قوميو تركيا "يثأرون" لجنودهم بعد 11 عاماً

14 نوفمبر 2014
نمت موجة كره الولايات المتحدة بقوة (سيم أوزديل/الأناضول)
+ الخط -

اعتدت مجموعة من الشباب التركي، المنتمين إلى تنظيم "اتحاد الشباب التركي" القومي اليساري، على ثلاثة جنود أميركيين في إسطنبول، كانوا يشاركون في مناورات عسكرية في البحر الأسود، الأمر الذي أعاد كره الشعب التركي للأميركيين إلى الواجهة مرة أخرى.

رمى الشباب الدهان الاحمر على الجنود، وغطوا رؤوسهم بأكياس، إثر نزولهم من حاملة الطائرات "يو إس إس روس"، في إشارة إلى ما فعله الجنود الأميركيون بعدد من عناصر القوات الخاصة التركية، الذين أُلقي القبض عليهم في السليمانية العراقية عام 2003، وتمّت تغطية رؤوسهم بأكياس.

وجاء ذلك على الرغم من علاقات الصداقة والتحالف التي تجمع واشنطن وأنقرة، منذ أكثر من 60 عاماً، التي يُترجمها تواجد الأميركيين في قاعدة إنجرليك التركية، والتي تُعتبر واحدة من أكبر أربع قواعد جوية تستخدمها قوات أميركية خارج الولايات المتحدة، إضافة إلى التعاون الوثيق في المجال العسكري، في ظلّ مشاركة أنقرة قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، وتعتبر حليفاً في الحرب على الإرهاب.

ولا تقف الأمور عند هذا الحدّ، بل يتمترس الطرفان في خندق واحد ضد النظام السوري، ويتشاركان المواقف تجاه معظم القضايا العالمية، إلا أن العداء الشعبي التركي للولايات المتحدة، يستمرّ في حالة تصاعدية، ولا يقتصر على التيارات اليسارية المتطرفة فقط، بل يكاد يكون النقطة الوحيدة التي يجتمع عليها معظم تيارات الشعب التركي.

وبحسب استطلاع للرأي أجراه "معهد بيو للأبحاث" الأميركي، في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فإن 73 في المائة من الأتراك، ممن شاركوا في الاستطلاع، يكرهون الولايات المتحدة، بينما يحبها 19 في المائة فقط، بعد أن كان محبوها يُشكّلون أكثر من 50 في المائة من الشعب التركي قبل غزو العراق.

وساهمت الكثير من الأسباب في ارتفاع حدة الكراهية تجاه الأميركيين، ويُعدّ الغزو الأميركي للعراق، مع كل ما رافقه من مجازر بحق العراقيين وتهديد لوحدة الأراضي التركية، بما مثله الغزو من فرصة لأكراد العراق لتمكين إقليمهم والعبور نحو الدولة الكردية المستقلة، من أهم الأسباب.

كما تندرج إدانة الكونغرس والبيت الأبيض للمجازر، التي ارتكبت بحق الأرمن، والتي لا يُصنّفها القوميون الأتراك إلا في إطار معارك الحرب العالمية الأولى، في سياق الأسباب، التي تدفع إلى كره الولايات المتحدة.
ويعتبر القوميون الأتراك أن "الأرمن بدأوا المعركة بارتكابهم المجازر بحق المسلمين، إثر تحالفهم مع روسيا ضد السلطنة"، ويتشاركون بذلك مع الإسلاميين، الذي يضيفون إلى ذلك، الدعم الأميركي لإسرائيل ضد الفلسطينيين، بكل ما يشكله كل من القدس والمسجد الأقصى، من رمزية دينية، تصنّفهما كالمحور الأهم في قضايا إسلاميي العالم. وتأجج الوضع إثر مهاجمة إسرائيل سفينة "مافي مرمرة" التركية، التي كانت متوجهة إلى فك الحصار عن قطاع غزة عام 2010.

أما العلمانيون الكماليون الأتراك، فيرون أن "الولايات المتحدة حوّلت الجمهورية العلمانية، بدعمها حزب (العدالة والتنمية)، إلى حقل تجارب للإسلام السياسي المعتدل". وعبّر الأكاديمي والأستاذ في "معهد بروكينغ" الأميركي وكلية الحرب الدولية، عمر تاشن بينار، عن ذلك بقوله "إن أزمة الكماليين تعود إلى دعم واشنطن الإسلام المعتدل، ومحاولتها تسويقه في الفترة السابقة كنموذج لباقي الدول الإسلامية ضد الإسلام المتطرف". وأضاف: "ويعود ذلك إلى أزمة في الهوية الكمالية بحد ذاتها".

أما عن أكراد تركيا، الممثلين في حزب "العمال" الكردستاني، فيعود عداؤهم إلى الولايات المتحدة لأسباب أيديولوجية، ناتجة عن الهوية الماركسية للحزب، الذي يتخذها قاعدة، ينطلق منها لأجل نضاله في استعادة حقوق الأكراد، كأقلية غير معترف بها حتى الآن في الدستور التركي، وكانت ممنوعة من التحدث بلغتها حتى وقت قريب، لتتغير الأمور بعد وصول "العدالة والتنمية" إلى الحكم وبدء عملية السلام، علماً بأن موقف الحزب شهد تغييراً جوهرياً تجاه الأميركيين بعد الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، حتى وصل الأمر بالقائد العسكري لـ"العمال"، جميل بايك، إلى الإفصاح لصحيفة "دير شتاندر" النمساوية، في بداية الشهر الحالي، بأن "الحزب يريد أن تكون الولايات المتحدة طرفاً مراقباً وضامناً في العملية بين الطرفين". أما التيار الإسلامي الكردي ممثلاً في حزب "الدعوة الحرة"، فلا يختلف بشيء عن باقي التيارات الإسلامية التركية.

وبغضّ النظر عن كل تلك الأسباب، شرعنت الجمهورية العلمانية القومية الكمالية نفسها عبر تفنيد الرؤية العثمانية التعددية لرعيتها. وسوّقت بأن جميع الشعوب المحيطة، والتي كانت جزءاً من الأمة العثمانية، خذلتهم في الحرب العالمية الأولى، بل وتعاونت ضدهم، كالعرب والأرمن والأكراد واليونانيين والبلغاريين والألبان، إضافة إلى القوى العالمية الكبرى، التي عملت بشكل متواصل على التآمر على الأتراك وسلطنتهم.

وحوّل ذلك بالتالي الشعب التركي، بعد 91 عاماً على إنشاء الجمهورية، إلى شعب يخاف ويتوجس، بل ويكره جميع جيرانه، الأمر الذي بدا واضحاً في استطلاع "بيو"، إذ عبر أكثر من ثلثي الشعب التركي عن آراء غير إيجابية تجاه الاتحاد الأوروبي والصين والبرازيل وإيران وإسرائيل، وحتى السعودية والأطلسي.

المساهمون