عن رعاية نتنياهو للأمير الشاب... "خادم الحرمين" مستقبلاً
أخيرًا، وفي اتضاح غير مسبوق لكذبة التناقض بين معسكرين عربيين "ممانع ومهادن"، لم يعد قادة الاحتلال يجدون حرجاً في الاعتراف أنّهم شكلوا دوماً بوابة لشرعنة بقاء المستبدين. فمنذ عصر الأسد الأب كان الهمس يسري إلى جانب أسئلة منطقية، ليس أقلها سؤال "الرد"، فضحت مبكراً من تاريخ علاقة الأسد بالقضية الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، بتاريخ يمتد إلى أيلول الأسود، وما سبقه في سقوط الجولان.
حتى حين كان يتحدث سابقاً إيهود باراك عن جرائم النظام السوري فحديثه لم يكن سوى لبث انطباع مخادع عن مفاضلة، كلتاهما أكذب من الأخرى، عن فوارق "أخلاقيات" جنوده وجنود بشار الأسد ومحور عصابات الارتزاق الطائفي في قتل المزيد من السوريين والفلسطينيين. وستشكل الأخيرة مستقبلاً إحدى أهم النكبات التي أصابت ما يسمى "محور الممانعة"، في سعيه الدؤوب لشرعنة قتله وتشريده لشعب كامل باسم الوقوف بوجه إسرائيل.
حذلقة بعض المصدقين لقومية الأسد لا تختلف عن المصدقين اليوم متحذلقي تسويق أن غياب محمد بن سلمان سيعني أفول الإسلام، كمحاولة للرد على عرب متخذين من بوصلة المنطق سبيلاً لتحليل ما يجري.
الآن، تحديداً، يتضح التساوي بين أنظمة البحث عن شرعية وجودها من الخارج، بإظهار التصهين أكثر. فماضياً كانت تل أبيب تسوق نفسها على أنها "الديمقراطية الوحيدة وسط بحر من الديكتاتورية العربية"، لكن لم يثنها ذلك يوماً عن التعبير الصادق عن الارتياح لوجود الديكتاتوريات ولعلاقتها بالطغم الحاكمة، بل وبأحزاب سياسية وقوى طائفية في المنطقة، كما في سياق الحرب الأهلية اللبنانية، وغيرها في منطقة ابتلت بمرض ينخر بالأمة.
أنكر كثيرون دور تل أبيب، حتى حين تمدد الأمر في رعاية الثورات المضادة وبالتحريض على ثورات الربيع العربي، وبرعاية خليجية إسرائيلية لانقلاب السيسي في مصر، وتسويقه أميركياً وغربياً، وتزويد الأنظمة بكل الإمكانات التقنية والتعاون الاستخباراتي، بل والمساهمة على أرض الواقع، في استعادة لتجربة تاريخية مارستها في أميركا اللاتينية، بتوريد القتلة والمرتزقة بتمويل عربي، وإماراتي تحديداً. وليس غريباً أننا سنشهد المزيد من العلنية في المستقبل القريب.
والمذهل في أكاذيب هذه الأنظمة، عند حديثها عن قضية فلسطين والقدس، أنها لم تعد تخجل في التصريح ثناء وامتداحاً لمواقف بنيامين نتنياهو، في محاولته إنقاذ الانقلابي الآخر الذي رعته دوائرهم الغربية المتصهينة، كالإنجيليين الزائرين بنفس اليوم. فالأمير الشاب في الرياض، و"خادم الحرمين" مستقبلاً، محمد بن سلمان، لا يعد استثناء. فبقدر ما ينصاع الحاكم خدمة لتمرير مشاريع تل أبيب يأتي جهد الإبقاء عليه رغم أنف الشعب.
ببساطة شديدة، إسرائيل ترى في عواصم العرب، كما ترى غيرها بالمناسبة، مجرد محميات في خدمة مشروعها، وبالقدر الذي يلتزم فيه هؤلاء بالتلون وإخضاع الظروف لمصلحتها بقدر ما ترضى عنهم وتسوقهم، وإن صرخ أكثرهم في ميكروفونات العداء لها؛ من شعار لا اعتراف ولا تصالح إلى "تحرير القدس". ففي سلة تل أبيب ما لم يعد مدعاة للحرج، حين اختزلت الأوطان في حاكم هنا ووريث هناك.. لتعيد هي بنفسها على مسامع غربها المتصهين: أترون كم هم العرب همجيون وغير ديمقراطيين ولا يحترمون القيم الإنسانية؟.. وإن كانت هي العراب.