بينما يحاول كل من الرئيسين الحالي والسابق لأميركا، دونالد ترامب وباراك أوباما، نسبةَ ما تم تحقيقه من إنجازات اقتصادية في السنوات الأخيرة لسياسات كل منهما، لاسيما انخفاض معدلاتالبطالة، بدأ المسؤولون في بنك الاحتياط الفيدرالي يشعرون بالقلق إزاء انخفاض هذه المعدلات، أكثر من اللازم كما يقولون.
وأكد اريك روزنجرن، رئيس بنك الاحتياط في بوسطن، أنه "عند انخفاض معدلات البطالة إلى تلك المستويات، كما هي حالياً، فإن الركود آت لا محالة، حيث إن البنك لم ينجح، حتى الآن، في ضبط إيقاع الأسواق ليستقر الاقتصاد عند مستويات التوظيف الكامل".
ويقدّر الاقتصاديون معدل البطالة الذي يجعلهم يصفون التوظيف بأنه كامل بنسبة 4.5%. وجاءت تصريحات روزنجرن في ورقة بحثية في إطار مراجعة سياسات البنك الفيدرالي، نهاية الأسبوع الماضي، اطلعت عليها "العربي الجديد".
وانخفض عدد الأميركيين الذين يطلبون إعانة البطالة، في الأسبوع المنتهي في الثامن من سبتمبر/أيلول، بصورة غير متوقعة، ليصل إلى 204 آلاف، وفقاً لبيانات وزارة العمل، وهو الأقل منذ نحو 49 عاماً، في إشارة إلى قوة سوق العمل حالياً.
كما انخفض المتوسط المتحرك للأسابيع الأربعة الأخيرة لطلبات إعانة البطالة بنحو ألفي طلب، مقارنة بالأسبوع الماضي، وهو أيضاً الأقل منذ ديسمبر/كانون الأول 1969، وارتفع عدد الوظائف التي تم الإعلان عن الحاجة إلى شغلها، خلال يوليو/تموز الماضي، إلى 6.9 ملايين وظيفة، وهو أعلى عدد من الوظائف الشاغرة يتم الإعلان عنه في أي شهر في تاريخ أميركا.
وبينما كانت هناك تخوفات كبيرة من تسريح العمالة في الشركات المتضررة من الحرب بين أميركا وحلفائها التجاريين، وهو ما حدث بالفعل في بعض تلك الشركات، فمن الواضح أن التوظيفات الجديدة في قطاعي الصلب والألومنيوم، اللذين فرضت الإدارة الأميركية رسوما على وارداتهما، عوضت نسبة كبيرة من تلك الوظائف.
ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وَرَّثَت الفترات التي انخفض فيها معدل البطالة دون نسبته الطبيعية المصاحبة للتوظيف الكامل، ركوداً اقتصادياً، ولم يتطلب الأمر إلا ارتفاعاً بنسبة نصف بالمائة في معدلات البطالة حتى يعلن الركود عن نفسه.
ويقول روزنجرن إن "تشديد السياسة النقدية يساعد على تحقيق الهبوط الناعم soft landing وصولاً إلى التوظيف الكامل، لكن مع بداية ارتفاع معدلات البطالة، فإن ديناميكيات الأسواق تسيطر على الموقف، وصولاً إلى الركود".
واعتبر روزنجرن أن اللحظة الراهنة تستلزم الحذر، حيث إنه "لو كان تاريخ الفترات التي تلت معدلات البطالة المنخفضة مقلقاً، فإن ما يقلق بنفس الدرجة هو أن معدلات الفائدة مازالت منخفضة للغاية، وهو ما يعني أن البدائل أمام البنك الفيدرالي تعد محدودة، إذا ما استلزم الأمر تدخّله بتسهيل السياسة النقدية".
وعلى نحو متصل، قالت لائل برينارد، محافظ البنك الفيدرالي بأتلانتا، المعروفة بتحفّظها وتشاؤمها بين محافظي البنك، إنها تشعر أن "معدلات الفائدة يجب أن تستمر في الارتفاع لعام أو عامين مقبلين، خاصة مع استمرار معدلات النمو المرتفعة التي نشهدها حالياً".
وقال الاقتصادي المصري الأميركي الشهير محمد العريان، مساء السبت الماضي، على حسابه على تويتر، إن تلك التصريحات تؤكد المسار المتوقع لدى أغلب الاقتصاديين، باستمرار رفع البنك الفيدرالي معدلات الفائدة، خلال الفترة القادمة.
ورأى مسؤول كبير في البنك الدولي، فضّل عدم ذكر اسمه، أن "المضار المُحتملة في اقتصاد مثل الاقتصاد الأميركي هي ارتفاع التضخم، والذي يمكن أن يحدث من خلال محورين، الأول في حالة تجاوز تكلفة الأجور إنتاجيتها ومساهمتها الفعلية في الناتج المحلي الإجمالي، والثاني من خلال زيادة الطلب الاستهلاكي عن العرض بسبب زيادة الدخول النقدية".
لكن المسؤول في البنك الدولي رأي، في تصريح لـ "العربي الجديد": "رغم القلق، فإن انخفاض معدل البطالة في أميركا بصورةٍ عامة، أمر جيد ومطلوب، وعادة ما يكون من أهم أهداف السياسة الاقتصادية في أغلب البلدان، وقد لا يترتب عليه تأثير سلبيٌ إلا في حالة واحدة فقط، وهي أن يكون هذا الانخفاض في البطالة مصطنعاً، عن طريق إنشاء وظائف لا ضرورة لها ويمكن الاستغناء عنها، وهذا يحدث فقط في الشركات التي تمتلكها الحكومات أو الجهات التابعة لها، ويطلق عليها حينئذ بطالة مقنعة، وهو ليس الحال بالتأكيد في أميركا حاليا".