مخاطر مالية تهدّد الأسواق: قلق أميركي من الفائدة المنخفضة وزيادة مديونية الشركات

21 نوفمبر 2019
مخاوف من تباطؤ الاقتصاد (Getty)
+ الخط -
أبدى صانعو السياسات النقدية الأميركية قلقهم من المخاطر المالية التي تهدد الأسواق في الوقت الحالي، وعلى رأسها استمرار تزايد مديونية الشركات، بسبب معدلات الفائدة المنخفضة، وتراجع احتياطيات رأس المال لدى البنوك الأميركية.

كما بعث مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) مجددا بإشارات تفيد بأنه لن يتم إجراء تخفيض جديد لسعر الفائدة، وحسب غالبية أعضاء المجلس فإن مستوى سعر الفائدة بعد التخفيض الأخير "جيد". وكان المجلس قد خفض أسعار الفائدة في العام الجاري ثلاث مرات متتالية بنسبة 0.25% في كل مرة.

وحسب ما جاء في محضر اجتماع بنك الاحتياط، الذي أفرج عنه أول من أمس، فقد أوضح أن أعضاء لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة، الذين اتخذوا قرارهم بخفض معدلات الفائدة للمرة الثالثة على التوالي خلال الاجتماع الذي عقد قبل ثلاثة أسابيع، أظهروا ارتياحاً لتراجع التوترات السياسية، بعد استشعارهم اقتراب النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين من الوصول إلى اتفاق، بالإضافة إلى استقرار العديد من الملفات السياسية الأخرى، خارج الولايات المتحدة.

وبعد أكثر من عام من الضغوط المتواصلة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب على البنك الفيدرالي، من أجل تخفيض معدلات الفائدة، لرغبته في تنشيط الاقتصاد وتوفير الدعم لمؤشرات الأسهم، نظراً لأهمية الملف الاقتصادي في الانتخابات الرئاسية العام القادم 2020، اضطر البنك الفيدرالي إلى اتخاذ قرار بخفضها، بواقع ربع بالمائة في كل اجتماع من اجتماعاته الثلاثة الأخيرة، لمقاومة التباطؤ الذي بدأت علاماته في الظهور، خوفاً من دخول الاقتصاد الأميركي في ركود.

وفي أكثر من مناسبة، نفى جيرومي باول، رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي، رضوخه للرئيس الأميركي، مؤكداً أن "قرارات تخفيض الفائدة التي تم اتخاذها تتفق تماماً مع توقعات البنك للبيانات الاقتصادية المنتظرة".

وفي أعقاب قرار الخفض الأخير، الذي اتخذ قبل نهاية أكتوبر / تشرين الأول المنتهي، أكد باول أن "اللجنة ستنتظر تغييراً جوهرياً في البيانات الاقتصادية قبل اتخاذ قرار جديد بتحريك معدلات الفائدة".

ويأتي الإفراج عن اجتماع بنك الاحتياط الفيدرالي، بعد يومين فقط من استدعاء ترامب لباول للقاء غير مخطط له في البيت الأبيض، وهو اللقاء الذي يعد الأول بين الصديقين غير الودودين منذ فبراير / شباط الماضي، والذي وصفه ترامب على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بأنه كان "جيداً وودياً جداً"، مضيفاً أنهما تناولا خلال الاجتماع "كل القضايا، بما فيها معدلات الفائدة، والفائدة السالبة، وانخفاض معدل التضخم، وقوة الدولار".

وعن نفس الاجتماع، كرر بيان للبنك الفيدرالي الإشارة إلى استقلاليته عن العملية السياسية، مؤكداً أن "باول لم يناقش مع الرئيس توجهات معدلات الفائدة القادمة، إلا للتأكيد على أنها تعتمد فقط على البيانات الاقتصادية الصادرة".

وعلى الرغم من كون الرئيس الأميركي هو الذي يختار رئيس ومجلس إدارة البنك الفيدرالي، إلا أنهم يتمتعون باستقلالية كبيرة، ولا يتم تغييرهم مع تغير الرئيس الأميركي، ولم يشهد المجتمع الأميركي أي رئيس يوجه انتقادات مباشرة لسياسات البنك، قبل ترامب، على مدى ما يقرب من نصف قرن. ورغم أن ترامب هو الذي رشح باول لرئاسة البنك، إلا أنه تساءل خلال الصيف الماضي إذا ما كان شي جين بينغ (الرئيس الصيني) أم باول، هو العدو الأكبر للولايات المتحدة؟ كما وصف باول وزملاءه بأنهم أغبياء قبل عدة أسابيع.

