"الحبّ هو الأسمى. كيف نقول إنّ الهدف منه هو الزواج وتأسيس عائلة؟". بكلماته غير المتكلّفة، يكمل الكاهن عظته الخاصة بالزفاف الذي كان يُحتفى به في تلك العشيّة. "الحبّ أشبه بصورة جميلة، والزواج ليس سوى الإطار الذي توضَع فيه الصورة. تلك الصورة تبقى جميلة وإن من دون إطار. أمّا ذلك الإطار ومهما كان جميلاً، فإنّه يصبح فارغاً لا جدوى منه إذا خلا من الصورة".
وبنبرة حاسمة ودمثة في الوقت نفسه، يستهجن مصطلحات وتعابير عدّة من قبيل "القفص الذهبيّ" و"النصف الآخر" و"نحن واحد". بالنسبة إليه، "حتى ولو كان القفص من ألماس فإنّه يبقى قفصاً". والقفص بحسب المراجع اللغويّة وبحسب ما يدركه ذلك الكاهن في قرارة نفسه، هو محبس للطيور - عادة - مصنوع من أعواد متشابكة تختلف طبيعتها أو من أسلاك حديديّة أو من قضبان تتنوّع موادها. مَن يرغب في قضاء حياته أو جزء منها - على أقلّ تقدير - وسط تلك القضبان؟
سؤال، لا شكّ في أنّ الأكثريّة سوف تردّ عليه بالنفي، غير أنّ هؤلاء الأشخاص أنفسهم سوف يعودون ليستخدموا ذلك التعبير.. "القفص الذهبي". هو تعبير شاع في مجتمعاتنا، فرحنا نردّده من دون إدراك الخلفيّات التي أدّت إلى اصطلاحه في يوم. متى حصل؟ لا نعلم، فذلك ليس مؤرّخاً. لكنّه لا يَلزم المرء تفكير عميق ليدرك أنّه ليس سوى ترجمة لما يخبره كثيرون في ما يُطلق عليه "المؤسسة الزوجيّة". قفص. حبس. ويبقى اللون الذهبيّ محاولة للتمويه، نجحت في جعل المصطلح واحداً من أدبيّاتنا.
أمّا تعبير "النصف الآخر"، فهو في نظر ذلك الكاهن الذي وصفه أحد المدعوّين بـ"التقدّمي"، انتهاك للشريك. "لا أحد يكمّل الآخر. لكلّ كيانه وشخصيّته واستقلاليّته، وعدم الاعتراف بذلك ما هو سوى إلغاء للشريك وإن لم نكن مدركين". و"النصف الآخر" يأتي متناغماً مع تعبير "نحن واحد"، فيبدو الكاهن حاسماً من جديد. "هذا ليس صحيحاً. الأمر أشبه بشخص يتطلّع في المرآة ليرى وجهه. الشريك ليس انعكاساً لصورتنا في المرآة. نحن لسنا في حاجة إلى صورتنا في المرآة. الشريك ليس نسخة طبق الأصل عنّا، ولن يكون. وفي حال وقع ذلك، لا شكّ في أنّه سوف يخلّف خللاً ما في العلاقة".
وهذا الخلل غالباً ما تأتي تبعاته وخيمة. إقصاء الآخر، وإن أتى من دون إدراكنا، يهشّم ما عُدّ في يوم حبّاً أو ما يدّعي الواحد منّا أنّه حبّ. في الأمر سعي إلى تملّك ذلك الآخر بحسب ما يشير هؤلاء الذين احترفوا الغوص في النفس البشريّة. في محاولة البحث عن أنفسنا، نطمح إلى سدّ فجوات ذواتنا عبر أشخاص نحمّلهم أثقالنا، مسقطين من حساباتنا ما يثقلهم ومطلقين عليهم "نصفنا الآخر". نحمّلهم وهننا وتصدّعاتنا وما يجرجره تاريخنا، وندين رغبتهم - إذا تجرّأوا - في الخروج من "القفص الذهبيّ".