كارثة الإرهاب بين حدّيها

15 أكتوبر 2014

ضربات جوية على عين العرب "كوباني" (8أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

قد تكون الحرب المعلنة على الإرهاب حرب القرن بطوله، وبفواجعها الكارثية المتوقعة، وهذا ما تشير إليه تصريحات من هناك وهناك، وما تشي به استعدادات ظاهرة وباطنة، توحي بأن العالم على وشك درء كارثة كبرى، لكنه بقدر ما يظهر اندفاعاً لمنعها، يؤسس لكوارث، تبدو أقل منها، إذا ما أخذت على انفراد، وأكبر إذا ما جُمعت سوياً.

يحرص مسؤولون أميركيون كثيرون على القول إن الحرب المستجدة قد تستغرق أعواماً، وذهب مسؤول التنسيق بين أطراف الائتلاف الدولي للحرب على الإرهاب إلى القول إن التخطيط فقط لمعركة استعادة مدينة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" قد يستغرق عاماً، من دون أن يفصح عن المدة التي ستستغرقها المعركة لاستعادتها، أشهرا أم سنوات. وقال نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، إن المعركة ستكون طويلة وطويلة جداً. وقال وزير الدفاع الأميركي السابق، ليون بانيتا، إن القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية سيكون صعباً، وقد يستغرق عقوداً، وإن الحرب ستستمر نحو ثلاثين عاماً.

أخطر التوقعات بشأن الزمن الذي ستستغرقه الحرب هو الذي توقعه بانيتا، والخطورة لا تأتي من طول المدة الزمنية وتقلباتها فقط، وإنما أيضاً من القائل، فليس مجرد دبلوماسي، أو باحثا في مركز دراسات، وإنما شخص يحمل الدكتوراة في الحقوق، وكان كبير موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق، بيل كلينتون، بين 1994 و1997، وتولى منصبي المدير العام لوكالة الاستخبارات المركزية ووزير الدفاع في إدارة الرئيس باراك أوباما من بداية 2009 حتى بداية 2013. وذلك كله يعني اطلاعه على تقارير ودراسات استخبارية وعسكرية أميركية كثيرة بشأن ملفات الإرهاب في المنطقة والعالم، والخطط الأميركية تجاهها، سواء على صعيد الفوائد أو الأضرار التي قد تعود على واشنطن منها، وسبل التعامل مع الضار منها، وتوظيفه في التعامل مع الخصوم والأصدقاء، تكتيكياً واستراتيجياً.

امتنع بانيتا في تصريحاته عن الحديث عمن سيكون المنتصر، ربما لتقديره أن أميركا وحلفاءها هم من سينتصرون، وامتنع عن ذكر الأسباب التي قد تجعل الحرب تستمر ثلاثة عقود، على الرغم من أنها حرب دول ضد تنظيمات، يكاد بعضها يكون مجهرياً، وليست حرب دول ضد دول، مثل الحربين العالميتين، الأولى والثانية، وقد استغرقت كل منهما بضع سنوات، أو كالحرب الباردة التي امتدت نحو أربعين عاماً، وبقيت باردة في أغلب فصولها. وربما كان سبب توقعه أن الحرب الجديدة ستكون فاترة، لا ساخنة ولا باردة، وربما توقع ضمناً أن تمتد هذه الحرب لتشمل دولاً أخرى، أو بعض دول ترتع فيها تنظيمات مماثلة.

من غير المستبعد إذا ما استمرت مباراة التوقعات أن يأتي من يقول، لاحقاً، إن المعركة قد تستغرق خمسين عاماً أو مائة عام. أما لماذا ستستمر كل هذا الوقت حتى الثلاثين عاماً أو أكثر، وماذا سيكون عليه حال المنطقة والعالم، عند انتهائها، فلا أحد ينبس ببنت شفة عن ذلك. فالحديث، هنا، يشير، ضمناً، إلى كارثة في انتظار الجميع، كارثة بقدر ما يتوقع هؤلاء أن تحل بالهدف المقصود أو المكروث (داعش وشقيقاتها) قد تحل، أيضاً، ببعض دول الائتلاف الكارث لها، فهكذا حرب قد تمتد في أعماق الزمن المقبل، وهكذا حرب قد تأتي على أعماق الجغرافيا السياسية ومكوناتها الأساسية، وكذلك الحال بالنسبة للديموغرافيا وغيرها من المكونات الدولتية.

