بنيله "جائزة فرنسوا مورياك" للرواية أمس الجمعة، بعد جائزة "القارات الخمس" في 26 أيلول/ سبتمبر الماضي، يواصل الكاتب الجزائري الشاب كامل داود مساره المتألق في الساحة الأدبية الفرنسية من خلال روايته "ميرسو... تحقيق مضاد"، الصادرة عن "دار برزخ" في الجزائر و"أكت سود" في فرنسا. نجاح استثنائي لم يحظ به منذ عقود طويلة كاتب جزائري من عمره، علماً أن رصيده لا يتعدى رواية أولى رُشّحت لعدة جوائز مرموقة، أهمها القائمة القصيرة لـ"غونكور" الرواية.
يقترح داود في "ميرسو... تحقيق مضاد" قراءة مغايرة لرواية ألبير كامو الشهيرة "الغريب" (1942)، التي كرّست بشكل سلبي صورة العربي في الثقافة العالمية، ويقتل البطل مورسو فيها جزائرياً على الشاطئ فيُحاكَم ويصدر في حقه حكماً بالإعدام، من دون أن نعرف شيئاً عن دوافع القتل أو عن شخصية القتيل الذي يُذكر 25 مرة في الرواية تحت اسم "العربي" لا غير.
في المقابل، يخترع داود شخصية شقيق "العربي" المغتال ليدلي برواية أخرى، من زاوية مختلفة. ويطرح هذا العمل الكثير من الأسئلة الحارقة بخصوص الهوية الجزائرية "الفرنكفونية"، من بينها سبب الغياب الفاضح لشخصية الجزائري في أعمال ألبير كامو، هو الذي طالما تغنّى بحبّ الجزائر وجغرافيتها المتوسطية الساحرة، لدرجة أنه قال "شمس تيبازة أهم من كل فلاسفة أثينا".
الأهم في هذه الرواية هو الصياغة الابداعية الذكية لحَرَج مزمن ينتاب القارئ الجزائري، والعربي بشكل عام، أمام رواية "الغريب" التي يحتار فيها بين الإعجاب بالأجواء العبثية والعدمية التي تلف عالم الرواية وبطلها "ميرسو"، وبين الغبن الذي يثيره التناول الكولونيالي والإستعلائي لشخصية العربي والجزائري فيها. وهذا بالتحديد ما سبق وسجّله بقوة المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد في كتاب "الثقافة والإمبريالية" (1993)، عندما شرّح بدقّة سردية كامو التي تبرّر النظام الكولونيالي وتلغيه من الفضاء الجزائري الذي يسكن أعماله.
الرواية تغوص بأسلوب ساخر في سجلّ العلاقة الجزائرية الفرنسية المعقّدة وتعكس رغبة جارفة في مراجعة الذات "الفرنكفونية" والعودة بالهوية إلى جذورها المبتورة. ولا شك أن هذا المنطلق النقدي هو مفتاح نجاحها ولفتها الانتباه في ساحة روائية متخمة فرنسياً، ضجرت منذ عقود من أدب "فرنكفوني" سطحي يجتر "كليشيهات" فولكلورية متهالكة.
من مواليد مستغانم عام 1970، يعيش داود حالياً في وهران ويكتب في صحيفة "يومية وهران" زاوية منتظمة وشهيرة محلياً بعنوان "رأينا هو رأيكم"، غالباً ما يخصّصها لانتقاد الوضع السياسي الجزائري بأسلوب ساخر ولاذع تعكسه هذه الجملة التي كتبها أخيراً، واصفاً الحالة الجزائرية الراهنة: "ليس ثمة مخرج: الله أمامنا وفرنسا وراءنا. الربيع العربي على اليسار والعشرية السوداء على اليمين".