قوة الإسلام الناعمة

13 مايو 2015

عمل لـ (روستا بخاري)

+ الخط -
تُرى، لماذا يُقبل الناس على اعتناق الإسلام في عصرنا الحالي، على الرغم من حالة "الانحطاط" المذهلة التي يعيشها المسلمون في المجالات كافة؟

سؤال طرحته على ثلاث نساء، أشهرنَ إسلامهنَّ في غزة، في السنوات الثلاث الماضية، الناشطة النيوزيلاندية، جولي وب بولمان، والجنوب أفريقية، لين ميسن، والبريطانية، آن ويليم كينيدي، في حوارات صحافية منفصلة أجريتها معهن. واتفقن على إجابة واحدة، هي أنهن انجذبن لهذا الدين من خلال ملامستهن "أخلاق المسلمين الحسنة".

تذكّرت هذه الحوارات، أخيراً، بعد أن استوقفني خبران، الأول تناقلته وكالات الأنباء السبت الماضي، أن البرلمان الفيدرالي البرازيلي أقام حفلاً لتكريم الدين الإسلامي، ورموزه، وفي التفاصيل أن التكريم يتم منذ خمسة أعوام، بعد أن اعتمد البرلمان 12 مايو/ أيار، من كل عام، يوماً رسمياً وطنياً للاحتفال بالجالية المسلمة، وسُمي (اليوم الوطني للإسلام).

الخبر الثاني نُشر بداية إبريل/نيسان الماضي، وفيه أن دراسة حديثة أعدها مركز "بيو" الأميركي للأبحاث أكدت، مجدداً، أن الدين الإسلامي هو الأسرع نمواً في العالم، وأن عدد المسلمين سيعادل عدد المسيحيين تقريباً بحلول عام 2050، وتنبأت الدراسة بأن يواصل الإسلام انتشاره، ليصل عدد معتنقيه 2.8 مليار نسمة، سيشكلون قرابة ثلث سكان العالم، أما عدد المسيحيين، فسيظل كما هو (2.9 مليار).

إنها "القوة الناعمة"، إذاً، التي تحدث عنها عام 1990، جوزيف س. ناي، رئيس مجلس المخابرات الوطني، ومساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق، وأصدر كتابه حولها عام 2004 "القوة الناعمة .. وسيلة النجاح في السياسة الدولية".

ناي، عرّف القوة الناعمة بأنها "القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام (القوة الخشنة كالحرب، أو التهديد بفرض الحصار أو العقوبات) أو دفع الأموال (الاستمالة بالمساعدات أو الرشاوى).

إنه يقول، باختصار، إن امتلاكك قوة ناعمة يعني أن تجعل الآخرين يُعجبون بك، ويتخذون موقفاً إيجابياً من قِيَمك وأفكارك، وبالتالي، تتفق رغبتهم مع رغبتك.

يمتلك الإسلام، إذن، قوة ناعمة هائلة، تجعل من البشر على اختلاف أديانهم وأجناسهم يُعجبون به، على الرغم من حملات التشويه الشرسة والممنهجة.

بل على العكس، أدت حملات التشويه، في بعض الأحيان، مفعولاً عكسياً، حيث دفعت بعضهم إلى دراسة الإسلام، من باب الفضول، أو لأسباب أخرى، ومن ثم "اعتناقه"، بعد اكتشاف حجم التضليل الذي تعرضوا له.

إلى هنا، الأمور مطمئنة، والحمد لله؛ إنها تمنحنا بعض العزاء، وتذهب غيظ قلوبنا، وتخفف حدة الحزن الذي يُثقل صدورنا. لكنّ الأسئلة التي يجب أن نطرحها اليوم، مع تصاعد موجة التطرف والتشدد، وانتقاله إلى مرحلة غير مسبوقة من ممارسة العنف الدموي المروع، "باسم الإسلام" وتوثيقه، وبثه عبر وسائل الإعلام، التقليدية وغير التقليدية، هل سيظل الإسلام يمتلك هذا القدر الهائل، من القوة الناعمة؟ هل ستظل الصورة البهية لهذا الدين الحنيف، في عيون البشر، كما هي؟ هل سيجد أي باحث عن الإسلام، في هذه المرحلة، الإجابات نفسها التي وجدها أسلافه؟ أم أن الصورة القاتمة، المملوءة بالجثث والرؤوس المقطوعة، وبخطابات التكفير والتنفير، التي يحاول بعضهم إبرازها، هي التي ستقفز أمامه؟ وهل يجوز لنا، أن نعتنق نظرية "المؤامرة"، ونقول إن للغرب والصهيونية دوراً فيما يجري، بغرض تجريد الإسلام من قوته "الناعمة"، بعد أن جرّدوه منذ زمن من قوته الصلبة؟ وألا يتوجب على معتنقي الأفكار المتشددة، والمتعاطفين معهم، أن يتوقفوا قليلاً، وأن يراجعوا حساباتهم، ويرحموا "الإسلام"، من طيشهم؟

الإسلام دين الله، وقد تكفّل بحفظه، ولا شك في ذلك، لكنّ لله نواميس وقوانين وضعها في هذا الكون، ولا يجب، بالتالي، أن نقلل من أهمية القضية، وعلينا أن نعلّق الجرس.

دلالات
EE1D3290-7345-4F9B-AA93-6D99CB8315DD
ياسر البنا

كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في قطاع غزة