لعبت الخسائر التي تكبدتها أسهم البورصة المصرية على مدار الأسبوع الماضي دوراً كبيراً في التعجيل بإجراءات قضائية غير مسبوقة، لإخلاء سبيل علاء وجمال نجلي الرئيس المخلوع حسني مبارك وعدد من رجال الأعمال البارزين، أول من أمس الجمعة، وذلك بعد أن كانت محكمة جنايات القاهرة يوم السبت 15 سبتمبر/أيلول، أعادت حبسهم احتياطياً على ذمة القضية بعد 3 سنوات من إخلاء سبيلهم، لكن ما دار في الكواليس خلال الأيام الماضية حمل تفاصيل أكثر من مجرد تأثر الدولة بخسائر البورصة التي بلغت نحو 30 مليار جنيه (1.68 مليار دولار)، إلى الحدّ الذي دفع النظام الحاكم لانتهاج وسائل متناقضة مع أبسط القواعد القانونية لإنهاء الأزمة.
التفاصيل التي روتها مصادر واسعة الاطلاع على دفاع عدد من المتهمين ومحكمة استئناف القاهرة، كشفت الطريقة التي يدير بها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي ومدير الاستخبارات عباس كامل، الأزمات المتعلقة بالشخصيات ذات النفوذ والحظوة المالية والإعلامية، آخذاً في الاعتبار أن المجتمع الاقتصادي في مصر لم يتعرض لهزة خلال السنوات الخمس الماضية، أكبر من تلك التي تعرّض لها الأسبوع الماضي بعد حبس علاء وجمال ورجال الأعمال حسن محمد حسنين هيكل وياسر الملواني وأحمد نعيم، وذلك لارتباطهم جميعاً بشركات ذات ثقل استثنائي في البورصة المصرية مثل "هيرميس" القابضة و"النعيم" القابضة.
كما أن تحركات المجتمع الاقتصادي التي تنوعت بين الهجوم الإعلامي والاتصالات السرية والتهديدات والمساومات، كانت مدعومة بتحركات على المستوى الرسمي من وزراء العدل، والاستثمار، والمالية، ومدير البورصة المصرية؛ وغيرهم من المسؤولين الذين اعتبروا أن حبس علاء وجمال "لتهذيبهما" أو انتقاماً من خروجهما للنور مرة أخرى وقيامهما ببعض الأنشطة التي تجمع حولهما الجماهير، لا ينبغي أن يكون ثمنه تكبيد المستثمرين كل هذه الخسائر، لا سيما أن شركات يشارك في رأس مالها المتهمون حسن هيكل، وياسر الملواني، وأحمد نعيم، وعمرو القاضي، تمثل جزءاً كبيراً من سوق تكرير البترول وإنتاج مواد البناء والعقارات والاستثمارات المالية.
مساعي المحامين ورجال الأعمال لحل الأزمة بدأت بعد ساعات معدودة من صدور قرار الحبس، حين أدى المحامي محمد بهاء أبوشقة، وهو الوكيل القانوني للمتهم ياسر الملواني، دور الوسيط مع السلطة لمعرفة "المطلوب لإخلاء سبيلهم" وفق تعبير أحد المحامين، استغلالاً لحقيقة أن أبوشقة هو الوكيل القانوني للسيسي ويؤدي دوراً مهماً في دائرته الخاصة على المستويين السياسي والتشريعي.
الرسالة التي تلقاها أبوشقة كانت إيجابية، ومفادها بأن ما حدث ليس موجهاً للمتهمين من رجال الأعمال ولكن لعلاء وجمال مبارك للأسباب السياسية التي سبق ذكرها، لا سيما تهكم علاء على السيسي وبعض سياساته عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وسخريته من قبض السيسي على منافسه المحتمل في الانتخابات الرئاسية الماضية سامي عنان.
لذلك كان الجزء الثاني من الرسالة التي نقلها أبوشقة لزملائه المحامين هو أن الدولة ليس لديها مانع من إخلاء سبيل جميع المتهمين، بعدما استعرضت قدرتها على البطش بعلاء وجمال وتحجيمهما، لكن يجب عليهما أن يفكرا في الثمن المناسب لغلق ملف القضية تماماً، وهو أن يقبلا التفاوض، كل منهما على حدة، على دفع جزء من الأرباح التي حققاها في صفقة شراء أسهم المصرف عام 2007 كعرض للتصالح في القضية.
المتهمون الذين احتجزوا في قسم شرطة التجمع الخامس أياماً عدة قبل إخلاء سبيلهم، تم تمكينهم من لقاء محاميهم. بعضهم اعترض على التفاوض من أجل التصالح، ومنهم علاء مبارك، متمسكين بعدم ارتكابهم أي مخالفة وبأن القضية محض "فبركة"، أما شقيقه جمال وآخرون فأدركوا أن هذه الرسالة تعني أنه حتى إذا تم إخلاء سبيلهم قريباً، في الجلسة التي كانت مقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، فإن الإخلاء سيكون مشروطاً بدفع مقابل مالي. الأمر الذي يعني أنهم متهمون مرجحو الإدانة، وأن النظام قرر عدم إغلاق القضية بالبراءة، رغم صدور تقرير لجنة الخبراء لصالح جميع المتهمين.
وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أنه "مساء الاثنين الماضي، وبعد 48 ساعة من قرار الحبس، ظهرت معادلة على بساطتها خطيرة، من شأنها إلغاء أي دور للقضاء أو المحكمة في الأزمة التي تبدو للرأي العام قانونية في الأساس، إذ تلقى المحامون فريد الديب (وكيل علاء وجمال) ومحمد حمودة، وطاهر الخولي، رسالة للقاء مع محمد بهاء أبوشقة بأحد فنادق القاهرة الجديدة، ليخبرهم بأن (الدولة على استعداد لإخلاء سبيل جميع المتهمين قبل الجلسة المقبلة للمحكمة، إذا قبل المتهمون التفاوض على التصالح). هذا العرض يفتقد المنطق القانوني، طارحاً أسئلة عن الجهة التي تملك إخلاء سبيل المتهمين قبل عقد جلسة المحكمة، خصوصاً أن الديب والباقين لم يكونوا قد استقروا إلاّ على تحرك قانوني وحيد هو تقديم طلب لرد المحكمة إلى محكمة استئناف القاهرة، وكان هو الآخر طلباً مرجح الرفض، وفقاً للسوابق القضائية".
أقنع المحامون موكليهم بقبول التفاوض، وسط تساؤلات عن النسبة أو الرقم الذي يمكن أن تقبله الدولة، فقانون الكسب غير المشروع الجديد يلزم المتهم في مرحلة المحاكمة على التصالح بدفع كامل قيمة المخالفة، أما قانون الاستثمار فيسمح بالتصالح في بعض المخالفات مقابل نصف قيمة المخالفة. لكن المشكلة الكبرى هي أن بعض المتهمين لا يمكن تطبيق قانون الكسب غير المشروع عليهم حتى باعتبار الصفقة محل الاتهام متعلقة بالمال العام، أما قانون الاستثمار الصادر عام 2015 فمن غير المنطقي تطبيقه بأثر رجعي على القضية.
المفاوضات تطورت بين المحامين ودائرة السيسي عبر أبوشقة، حتى تم التوصل إلى حل يبدو الأقرب للتطبيق حتى الآن، وهو أن يدان المتهمون جميعاً وبدلاً من أن تقضي المحكمة بالسجن، ستقضي بغرامات تقدرها هي، تعادل نسبة النصف تقريباً من المال المنسوب تحصيله من الصفقة لكل متهم، أي أن تحصل الدولة على نحو 1.5 مليار جنيه (84 مليون دولار) لغلق ملف القضية تماماً، وهو أمر يتماشى مع توجه السيسي للحصول على أكبر قدر من الأموال من رجال الأعمال.
فبحسب قرار الاتهام؛ تحصل أيمن فتحي وأحمد فتحي مالكا البنك الوطني المصري من عملية البيع الفاسدة على نحو مليار جنيه (56 مليون دولار)، وحصلت شركة هيرميس القابضة على أسهم بقيمة تصل إلى مليار جنيه، وشركة النعيم على 366 مليون جنيه (20.5 مليون دولار)، وعلاء وجمال مبارك على 4 ملايين دولار، وشركاؤهما في شركة بليون للاستثمار على 4 ملايين دولار، فضلاً عن العمولات التي حصل عليها بعض المتهمين من عملية الشراء.
بعض المصادر أوضحت لـ"العربي الجديد" أن "أسبقية قرار رد المحكمة على قرار إخلاء السبيل كانت ضرورية شكلاً، لأنه بصدور قرار الرد أصبحت قرارات الدائرة السابقة معلقة في انتظار تحديد الدائرة الجديدة. لذلك حدد رئيس محكمة استئناف القاهرة الدائرة الجديدة لنظر القضية فور صدور قرار الرد، ثم اجتمعت الدائرة الجديدة برئاسة المستشار محمد الفقي بمحكمة جنوب القاهرة، لتصدر على نحو عاجل قراراً بإخلاء سبيل المتهمين وتحدد جلسة 20 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لنظر القضية".
كل هذه الإجراءات الغريبة على القضاء المصري اتُخذت على عجالة صباح يوم الخميس، بترتيب مسبق حاول مدبروه توخي الحدّ الأدنى من القواعد القانونية، رغم تناقضها بوضوح مع قانوني الإجراءات الجنائية والمرافعات، وتجعل شكلياً وعملياً من رئيس محكمة الاستئناف، رقيباً على قرارات القضاة رؤساء دوائر الجنايات، بصورة تعصف بما تبقى من استقلال شكلي للقضاء المصري، وتبرهن على تزاوج السلطتين التنفيذية والقضائية لتنفيذ تعليمات دائرة السيسي.