وأبدى مسؤولو البنك، كما جاء في المحضر، تخوفهم من ارتفاع مديونية الشركات خلال العقد الأخير، كما أن التقييم المبالغ فيه للعديد من الأصول المالية مرتفعة المخاطر.

واستنكر عضوان باللجنة انخفاض معدلات الفائدة على سندات الشركات مرتفعة المخاطر، وأرجعا السبب في ذلك إلى "المبالغة في التفاؤل فيما يخص تقييم مخاطر ديون تلك الشركات".

وأكد أعضاء اللجنة أنه على الرغم من أن المخاطر المالية ما زالت "معتدلة"، إلا أن الاختلالات في سوق ديون الشركات نمت مع الانتعاش الاقتصادي، وأن "المخاوف ازدادت من تأثير ضعف جودة الديون على انتشار المخاطر في سوق السندات، وهو ما قد يضاعف من تأثير الصدمات العكسية على الاقتصاد".

واستبق الاقتصادي المصري الأميركي الشهير محمد العريان محضر اجتماع البنك الفيدرالي، وقال إن "كل أحاديث المسؤولين بالبنك بعد الاجتماع الأخير، والتطورات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تشير إلى أن تركيز الأسواق في الفترة القادمة سيكون أقل على السياسة النقدية وأكثر على سوق الريبو (اتفاقيات إعادة الشراء) ومراجعات السياسة النقدية".

وتثير قضية ارتفاع مديونية الشركات، مع انخفاض إنفاقها الرأسمالي، رغم انخفاض معدلات الفائدة، اهتمام الاقتصاديين الأميركيين، على مدار الشهور الأخيرة. وفي مقال حديث في جريدة وول ستريت جورنال، أكد جيمس ماكينتوش، الكاتب والخبير في الاقتصاد والاستثمار، أن السبب في ذلك يرجع إلى أن "النمو الاقتصادي الضعيف جعل إنشاء المصانع الجديدة غير مجدٍ، في حين أن شركات التكنولوجيا التي تحقق أرباحاً ضخمة، ولديها فوائض نقدية، لم تنفق على الاستثمار، حيث ذهب أغلب إنفاقها على جذب المبرمجين، وبناء العلامات التجارية، وتقديم الخصومات للمستهلكين، وكلها لا تندرج تحت بند الاستثمار".

وعلى نحو متصل، أظهرت بيانات وزارة الخزانة الأميركية انخفاض ما بحوزة المستثمرين الأجانب من السندات الأميركية خلال شهر سبتمبر / أيلول الماضي بأعلى وتيرة في عامين، وبنسبة 1.2% تمثل 6.78 تريليونات دولار.

وجاء في البيانات التي نشرتها الوزارة يوم الاثنين الماضي، أن شهر سبتمبر / أيلول 2019، الذي شهد انخفاض العائد على سندات الخزانة الأميركية ذات العشر سنوات المعيارية دون مستوى 1.5%، لأول مرة في ثلاث سنوات، كما انخفض عائد السندات ذات الثلاثين عاماً إلى أدنى مستوياتها في التاريخ، دون 2%، وشهد الشهر أقل طلبات شراء من المستثمرين الأجانب منذ الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية. ويأتي انصراف المستثمرين الأجانب عن السندات الأميركية على الرغم من احتفاظ الأخيرة بفارق لا يقل عن 2% فوق العائد على السندات الألمانية لنفس المدد طوال العام الحالي.

يذكر أن دول مجلس التعاون الخليجي خفضت استثماراتها في أذون وسندات الخزانة الأميركية بنسبة 4.9 % في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، على أساس شهري. ووفقاً لبيانات حديثة صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، بلغت استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي بأذون وسندات الخزانة الأميركية نحو 273.94 مليار دولار، وذلك في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، مقارنة مع نحو 288.236 مليار دولار في شهر أغسطس/ آب 2019.

المساهمون