قضية الصحراء: جمود يغذيه تأخر الاتفاق على مبعوث جديد

14 سبتمبر 2019
تتقدم الأمور لمصلحة المغرب أخيراً (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
دخل ملف الصحراء الواقعة في النصف الجنوبي من المغرب والتي تطالب جبهة البوليساريو باستقلالها عنه بدعم من الجزائر، مرحلة ترقّب وغموض في انتظار ما سيقدم عليه الأمين العام للأمم المتحدة بشأن منصب مبعوثه الشخصي. الأنباء الآتية من مقر الأمم المتحدة في نيويورك، تفيد بأن المشاورات العسيرة بين الدول المشكّلة لما يعرف بمجموعة "أصدقاء الصحراء"، أي كل من فرنسا والولايات المتحدة وروسيا وإسبانيا، لم تثمر أي اتفاق حول هوية الشخصية التي ستعوّض الرئيس الألماني الأسبق، هورست كوهلر، في منصب المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة. تأخر المشاورات يعني أن فترة الأشهر الستة التي منحها مجلس الأمن الدولي منذ شهر إبريل/نيسان الماضي لكل الأطراف المعنية والوسيط الأممي من أجل التقدم في مسار الحل السلمي للنزاع، ستكون فترة "بيضاء"، حتى تنتهي ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (مينورسو)، نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، على الرغم الاعتراض المغربي الشديد مدعوماً من فرنسا. وألزم القرار المبعوث الأممي تقديم إحاطة رسمية أمام مجلس الأمن بعد مرور ثلاثة أشهر، أي في شهر يوليو/تموز الماضي، وهو الاستحقاق الذي لم يحترم في ظل استمرار شغور المنصب.

وكان كوهلر قد فاجأ المراقبين بتقديم استقالته من مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، قبل أن تعلنها الأمم المتحدة رسمياً في 22 مايو/أيار الماضي، مبرراً إياها بأسباب صحية. وجاءت هذه الاستقالة بعد انتصاف السنة الثانية من مهمته، وتُعتبر بمثابة عودة لعقارب ساعة هذا الملف إلى الصفر، لا سيما حين قام كوهلر بوضع خطته الخاصة لتحقيق اختراق في هذا الملف الجامد منذ نحو ثلاثة عقود، أي منذ إعلان وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو عام 1991.

استراتيجية كوهلر، وعلى الرغم من المخاوف التي تنطوي عليها بالنسبة للمغرب، باعتبار أن الرئيس الألماني الأسبق (بين 2001 و2010) ظل يخفي أوراقه إلى حين استقالته؛ إلا أنها كانت تضع أفقاً لحلّ ممكن لهذا النزاع الذي تفجّر منتصف السبعينيات من دون أن تتمكن الأمم المتحدة من حله. وعلاوة على جعله مقر عمل فريقه الخاص بالعاصمة الألمانية برلين، واختياره معاونيه بشكل مستقل من خارج قائمة موظفي منظمة الأمم المتحدة؛ حاول كوهلر على مدى أكثر من عام خلق معادلة جديدة، تعتمد مشاركة فعلية لجميع الأطراف المعنية، أي المغرب والبوليساريو ومعهما الجزائر الداعمة لمشروع الانفصال وموريتانيا التي تشترك بحدود طويلة مع إقليم الصحراء. كما بذل جهوداً كبيرة في منح كل من الاتحادين الأوروبي والأفريقي دوراً أكبر في مسار التسوية الأممي، باعتبارهما معنيين بأمن واستقرار منطقة المغرب العربي والحوض المتوسطي.

وجاءت الاستقالة المفاجئة للدبلوماسي الألماني بعد عودة قوية لواشنطن إلى تحريك خيوط الملف، تحديداً بعد تعيين الرئيس الأميركي دونالد ترامب أحد صقور المحافظين، جون بولتون، في منصب مستشار الأمن القومي. وجعل بولتون ملف الصحراء في قلب استراتيجية الإدارة الأميركية الخاصة بالقارة الأفريقية، ولم يتردد في التعبير علناً عن انزعاج إدارة ترامب من استمرار جمود الملف، وتلويحها بسيف تقليص الميزانية المخصصة لبعثة الأمم المتحدة المنتشرة في الصحراء، في حال عدم تحقيق تقدّم ملموس في مسار التسوية. 
لهذه الأسباب فإن إقالة بولتون قبل أيام من منصبه كمستشار للأمن القومي خلفت ارتياحاً كبيراً في المغرب، لكن ذلك لم يمنع بعض الأوساط الدبلوماسية من التعبير عن تخوفاتها من احتمال عودة بولتون إلى ردهات الأمم المتحدة، في حال تم تعيينه مبعوثاً جديداً للأمم المتحدة إلى الصحراء، خصوصاً أن هذا المنصب يعتبر شاغراً منذ أن استقال منه كوهلر.

