بنهاية تعاملات الأسبوع الماضي، ومع الإعلان عن توجيهات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإدارته بالبدء في تطبيق تعريفات جمركية إضافية على ما قيمته 200 مليار دولار من الواردات من الصين، انخفض الدولار أمام العملات الرئيسية، فتحول كثير من المستثمرين إلى الذهب، باعتباره أحد أهم الملاذات الآمنة، في وقت زادت بوادر حدوث أزمة مالية شاملة، ولاحت علامات ركود مرتقب.
وبعد أن انخفض الدولار يوم الجمعة الماضي أمام سلة من العملات الرئيسية إلى أدنى مستوى له في نحو شهرين، ارتفع الذهب إلى 1206 دولارات للأونصة، لينهي الأسبوع على ارتفاع 0.9%، ويحقق أول مكاسب أسبوعية في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات إذا ما كان شراء الذهب في الوقت الحالي هو الاختيار الأمثل لمواجهة حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق.
رأى تود بوبا هورويتز، خبير أسواق المال والعملات والسلع، أن المعدن الأصفر لديه فرصة قوية للخروج من النطاق الضيق الذي انحصر فيه خلال الفترة الماضية، ورجح أن يكون الخروج منه إلى مستويات أعلى.
وقال هورويتز: "المؤشرات تقول إن الذهب في طريقه للانطلاق إلى أعلى في الفترة القادمة. وإذا كان الاحتمال الأقرب هو ألا نرى انطلاقة قوية لأعلى بصورة فورية، فإن تحليل المخاطرة والعائد سيكون في صالح الذهب".
أما أولي هانسن، رئيس استراتيجيات السلع في ساكسو بنك بكوبنهاغن، فرأى أن هناك بعض العوامل التي قد تؤخر انطلاقة الذهب، موضحا أن "سبب انخفاض مكاسب الذهب عما كان متوقعاً الوصول إليه يرجع إلى استمرار ارتباط المعدن النفيس بالعملة الصينية الرينمنبي، التي ما زالت تتعرض لضغوط، كما أن الأسواق تترقب رفع معدلات الفائدة الأميركية".
وأظهر الذهب في الفترة الأخيرة ارتباطاً وثيقاً مع العملة الصينية، بعد أن تربعت الصين على عرش الدول المستهلكة للمعدن النفيس.
كما ظهر على فترات متكررة في التاريخ الاقتصادي، أن هناك علاقة عكسية بين سعر أونصة الذهب ومعدل الفائدة على الدولار، حيث ينخفض سعر الأونصة مع كل رفع لمعدلات الفائدة الأميركية، كون مشتري الذهب لا يحصل على أي فوائد على ما بحوزته من ذهب، مما يزيد من تكلفة الفرصة البديلة لشرائه، إضافةً إلى نفقات تخزينه والتأمين عليه لو تم الشراء في صورة سبائك، كما تفعل أحياناً بعض البنوك المركزية حول العالم.
ولا يزال ترامب وإدارته يريان أن هناك المزيد من المكاسب على الطريق للدولار وأسواق الأسهم والعقارات في الولايات المتحدة، رغم القلق المتنامي من قبل الخبراء من أن هناك أزمة مالية تلوح في الأفق.
وتوقع هورويتز أن تشهد أسواق الأسهم الأميركية موجات بيع كبيرة خلال الفترة المقبلة، وأن تتحول الأموال إلى ملاذ الذهب الآمن حتى مع ارتفاع أسعار الفائدة في مثل هذه الظروف.
كما قال بنك "يو بي اس" العملاق، في تقريره الشهري الموجه لعملائه من كبار المستثمرين، إن "التوقعات بالنسبة إلى الذهب ما زالت إيجابية، حيث نشك في استمرارية الضغوط البيعية".
ونصح مارك هايفيلي، مسؤول الاستثمار في إدارة الثروات بالبنك، المهتمين بالاستثمارات طويلة الأمد أن يحتفظوا بما في حوزتهم من المعدن النفيس، على أن يعملوا على الإضافة إليه كلما اقترب سعر الأونصة من المستويات الدنيا التي تحققت في الفترة القصيرة الماضية. ورغم تأكيد هايفيلي النظرة الإيجابية للمعادن عموماً في فترة 6 – 12 شهراً القادمة، إلا أنه لم يخف قلقه من استمرار النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأخرى، وعلى رأسها الصين، والتي أدت إلى إضعاف عملات العديد من الأسواق الناشئة أمام الدولار.
وكان الذهب قد تراجع منذ إبريل/نيسان الماضي بنحو 12%، بعد أن سجل آنذاك أعلى مستوى له عند 1365.23 دولار للأونصة، بفعل ضغوط من رفع بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي معدلات الفائدة، وتزايد احتمالات إجراء رفعين جديدين قبل نهاية العام الحالي.
وتشير الأرقام الواردة من بورصات السلع وصناديق الاستثمار إلى أن صندوق " اس بي دي آر غولد"، أكبر صندوق تداول في البورصة الأميركية يتعامل في الذهب، خفض ما بحوزته من الذهب بنسبة 0.4%، أو 4.1 ملايين أونصة، مقارنة بمستويات إبريل/ نيسان الماضي، كما تظهر أن المستثمرين في الذهب قد باعوا المعدن على المكشوف (أي باعوا قبل أن يشتروا)، وسجلت مبيعاتهم مستويات تاريخية في هذا النوع من البيع، في إشارة إلى وجود توقعات قوية بانخفاض سعر الذهب عن المستويات الحالية.
وقبل يومين، أظهر تقرير لوكالة بلومبرغ الأميركية، أن البنوك التجارية التركية سحبت من احتياطياتها لدى البنك المركزي التركي ما يعادل حوالي 4.5 مليارات دولار منذ منتصف يونيو/ حزيران الماضي، وقامت ببيعها في البورصات العالمية، في محاولة للتغلب على أزمة السيولة التي تضرب البلاد منذ أسابيع.
كما أعلن البنك المركزي التركي، في تقريره الأسبوعي، انخفاض ما بحوزته من المعدن بمقدار الخمس تقريباً، مقارنةً بما كان لديه قبل ثلاثة أشهر.
وتسمح السلطات النقدية التركية للبنوك التجارية بالوفاء بنسبة الاحتياطي الإلزامي عن طريق الاحتفاظ بأرصدة من الذهب، كونه يتم التعامل به في أسواق المال كأي عملة أجنبية.
وتعتبر الحكومة التركية من أكبر عشرين مالكا سياديا للمعدن النفيس على مستوى العالم، كما تعتبر السوق التركية خامس أكبر مستهلك له في العالم، وتعد تركيا المُوَرِّد الأول للحلي الذهبية لكافة أسواق المنطقة العربية.