قطرفوبيا... "القعدة جاهزة"

30 مايو 2017
+ الخط -
كأنّ الذي جرى، مع اللحظة الأولى للانتحال والتزوير بحق قطر وأميرها، بانطلاق أوركسترا الغل، كراهية وشتماً، من غير تلك القيم العربية، والخليجية على وجه التحديد، يشير إلى حالة مرضيّة في سموات العرب المفتوحة.

قد يفهم المتابع في الغرب موقفا دنماركيا سلبيا لجرائدها الصفراء من قطر، ومهاجمة حتى المدرب ميكال لاودروب، لأنه قبل تدريب الكرة فيها، مربوطاً بتاريخ أزمة "الرسوم الكاريكاتورية المسيئة" قبل أكثر من عقد... وتشكيك في فوز قطر باستضافة كأس العالم 2022.

ما لا يفهم في الانتحال، هو إمعان "أصحاب الكار" بالاستفزاز طلباً لما هو أسوأ، تخيلا وتوهماً بلسان الضاد.

ثمة كثيرون، على امتداد صحف وشاشات صفراء، فرّغوا شحنات ما فاض به وعاء التربية الأمنية، فغرقوا في جلد الذات... لم أعد شخصيا أميّز بينهم وبين قنوات نظام الأسد، حين اخترعت منذ البداية قصة "حبوب هلوسة الجزيرة" ومؤامرة "مجسّمات الدوحة".

فإما أن القصة من ألفها إلى يائها مهندسةٌ لشيطنة دولة، بشعوبيةٍ مخجلة بارتدادها العربي، أو أن معسكراً من جوقة ردّيحة النهش رأى فرصته غِلًا وانتقاماً. وفي الحالتين ثمة مصيبة تقع.

حين يسأل مغردون عربٌ: وماذا عن إعلام وتسريبات استجلاب المزيد من الرز؟ يأتي الجواب بمزيد من الإيغال في تلويث العقل وتنفير العين والأذن.

كأن منهجية "فرط عقد" تحالف ومصالح عربية استراتيجية هي المتحكمة، في إصرار على خسارة العرب لبعضهم وحلفائهم في أمكنة كثيرة. المشهد فيه نخر للمصالح العربية واستخفاف بعقول شباب العرب.

 ألم تكن ليلة الانقلاب الفاشل في تركيا أحد أهم المؤشرات على مدى التغوّل في اختراع الخبر وتزييف الحقيقة، وبالتالي اختراع عداوات لا طائل من ورائها؟

أجواء ترتيب "القعدة" خلال دقائق، واتكاء الردّاحين على التعبيرات والجمل الموحدة، في كتابات متتالية، طاولت حتى الشخصيّ، في مشهد غير ذي صلة بما عُرف عن شهامة العرب في التخاصم، ما زال بإصراره يثير أسئلة أكثر، أجوبتها قد تكون أكثر إيلاماً مما يظهره رأس جبل جليد هذا حول الفجور الإعلامي عن قطر ومواقفها.

التفتيش عن أجوبة مطبطبة مصيبة أيضاً. مصيبةٌ أن تُبنى السياسات والاستراتيجيات على "الحب والكراهية"، والإمعان في الاستفزاز، وحرف البوصلة عن طريقها منذ أن بُدئ في تخصيص كل قدرات هذا الرهط "الإعلامي" للثورات المضادة. وهم يتوقعون دائما نتائج غير مسوقة في المقدمات، البادية اليوم ضد إرادة الشعوب في اليمن والعراق وسورية، وإقناع الناس بأن "الأندلس سقطت بسياسات التنظيم الإرهابي". ليس بالضرورة أن تتفق مع هذه وتلك من الجماعات السياسية بقدر ما تحترم عقلك أولاً وأخيراً. وهؤلاء يريدون لنا أن نؤجّر عقولنا لتُحشى هراء وهرطقة يسمونهما "الحقيقة". 

في رأيٍ شخصيٍّ ومتواضع، فإن الرهط لن يتغير حتى لو عادت المياه إلى مجاريها في السياسة والعلاقات الطبيعية بين دول شقيقة تنتمي إلى منظومة واحدة وتواجه التحديات بالدماء. وبكل أسف يريدون لناس هذه الأمة أن يكونوا رهينة الفرجة وليس الفعل، لذا يخترعون طواحينَ وسيوفاً خشبية لمعارك متخيلةٍ في عقول "الحبّ واالكراهية" لتموج الجماهير طرباً بستينيات الشعارات، بينما الأمم تتكتل باختلاف هوياتها ومواقفها وثقافاتها.

وتبقى كارثة التسويق على أسس اختراع أسوأ ما يمكن تخيله إرضاءً لأمراض الأنا المتورمة عند أصحاب الصفحات الصفراء. قد لا يكون الوقت الآن مناسباً لتفجير هذا الدمّل العربي، وإن كنت شخصياً أرى أنه آن له للتخلص من الأسر في الأحكام المسبقة وحظائر الإيديولوجيا والانقياد الأعمى لعنتريات لا تمارس مع الآخر، بل بين الأخوة.

السقطة الإعلامية، فجر الأربعاء الماضي، كاد المريب فيها يقول: خذوني.

ولماذا على الإنسان العربي أن يقتنع بأن منع وحجب القنوات والصحف والمواقع "سيقي عقله" في وصاية الصفحات الصفراء عليه؟

إن كان للعقل بقية مكانة، فهذا أوانه، قبل أن تصبح حالة التزوير للشيطنة هي الحاكمة، والحقيقة هي الشاذة في استلاب العقل تحت مرض "قطرفوبيا" بلغة الضاد... بألسنة دحلانيي العصر، ومُسخّفي صورة التلاقي العربي على مواجهة التحديات الحقيقية.

دلالات