أعلنت الولايات المتحدة وحلفاء أطلسيون الحرب على الإرهاب، بعيد 11 / 9 / 2000، مستهدفة، بالدرجة الأولى، حكم حركة طالبان في أفغانستان، ومعها تنظيم القاعدة، وتمكنت، في تلك الحرب التي ما تزال ذيولها قائمة من اجتثاث حكم حركة طالبان وتكبيدها وتنظيم القاعدة خسائر كبيرة ومهمة، في أفغانستان وفي دول أخرى، مثل باكستان والصومال واليمن. لكن، تلك الحرب لم تقض على الإرهاب وتنظيماته. فالاحتلال الأميركي للعراق، وبقدر ما أنجب مقاومة وطنية ضده، كان موضع جذب لتنظيمات أخرى، خرجت من عباءة القاعدة أكثر عنفاً وإرهاباً، تجتمع، اليوم، بعد خروج الأميركيين من العراق، تحت عباءة داعش، وتذهب إلى أبعد بإعلان دولة خلافة لها على بعض أراض ممتدة بين العراق وسورية، خرجت من تحت سيطرة الدولتين، ما استدعى هذا التجييش الأميركي والدولي والعربي لمحاربة داعش.

فوجئ كل أبناء المنطقة من ذوي النيات الحسنة بسرعة تشكل هذا الائتلاف، وبدء الحرب ضد الإرهاب، وهم في قلق متزايد أكثر فأكثر من التصريحات بأن الحرب قد تستغرق عقوداً، بسبب ما قد يترتب عليها من ويلات ومصائب وكوارث. فائتلاف هؤلاء المفتوح على ضم مزيد من الدول يعني أن حرباً دولية ستخاض على أرضنا، وبين ظهرانينا، نحن فيها الطرف الأضعف المستهدف من تنظيمات الإرهاب وشظايا الصواريخ التي تستهدفها.

ستكلف الحرب على الإرهاب الولايات المتحدة والمؤتلفين معها مئات، إن لم يكن آلاف الآلاف من مليارات الدولارات، وستكلف الدول التي ستدور رحى هذه الحرب على أرضها، عقودا، مليارات أكثر، والأهم ضحايا لا قدرة على حصر أعدادها. لكن، لا الولايات المتحدة، ولا المؤتلفون معها فكروا لحظة في برمجة ضخ هذه المليارات إلى الدول التي تعاني من تغول تنظيمات الإرهاب، لمساعدتها على مواجهة وتطوير قدراتها الاقتصادية والمجتمعية، لمنع نموه وازدهاره. والحرب الحالية، إذا ما استمرت عقداً أو ثلاثة عقود، ستتسع رحاها، ويزداد أوار نارها لتشمل مزيداً من الدول الإسلامية، عندما تشمل مزيداً من التنظيمات الإسلامية، بمختلف مذاهبها، حيثما وجدت.

قد لا يكون بالمقدور، الآن، قراءة ما يمكن أن تؤول إليه هذه الحرب على المدى الطويل، سواء بالنسبة للدول المؤتلفة، أو غير المؤتلفة، ومعها التنظيمات المستهدفة، علناً وسراً، والمجتمع الدولي بكل ما فيه. لكن، ما يمكن قوله، الآن، إن الكارثة، وهي تبعث بعض روائحها، وتطل ببعض ركامها، قد تنوس بفواجعها ما بين حديها الكارث المؤتلف وذاك المراد كرثه.