قصف إماراتي سعودي على حراك وقف حرب اليمن

03 نوفمبر 2018
عادت المعارك إلى الحديدة (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
تظهر التطورات الميدانية المتسارعة في اليمن، خصوصاً بعد قصف صنعاء، فجر أمس الجمعة، بنحو 40 غارة وعودة التصعيد في الحديدة عبر إطلاق عملية عسكرية جديدة فيها، أن التحالف السعودي الإماراتي اختار الرد بالميدان لا عبر المواقف السياسية، على الدعوات المتسارعة، الأميركية خصوصاً، للأطراف اليمنية للاستعداد للعودة إلى المفاوضات. وبدا واضحاً أن التحالف أراد إيصال رسالة واضحة برفضه التوجه الأميركي الجديد تجاه الحرب في اليمن، والذي يأتي في إطار الضغوط التي تمارسها إدارة دونالد ترامب على الرياض لوقف الاقتتال عقب جريمة تصفية الكاتب الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول قبل شهر.

وعلى الرغم من حضور فرضية أن تصعيد التحالف قد يكون محاولة لاستثمار الوقت الممنوح قبل الذهاب إلى المفاوضات (خلال 30 يوماً)، لتحقيق تقدم ميداني من شأنه أن يحسن شروط المفاوضات، إلا أن معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر عسكرية يمنية مطلعة على سير المعارك وأخرى سياسية، لكنها طلبت عدم ذكر اسمها، تعزز الرأي القائل إن ما يجري عبارة عن تصعيد مدروس تقرر في أعقاب الدعوات الأميركية لوقف الحرب في اليمن ضمن مهلة زمنية، والتي كانت أبرزها تصريحات وزيري الدفاع والخارجية الأميركيين، جيمس ماتيس ومايك بومبيو، يوم الثلاثاء الماضي، واللذين شددا على أن الوقت قد حان لتضع الحرب أوزارها، وطالبا الأطراف بالانخراط في المفاوضات التي يجري المبعوث الدولي مارتن غريفيث، تحضيرات لإطلاقها مع نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي. وانضمت إليهما دول عدة تتقدمها فرنسا وبريطانيا.




وأفاد مصدران عسكريان مطلعان على تطورات الساحل الغربي، الذي يخضع قرار التحرك العسكري فيه للإمارات حصراً، في حديث مع "العربي الجديد"، بأنه كانت هناك استعدادات لعملية عسكرية في الحديدة لكنها كانت تنتظر الأوامر التي جاءت مساء الخميس لتنطلق العملية صباح أمس الجمعة. كما لفتا إلى أن الحوثيين حاولوا خلال الأيام الأخيرة استعادة بعض المواقع في الحديدة.
وفيما لم يؤكد المصدران ما إذا كانت العملية ستطول، تحدثا عن وجود كل قادة الألوية والكتائب فضلاً عن ممثلي التحالف للإشراف على التحركات العسكرية.
وأشار أحد المصدرين إلى أن القوات المشاركة في المعارك ستسعى للسيطرة على مناطق عدة في الحديدة بعد منطقة كيلو 16 وجامعة الحديدة في مديرية الدريهمي.
من جهته، قال مصدر سياسي إن الاحتمال الأكبر لسبب بدء عملية الحديدة هو إيصال رسالة بوجود تحرك سياسي سعودي إماراتي رداً على الحراك السياسي الأميركي، وأن الإمارات أرادت ترجمته على الأرض من خلال العملية العسكرية الجديدة. كما دعا إلى عدم استبعاد فرضية أن السعودية أرادت القول بدورها إن المبادرة في اليمن لا تزال بيدها وأنها صاحبة القول الفصل فيها، وأن المعركة في اليمن لن تكون خاضعة لمقايضات، في إشارة إلى ربط الضغط الأميركي بجريمة خاشقجي.

