ردّت قيادة الجيش الجزائري بلهجة حادة على أطراف سياسية ومدنية كانت قد طالبت المؤسسة العسكرية بالتدخل لوقف تطبيق المادة 102 من الدستور، والتي تقر بشغور منصب رئيس الجمهورية، وإنهاء ما اعتبرته هذه الأطراف حالة "انهيار الدولة".
ونشرت قيادة الجيش في المجلة الرسمية الناطقة باسم الجيش افتتاحية تتضمن رداً صريحاً وحاداً ورافضاً لمطالبات دعاة ما وصفتها الافتتاحية بـ"الانقلابات العسكرية".
وجاء في الافتتاحية "لكل من يطالب، سراً أو جهراً أو ضمنياً بالانقلابات العسكرية، نذكر بأن جيشنا سيضل جيشاً جمهورياً ملتزما بالدفاع عن السيادة الوطنية وحرمة التراب الوطني، حافظاً للاستقلال، جيشاً لا يحيد أبداً عن القيام بمهامه الدستورية مهما كانت الظروف والأحوال".
وهاجمت المجلة من وصفتهم بالأقلام المأجورة، وكتبت أن "إنجازات الجيش دفعت بعض الأقلام المأجورة إلى تنصيب نفسها مدافعا عن حرية الشعب، وهي التي وصفته بالأمس القريب بكل النعوت والأوصاف".
وأضافت "أقلام مأجورة خاضت في كل المواضيع والاختصاصات، من الشريعة إلى التاريخ مروراً بعلم الفلك والسياسة والاقتصاد وغيرها من المعارف والعلوم، وعندما أخفقت وفشلت تيقنت من عجز فكرها ومحدودية تأثيرها عرجت على مؤسسة الجيش، معتقدة أنه بتلفيق التهم وتزوير الحقائق وسرد التعاريف الأكاديمية المملة والاستعانة بالكنايات والاستعارات والسجع والطباق، سيفرش أمامها البساط الأحمر، وسيصطف الشعب يهلل ويصفق وسيصنفها في خانة الأبطال والصالحين".
واعتبرت افتتاحية الجيش أن الجزائريين لن تنطلي عليهم أفكار هذه الأقلام، وأفادت بأن "المواطن الجزائري ليس بذلك البليد أو المعاق لا يحتاج إلى وصي تلجمه المناصب والمسؤوليات، ولما يعزل يبيع نفسه للشيطان ويؤجر قلمه لكل آثم حقود".
وجدد الجيش عزمه على مكافحة الإرهاب واستئصال جذوره وما تبقى من فلول الإرهاب، ورفع جاهزيته القتالية لمواجهة أية تحديات أمنية داخلية أو إقليمية، ولفتت إلى أن بعض التحولات والسياقات الإقليمية لم تفاجئ الجزائر، لأن المؤسسة العسكرية كانت متفطنة لأسبابها ودواعيها الحقيقة، ومحاسن أهدافها الخبيثة، متوقعة لكافة تأثيراتها.
وكانت افتتاحية المجلة ترد بشكل صريح على دعوات ومطالبات لأحزاب وشخصيات سياسية وتنظيمات مدنية، كحزب "جيل جديد"، و"طلائع الحريات"، ووزير التجارة السابق نور الدين بوكروح والكاتب الإعلامي أحميدة العياشي، في الفترة الأخيرة، للمؤسسة العسكرية بالتدخل لوقف ما يعتبرونه انهيار الدولة وتلاعب محيط الرئيس بوتفليقة بمؤسسات الدولة وتداخل العلاقات الوظيفية وهيمنة رجال المال والنفوذ على الدولة وتغولهم في المشهد السياسي، في أعقاب التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الجزائر في الفترة الأخيرة، خاصة عقب إقالة رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون وثلاثة من الوزراء، واستخلافه برئيس الديوان الرئاسي أحمد أويحيى.
وأثارت عدة قوى وشخصيات سياسية إثر هذه التطورات شكوكاً حول أهلية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للحكم، وإمكانية أن تكون هناك أطراف نافذة من محيطه المقرب، في إشارة إلى شقيقه سعيد بوتفليقة، تتحكم وتصدر قرارات باسم الرئيس الجزائري.
وهذه هي المرة الثانية التي ترد فيها قيادة الجيش على من دعاها إلى التدخل في الشؤون السياسية، وكان قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح في لقاء مع قيادات عسكرية ميدانية قبل أسبوعين قد أعلن أن "الجيش لا يحيد أبداً عن القيام بمهامه الدستورية مهما كانت الظروف والأحوال، وسيلتزم حدود مهامه الرئيسية من دون أي دور سياسي.
ومنذ عقد تقريباً أعلن الجيش الجزائري عودته إلى الثكنات وابتعاده عن السياسة وعدم التدخل في الشؤون السياسية وتحميل المؤسسات السياسية مسؤولياتها، ولا تلبث قيادة الجيش منذ الوعكة الصحية التي ألمت بالرئيس بوتفليقة في أبريل/ نيسان 2013، أن تؤكد في بياناتها على رفضها أي تدخل في الشأن السياسي، والتزامها حدود مسؤولياتها الدستورية.
ومنذ اعتلائه سدة الحكم عام 1999، وضع الرئيس بوتفليقة إبعاد جنرالات الجيش عن التدخل في الشأن السياسي هدفا رئيسا له، وساهم تحكم الرئيس بوتفليقة في المشهد السياسي قبل وعكته الصحية في إبعاد الجيش عن لعب أي دور سياسي، خاصة منذ عام 2004 عندما حاولت قيادة أركان الجيش دعم رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس في الانتخابات الرئاسية التي جرت في تلك السنة، لقطع الطريق على ولاية رئاسية ثانية للرئيس بوتفليقة.
وفي سبتمبر/أيلول 2015 نجح الرئيس بوتفليقة في إبعاد قائد جهاز المخابرات الجنرال محمد مدين من منصبه، والذي كان يعرف بأنه صاحب النفوذ الكبير في إدارة شؤون البلاد إلى حد التغول على المؤسسات السياسية.