فترة "عبور الصحراء" التي يمرّ بها هذا الملف، لا تقلق المغرب، المعني الأول بالتقلبات الدولية المرتبطة بهذا الملف. فباستثناء البلاغ الذي أصدرته الخارجية المغربية عقب إعلان الأمم المتحدة استقالة كوهلر، والذي عبّرت فيه عن أخذها علماً "بأسف" بهذه الاستقالة، واصلت الدبلوماسية المغربية أجندتها الأصلية في الدفاع عن حقها في السيادة الكاملة على الصحراء.

في المقابل، أبدت تصريحات وبلاغات قيادة جبهة البوليساريو قلقاً أكبر منذ استقالة كوهلر، خصوصاً في ظل الوضع الداخلي الاستثنائي للحليفة الجزائر، وتصاعد التوتّر الاجتماعي داخل مخيمات الجبهة في منطقة تندوف الجزائرية. ويتحرّك المغرب على الصعيدين الدولي والإقليمي، مستفيداً من الدعم الصريح لحليفته فرنسا، ومواصلاً تحييد المستعمر السابق للصحراء، الجارة إسبانيا التي كانت في السابق مصدراً لدعم سياسي ودبلوماسي معتبر لجبهة البوليساريو. وفي وقتٍ تخوض الدبلوماسية الجزائرية معاركها التقليدية في كواليس صنع القرار في كل من نيويورك وواشنطن، أي داخل الأمم المتحدة والإدارة الأميركية، تركّز الدبلوماسية المغربية جهودها أكثر في الجبهتين الجديدتين اللتين فتحتهما في السنوات الأخيرة، في كل من أفريقيا وأميركا اللاتينية.

فقد أبانت القطيعة التي أعلنها المغرب منذ 2016 مع سياسة المقعد الفارغ، عن فعالية كبيرة، رغم اضطراره إلى مجالسة جبهة البوليساريو وقيادييها في لقاءات ومؤتمرات رسمية. وفي وقتٍ تروّج البوليساريو لجلوس المغرب معها داخل قاعات الاتحاد الأفريقي بمثابة اعتراف بالجمهورية التي تفتقد لمكونات الدولة من أرض وشعب وسيادة؛ يحقق المغرب مكاسب كبيرة عبر هذا الحضور، فتصبح الأطراف الأخرى مجبرة على التزام الحياد تجنباً لحالة الانسداد التي يمكن أن يسببها اعتراض المغرب، أو تغليب منطق المصالح الذي يرجّح كفة المغرب.

وبعد نجاح الرباط في احتواء مجلس الأمن والسلم الأفريقي، الذي كان مصدر أكثر الوثائق إزعاجاً للرباط من داخل الاتحاد الأفريقي، بعد أن أصبح المغرب عضواً داخل المجلس بعد عام واحد من استعادته مقعده داخل المنظمة القارية، وهو رئيسه الدوري في شهر سبتمبر/أيلول الحالي؛ يواصل المغرب جهوده لاستكمال تحييد الاتحاد الأفريقي، بجعله "مراقباً" على هامش مسار التسوية الذي تقوده الأمم المتحدة.

وبعدما كان الاتحاد الأفريقي يعيّن مبعوثاً رسمياً إلى الصحراء ويطالب الأمم المتحدة بإشراكه في اجتماعات مجلس الأمن الدولي حول الملف، أصدرت قمة نواكشوط في يوليو 2018 قراراً يحصر دور الاتحاد في متابعة المسار الأممي، مؤسساً "ترويكا" مكونة من ثلاثة رؤساء أفارقة إلى جانب رئيس المفوضية الأفريقية، لمتابعة هذا المسار. وبصرف النظر عن هوية الشخصية التي سيعيّنها الأمين العام للأمم المتحدة كمبعوث شخصي إلى الصحراء في الأسابيع المقبلة، فإن هذا الوافد الجديد سيجد وضعاً جديداً بصدد فرض معطياته، أي أجندات إقليمية ودولية تعلي من قيمة الاندماج والتنمية والاستقرار، ومنطق "لا غالب ولا مغلوب".

المساهمون