقلاليتها وسيادتها، من ناحية، ومن ناحية أخرى مقاومة وإصرار الفرد والمجتمع الفلسطيني على حماية حقه في الحياة، في ظل هذا الغياب، كل هذا وكأنه يعطي نكهة مميزة عامة للإنتاج الموسيقي الحاصل، أستطيع أن أوصفها بانفتاحه الفكري وجرأته، إن صح التعبير.
المساهمون