قضية إفلاس مستمرة من عهد عبد الناصر

19 نوفمبر 2014
قانون الإفلاس طارد للاستثمارات (إد غيلز/GETTY)
+ الخط -
تراوح القضية مكانها منذ الستينيات من القرن الماضي، وتخص إحدى الشركات التجارية التي يعود تاريخ تأسيسها لعام 1923، والتي أعلنت إفلاسها منذ أكثر من 50 عاماً. حيث أدت التحولات الاقتصادية التي شهدتها مصر مع قيام ثورة 23 يوليو/تموز 1952 ‏إلى تعثر الشركة ورفع الدائنين دعوى إشهار إفلاس للحصول على مستحقاتهم. 
غير أن ‏العلاقات المتشابكة للشركة وتنوع الأصول وتعدد الدائنين بين شركات محلية وأجنية أدى ‏إلى استمرار التفليسة حتى وقتنا هذا، لتنتقل من جيل إلى جيل منذ عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.‏
ويُعرَف الإفلاس بالموت التجاري للمُفلس. إذ عقب صدور حكم يقضي بإشهار ‏الإفلاس، يُحرم أصحاب الشركات من إدارة أموالهم التي تخضع للتصفية ‏بغرض توزيع الناتج على الدائنين.‏
دفعت هذه الحالة التي تعكس الوضع المتردي لآلاف قضايا إفلاس التجار ‏والشركات، "العربي الجديد" إلى الغوص في تفاصيل هذا الملف الاقتصادي ذي ‏الصبغة القضائية، بغرض الوقوف على المعوقات التي تحول دون إصدار ‏أحكام قضائية نهائية. ولا سيما أن نظام الإفلاس يعد أحد العناصر الرئيسية ‏المؤثرة في تقييم جودة المناخ الاستثماري في البلدان.

أوجه الخلل
يقول شريك مكتب النيل للاستشارات القانونية وأستاذ ‏القانون في جامعة المنوفية، الدكتور فارس سلامة، إن نظام الإفلاس المصري ينطوي على أوجه خلل ‏جسيمة تشوّه المناخ الاستثماري. وينعكس ذلك في ترتيب مصر بقائمة دول ‏العالم للإفلاس إذا تحتل المرتبة 146 ضمن 189 دولة وفقاً لإحصاءات ‏‏2013، لتخلف دولاً تعيش مأساة اقتصادية مثل الصومال وفلسطين.‏
ويشير سلامة لـ "العربي الجديد" إلى أن أهمية الإفلاس تكمن في كونه قناة تخارج من ‏الاستثمارات في الحالات القهرية التي تدفع المستثمر إلى تصفية المشروع بعد ‏تراكم الديون والخسائر. وذلك أملاً في الحفاظ على الأصول المتبقية حتى يتمكن من ‏سداد التزاماته والاستفادة من الأصول المتبقية قبل أن تطولها الخسائر. ‏
ويصل متوسط فترة الفصل في قضايا إشهار الإفلاس في مصر إلى أربعة أعوام ‏ونصف العام. بل يعود بعضها إلى حقبة الخمسينيات وفقاً لدراسة مصرية تم ‏إجراؤها في إطار المبادرة الشرق أوسطية الأميركية لإصلاح نظم الإفلاس في ‏الشرق الأوسط. ‏
إحصاءات هامة أخرى كشفت عنها الدراسة التي استهدفت تحليل منظومة ‏الإفلاس المصري. لعل أبرزها أن متوسط قيمة ما يتحصل عليه الدائنون من ‏الأصول محل التفليسة لا يتجاوز 16.7% من إجمالي مستحقاتهم. في حين ‏تصل هذه النسبة في الدول المحيطة مثل تونس والجزائر إلى 50% و37% ‏على التوالي.‏
ويؤكد سلامة صحة هذه المؤشرات بل أنه يلقي الضوء على زاوية بالغة ‏الأهمية ذات صلة بمصروفات دعاوى الإفلاس التي تستهلك في مصر 18% ‏من قيمة أصول التفليسة، لتفوق المتوسط العالمي لمصروفات قضايا الإفلاس ‏والتي تدور حول 10%.‏
ويصف سلامة "أمين التفليسة" الذي يبسط سيطرته على أصول الشركات ‏فور صدور حُكم إشهار إفلاس أصحابها، بأنه الفاعل الحقيقي في إدارة كافة أصول التفليسة وتحديد مصيرها النهائي.
وأمين التفليسة هو محام أو محاسب مُقيد في سجل أمناء التفليسة بالمحكمة ‏الاقتصادية، يُوكل إليه التصرف في أصول التفليسة ورد مستحقات الدائنين ‏وفقاً لحصيلة بيع الأصول.‏
ويقول سلامة إن تدني مؤشرات الإفلاس في مصر ‏يعود بشكلٍ رئيسي إلى الفساد المُقنن الذي يمارسه عدد من أمناء التفليسة في ‏ظل القصور الرقابي لهيئة المحكمة خلال مرحلة تصفية الأصول.‏

عراقيل تصفية الأعمال
‏952 مصنعاً هو عدد المصانع المتعثرة بسبب الأزمات الإدارية والمالية بعد عام 2011 وفقاً ‏لتقديرات وزير الصناعة المصري فخري عبد النور. بما يكشف أهمية ‏تمتع منظومة الإفلاس بقدر من المرونة يسمح لأصحاب الشركات، عند ‏الضرورة، باللجوء إليها لسداد مستحقات الدائنين وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ‏الأصول.‏
وهو ما يؤكده رئيس اتحاد الصناعات المصرية محمد السويدي، قائلاً إنه "لا ‏يمكن أن تعمل الشركات في بيئة آمنة في ظل منظومة الإفلاس الحالية التي ‏تضع العراقيل أمام رجال الأعمال لتصفية أعمالهم في حالة تكبدها الخسائر، ‏ومن ثم فقدان القدرة على سداد التزاماتهم".‏
ويطالب السويدي الحكومة باتخاذ خطوات سريعة لإصلاح المنظومة ‏التشريعية لقضايا الإفلاس "من أجل منح الثقة للشركات بإمكانية التخارج ‏وتصفية أصولها بمرونة خلال أجل زمني قصير يضمن الحفاظ على الأصول ‏التي لم تطولها الخسائر".‏
في حين يؤكد مصدر حكومي لـ "العربي الجديد" أنه تم الانتهاء من صياغة مسودة ‏قانون جديد للإفلاس تخضع للمراجعة والتشاور بين أجهزة الدولة، بهدف ‏تجاوز الصعوبات التي تواجه المستثمرين.‏
ويضيف المصدر أن الحكومة تعي أهمية ترميم المنظومة التشريعية ‏الاقتصادية بما فيها ملف الإفلاس نظراً لدقة المرحلة التي تمر بها البلاد حالياً، ‏واحتياجها لاستثمارات أجنبية مباشرة تفوق عشرة مليارات دولار سنوياً.‏
‏الجوانب الاقتصادية لن تكون الشاغل الوحيد في تقييم جودة قانون الإفلاس ‏الجديد، بل سيتوقف على معالجة الشق السياسي بالقانون الحالي، والذي يمنح ‏النيابة العامة الحق في رفع دعوى إفلاس ضد التجار من تلقاء نفسها. بما يفتح ‏الباب للضغط السياسي على المستثمرين للرضوخ لأي مطالب سياسية، نظراً ‏لأن إشهار الإفلاس يترتب عليه حرمان المستثمر من الترشح لأية انتخابات ‏رئاسية أو برلمانية أو نقابية.‏
دلالات
المساهمون