قوننة المنع

19 يناير 2015
إيتيل عدنان / لبنان
+ الخط -

في خطوة غريبة، وإن كانت متوقعة بناءً على مقدّمات مأساوية، أصدر عبد الفتاح السيسي، بصفته رئيساً للجمهورية، قراراً بتفويض إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، في منع المطبوعات الصادرة في الخارج من الدخول والتداول في مصر، إضافةً إلى منع المطبوعات المصرية المثيرة للشهوات والتي تتعرّض للأديان بشكل يؤدي لتكدير السلم العام، وذلك بحسب المادة 9 و10 من المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1936.

القرار يعني، ببساطة، إعطاء صلاحيات لرئيس الوزراء لمنع الجرائد والكتب التي يرى أنها مسيئة، سواء لاحتوائها مواداً مثيرة للغرائز أو لتعرضها للأديان، الأمر نفسه يسري على المطبوعات المصرية الصادرة داخل حدود الدولة.

ماذا يعني ذلك؟ يعني أن السلطة المصرية قررت أن تخرج للعلن بعد أن كانت تدير عمليات المصادرة والمنع من وراء حجاب، باختبائها خلف هيئة الرقابة على المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة.

وبإعلانها هذا، سيزداد الأمر سوءاً، إذ ستعود المراقبة على الجرائد والكتب كما كان يحدث في أكثر الفترات المصرية ديكتاتورية، في عهد عبد الناصر، وبالطبع لن يتوقف الأمر عند ازدراء الأديان (وهو المصطلح الذي لم توضح السلطة معناه بعد، وإن كان الذريعة الدئمة لكل السلطات المستبدة) ولا عند الكتابة الجنسية (التي لا يعرف أحد كيف يضع لها معاييراً) بل سيمتد لكل المطبوعات التي تتعرض لمناهضة السلطة العسكرية أو انتقادها أو خروجها عن سرب المطبلين في الصحافة ووسائل الإعلام.

خطورة القرار تأتي أيضاً من صدوره قبل أيام من بدء معرض القاهرة الدولي للكتاب، ما ينبيء بمنع دخول الكثير من الكتب إلى القاهرة، ما سيسبب مشاكل كبيرة للناشرين العرب وتعطيل الكثير من الكتب في الجمارك حتى تتم عملية فرز ما يصلح منها للدخول وما لا يصلح أن يطلع عليه القاريء المصري بحسب ذوق ومعايير رئيس الوزراء. وهي ما تعد خطوة شديدة الخطورة على سوق الكتاب، وضربة قاضية في ما يخص حقوق حرية التعبير.

من جانب آخر، سيتعرض الكتاب المصري للمراقبة ثم المنع والمصادرة وفقاً لهذا القانون، بداية من دخوله المطبعة ومروراً بوصوله للمكتبات، إذ سيخصص رئيس الوزراء، كما يتضح من مفهوم القانون، رقيباً في كل مطبعة لقراءة الكتب واستخراج تصريحات بالموافقة على النشر من عدمه. لتخظو مصر بذلك خطوات هائلة اتجاه دولة القمع، وتقيم الأعمدة المتكاملة لسلطة مستبدة لا تسمح إلا بوصول صوتها وحدها للجماهير.

ليس جديداً على سلطة السيسي المصادرة والمنع، فبداية من فيلم "نوح" و"حلاوة روح" و"الخروج"، ومن قبلها سن قانون التظاهر ومطاردة المعارضة، اختارت الدولة المصرية أن تقوم بدور الأب لتثبيت أرجلها على الأرض، دون أن تدري أن الدولة التي تفرض القوة هي الدولة الضعيفة، وأن مراقبة الجرائد والكتب، كخطوة تالية، ليس إلا استمراءاً للقمع ومبالغة مفرطة في الخوف من "الكلمة"، كأن السلطة لا تريد أن تسمع إلا ما يرضيها.

الغريب في الأمر هو الصمت من جانب المثقفين الذين تلقوا الخبر كأخبار أخرى عادية، ما قد يعني عودة إلى زمن مضى كان فيه المثقفون لا ينتظرون صلاحاً ولا يأملون في أي تغيير للوضع القائم. وهي الحالة التي أعقبها ثورة يناير كدليل أوحد على أن الهدوء عادةً ما تعقبه عاصفة.

المساهمون