قواعد البيانات واتخاذ القرار

24 اغسطس 2015
تشكل البيانات الضخمة أحد أهم مناحي تكنولوجيا المعلومات (Getty)
+ الخط -
تعتبر عملية اتخاذ القرار ركيزة أساسية في العمل المؤسساتي، وتزداد أهميتها مع تصاعد الضغوط التنافسية بين الشركات، التعقيدات الإدارية، إضافة إلى تغير سلوكيات الأفراد داخل المجتمعات. الأمر الذي يجعل من مسار اتخاذ وصناعة القرار بالمؤسسات الاقتصادية والتجارية محط أنظار كل المساهمين والفرقاء، لأنه لا يعبر فقط عن مفاضلة بين خيارات متعددة لإيجاد حلول لمشاكل محددة كمسألة تثبيت الأثمنة بالسوق أو الاستثمار ببلد ما، بل يسلط الضوء على مفهوم الحكم والسلطة في تأدية الوظائف. وعلى هذا النحو، كلما ازدادت تراتبية متخذ القرار، ارتفع مستوى سلطته وحكمه، وكذلك حاجاته لقواعد بيانات ضخمة تساعده على اتخاذ القرار سواء بالمفاضلة بين خيارين إيجابيين أو المخاطرة باختيار الأخف ضرراً والأقل خطراً على المؤسسة.

اقرأ أيضا: تكنولوجيا القيادة والتحكّم في الأداء

تشكل البيانات الضخمة أحد أهم مناحي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حالياً، وتستعمل في مجالات مختلفة، وهي عبارة عن بيانات كبيرة الحجم ومتعددة المصادر وقابلة للتغيير بسرعة وتنوع، ويمكن أن تكون هذه البيانات نصوصاً، صوراً أو فيديوهات تتزايد حسب تقارير دولية بنسب مرتفعة تجاور 90% في السنوات الأخيرة بسبب كثرة الأجهزة الرقمية وكذلك شبكات التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، تطبيق الواتسآب الذي يقارب مستخدميه المليار شخص، يتم عبره إرسال واستقبال نحو 20 مليار رسالة نصية ومليار ونصف صورة يومياً.

وجدير بالذكر، أن للبيانات الضخمة عدة خصائص، تتمثل في الحجم، سرعة تغير البيانات والتي تتطلب أنظمة معلوماتية متطورة لمعالجتها وتحليلها، تنوع مصادر البيانات سواء كانت شبكة الإنترنت، مواقع التواصل الاجتماعي، الأجهزة الذكية، ثم خاصية الدقة التي تبين درجة الموثوقية ومدى الاعتماد على هذه البيانات في اتخاذ القرارات، علاوة على خاصيتي القابلية للتغيير وقيمة هذه البيانات من حيث اتخاذ قرارات مصيرية لها وقع كبير على بقاء، تطور أو تنمية المؤسسات من عدمه.

اقرأ أيضا: تكنولوجيا التشخيص الاستراتيجي

ومما يجب التوقف عنده، أن التمييز بين البيانات والمعلومات عنصر مفصلي في اتخاذ القرارات، فالبيانات هي مواد خام ذات مدلول دقيق للتعبير عن شيء مجرد، بينما المعلومات هي بمثابة تعليقات وتأويلات منطقية للبيانات في إطار الزمان والمكان. فعلى سبيل المثال، يصنف رقم المبيعات لمؤسسة ما في سنة معينة من بين البيانات، في حين عندما تتم مقارنته مع الأرقام المسجلة في السنوات السابقة أو بما تم تحقيقه عند المنافسين يصبح من المعلومات التي تؤدي إلى اتخاذ القرارات.

تخضع المعلومة لمعيارين أساسيين، الأول يرتبط بالأهمية والدلالة والمقصود به، هو قدرة هذه المعلومة على التأثير في المؤسسات. فرقم المعاملات مثلاً هو معلومة هامة لتقييم الأداء التجاري، حساب الدخل الصافي ورصد تطور مداخيل المؤسسة بالنسبة للمساهمين، أما المعيار الثاني فيتعلق بمصداقية المعلومة، مما يستوجب التدقيق في مصادرها.

وبناءً على ما تقدم، نجد أن في المؤسسات الاقتصادية والتجارية ثلاثة أنواع من القرارات، الأولى هي قرارات مبرمجة وهيكلة فهي قرارات علمية خاضعة للأرقام وتكاد تكون يقينية، كقضية اختيار الموردين من خلال مقارنة أسعار البضائع، ثم قرارات نصف مهيكلة تكون الاحتمالات فيها متساوية وقابلة للتغيير كمسألة تقلب أسهم البورصة في الأسواق المالية، أما النوعية الأخيرة فهي قرارات غير مهيكلة تخضع للتوازنات السياسية وميزان القوى بدل المنطق العلمي.

اقرأ أيضا: تكنولوجيا ذكاء الأعمال لإنجاح المؤسسات

لقد أصبحت البيانات الضخمة كنزاً استراتيجياً بالنسبة للمؤسسات وأداة حتمية لتحقيق غاياتها خاصة، كمتخذ القرار الذي يمتلك السلطة والقدرات المعرفية للقيام بذلك. وللبيانات هذه الكثير من التداعيات التي تحقق الكثير من الأهداف، منها رصد المتغيرات والاتجاهات المستقبلية في صناعة القرار. ناهيك عن طغيان مبدأ العقلانية المحدودة في صناعة القرار، الناجمة عن عجز العقل البشري في ترقب، معالجة وتحليل المعلومات بسبب كثرتها المتزايدة وتشبيكها الكثيف، مما يجعل التحدي الرئيسي للمؤسسات الاقتصادية والتجارية هو الاستعانة بعلماء للبيانات، متخصصين في تحليل البيانات الضخمة، متمكنين من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولهم وعي ودراية بما يحيط بالمؤسسة من صعوبات ورهانات.
(باحث وأكاديمي مغربي)
المساهمون