قمة النصائح

16 مايو 2015

من القمة الخليجية الأميركية في كامب ديفيد (14مايو/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
بعد آمالٍ كثيرة كانت معلّقة على القمة الخليجية الأميركية في كامب ديفيد، والتي انتهت، أول من أمس، جاءت نهايتها محبطة إلى درجة كبيرة، خصوصاً في ظل الخلافات المبطنة التي ظهرت في كلمات المسؤولين المشاركين في القمة. كلمات حاولت الإشارة إلى نجاح أو اختراق ما في العلاقة بين الولايات المتحدة والدول الخليجية، في ظل الاتفاق النووي مع إيران، إلا أن ما بين سطور التصريحات كان يشير إلى تبدل واضح في العلاقة، وإلى أن إعادة صياغة التحالف، لن تكون كما كانت في السابق، فقد بات واضحاً أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عازمة على أخذ مسافة من الأحداث في المنطقة، والمساهمة عن بعد في حل الخلافات، التي رمتها الإدارة الأميركية في ملعب الدول العربية نفسها، سواء كانت خلافات داخلية، أم مع أطراف أخرى خارجية، والمقصود تحديداً إيران وحلفاءها. 

هي فعلياً إعادة صياغة للتحالف، لكن، ليس بالضرورة وفق الرغبات العربية المتوجسة من التقارب الإيراني الأميركي، ومن التمدد الإيراني في المنطقة، على حساب المصالح العربية والخليجية، هي إعادة صياغة وفق الرؤية الأميركية لمصالحها في المنطقة، والتي تقدم فيها التفاهم مع إيران على ما دونه. على هذا الأساس، كانت القمة حافلة بـ "النصائح" التي قدمها أوباما لنظرائه الخليجيين ومن يمثلهم. "استيعاب إيران" كان النصيحة الأولى على اعتبار أنها جزء أساسي في المنطقة، وعنصر فاعل فيها، بغض النظر عن طبيعة عمل هذا العنصر، والذي من الواضح أنه عامل توتر أكثر منه عامل استقرار. وانطلاقاً من هذه النصيحة، جاءت الثانية، والمتعلقة بما سميت "أدوات إيران" في المنطقة، في إشارة إلى حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن ومليشيا الحشد الشعبي في العراق والمليشيات في سورية. أيضاً، جاء الكلام الأميركي طوباوياً في ما يخص "الأدوات" عبر الدعوة إلى إصلاحات داخلية في الدول العربية. قد يكون جزء يسير من هذه النصيحة مناسباً في عدد قليل من الدول، وفي ظروف مغايرة كلياً، غير أن معظم حراك الفرق المرتبطة في إيران غير متصل بمطالب الأمان الداخلية، بقدر ما هو قائم على اعتبارات عقائدية بالمطلق، لا علاقة لها بالأوضاع داخل الدول نفسها، لبنان والعراق تحديداً مثالان على ذلك.
في طرحه النصائح في كيفية التعامل مع إيران، لم يقدم الرئيس الأميركي تعهداً مباشراً بدرء المخاطر الإيرانية على الدول العربية، في حال حصولها مستقبلاً، متناسياً ما هو حاصل حالياً. فالبيان الختامي للقمة جاء غامضاً وفضفاضاً في هذا السياق، واكتفى بالإشارة إلى "الوقوف إلى جانب الخليج في مواجهة أي عدوان خارجي". لم يوضح البيان كيف يكون هذا الوقوف، وتركه مفتوحاً لتأويلات، قد يكون دعماً سياسياً في المحافل الدولية، وهذا هو الأرجح في ظل سياسة "النأي بالنفس" التي تتبعها الإدارة الأميركية. وتزيد هذا الترجيح المعارضة الأميركية لعمليات التسليح الجديدة التي طالب بها بعض الدول الخليجية، ولا سيما مقاتلات "إف 35" الحديثة. اعتراض قيل إن مرده تدخل من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، غير أنه يمكن عطفه على الخشية الأميركية من التدخل العسكري المباشر الذي بدأت الدول العربية، وخصوصاً الخليجية، في اعتماده بعد "عاصفة الحزم"، ما يعني أن التسليح سيزيد الاشتعال في نيران المنطقة التي تسعى الولايات المتحدة إلى إخمادها بما تيسر من تدخل مباشر.
محصلة القمة، ببيانها ومداولاتها، لم تصل إلى المستوى الذي كان مأمولاً منها، خصوصاً في ظل التدهور السريع للأوضاع في المنطقة. وربما الرسالة المباشرة التي يمكن استخلاصها من مجريات اللقاءات، هي سعي الولايات المتحدة إلى عدم التورط المباشر في الأحداث، والاكتفاء بالتنظير والنصح عن بعد، على أن "تحل دول المنطقة مشكلاتها بنفسها"، شرط ألا تزعج المصالح الاستراتيجية الأميركية.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".