وفيما لم يصدر أي موقف رسمي من الحكومة الشرعية بشأن التصعيد، إلا أنها كانت قد رحبت بشكل متحفظ بالدعوات الدولية الأخيرة للعودة إلى طاولة المفاوضات، مع تقديمها ما يمكن اعتباره شروطاً، بالتشديد على أن أي حلول يجب أن تكون في إطار مرجعيات التسوية وعلى أن شكل الدولة هو التقسيم المقر في مؤتمر الحوار الوطني (ستة أقاليم)، بعد التلميحات الأميركية بمنح الحوثيين حكماً ذاتياً، في إطار تسوية تشمل أيضاً إيجاد مناطق عازلة على الحدود.
كما كان وزير النقل اليمني صالح الجبواني، واضحاً في التحفظ على الخطة الأميركية، قائلاً في تصريحات لوكالة سبوتنيك الروسية، إن "هذه تصريحات وليست خطة ولا برنامجاً ولم يتم تبنيها في مجلس الأمن الدولي، وأي نشاط سلام لا بد أن يمر عبر مجلس الأمن الدولي والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غريفيث، ويكون وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة وفي مقدمتها القرار 2216".
وفي تفاصيل التصعيد الميداني، شهدت الحديدة خلال الساعات الـ24 الماضية، مواجهات عنيفة وموجة ضربات جوية مكثفة، على عكس تطورات الأسبوع المنصرم، والذي شهد تصاعداً في الدعوات الدولية إلى وقف الحرب والعودة إلى المشاورات برعاية الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث.
وأفادت مصادر قريبة من القوات اليمنية الحكومية المشاركة في عمليات الساحل الغربي، في حديث مع "العربي الجديد"، بأنها بدأت، الجمعة، عملية غير مسبوقة تسعى إلى انتزاع السيطرة على مناطق جديدة في مدينة الحديدة من مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بدعم التحالف السعودي الإماراتي، والذي يشارك بضربات جوية مكثفة ضد الأهداف المفترضة للحوثيين".
ووفقاً لمصادر محلية، فقد شهدت الأطراف الجنوبية الشرقية لمدينة الحديدة معارك وُصفت بأنها الأعنف، أمس الجمعة، على امتداد المناطق القريبة من جامعة الحديدة ومطار المدينة وصولاً إلى منطقة كيلو 10، التي يمر منها الطريق بين صنعاء والحديدة. واستخدم الطرفان مختلف الأسلحة، إلى جانب الضربات الجوية للمقاتلات الحربية ومروحيات الأباتشي الهجومية، في مواقع قريبة من مناطق المواجهات، أبرزها في منطقة كيلو 16، التي تعد المحطة التالية بعد كيلو 10، على طريق صنعاء.

وقال المركز الإعلامي لألوية "العمالقة"، وهي القوة الرئيسية المشاركة في العمليات بدعم من التحالف، في بيان أمس الجمعة، إنه تم إطلاق "عملية عسكرية واسعة"، تهدف لـ"تحرير" الحديدة من سيطرة الحوثيين. وبحسب الألوية، فإنها تمكنت من السيطرة على مناطق جديدة في كيلو 16، وصولاً إلى "قوس النصر"، البوابة الشرقية لمدينة الحديدة، وتحدثت عن سقوط العشرات من مسلحي الجماعة وحلفائها بين قتيل وجريح.
من جهتهم، قال الحوثيون إن أربعة مواطنين أُصيبوا بجروح إثر سلسلة غارات على منطقة كيلو 16، في مديرية الدريهمي.
وليست هذه المرة الأولى التي تعود فيها وتيرة العمليات العسكرية بصورة مفاجئة، إذ سبق أن أعلنت القوات الحكومية أكثر من مرة عن استعدادات لاجتياح مدينة الحديدة، وسرعان ما تهدأ وتيرتها في ظل الموقف الدولي الذي يحذر من الآثار الكارثية المحتملة لتصاعد القتال في الحديدة، باعتباره يهدد ميناء الحديدة - الشريان الرئيسي الذي تصل عبره معظم الواردات التجارية والمساعدات الإنسانية إلى اليمن. لكن التوقيت هذه المرة يحمل أكثر من رسالة، خصوصاً بعد تصاعد الدعوات لوقف الحرب.
وقبل ساعات من التصعيد في الحديدة، عاشت صنعاء، فجر الجمعة، على أصوات المقاتلات الحربية، التي حلقت بكثافة في سماء العاصمة وقصفت بأكثر من 40 غارة جوية أهدافاً متفرقة، تركزت معظمها في قاعدة الديلمي الجوية، والتي تعد المقر الرئيسي للقوات الجوية اليمنية، شمال العاصمة. وقال التحالف إنه دمر مواقع إطلاق الصواريخ البالستية والطائرات بدون طيار التابعة للحوثيين في القاعدة الجوية، ولم يصدر تعليق فوري من قبل الجماعة.
كما أشار المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العقيد الركن تركي المالكي، أمس الجمعة، إلى أن قوات الدفاع الجوي للتحالف رصدت، صباح أمس الجمعة، "إطلاق صاروخ بالستي من قبل مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران من داخل الأراضي اليمنية من محافظة (صعدة) باتجاه أراضي المملكة". وأضاف أن "قوات الدفاع الجوي السعودي تمكنت من اعتراض وتدمير الصاروخ داخل الأراضي اليمنية والذي أطلق لاستهداف المناطق المدنية والآهلة بالسكان في منطقة (نجران)، ولم تنتج عن اعتراض وتدمير الصاروخ أي إصابات" .
كما أشار إلى أن "هذه الأعمال العدائية التي تقوم بها مليشيا الحوثي الانقلابية تثبت تورط النظام الإيراني ودعمه لهذه المليشيا الإرهابية، وتؤكد تعنت وتحدي هذه المليشيا للقرارات الأممية الصادرة في هذا الشأن، واستمرارها في تهديد أمن المملكة والأمن الإقليمي والدولي، وإصرارها على مخالفة القانون الدولي الإنساني". وبحسب التحالف، بلغ إجمالي الصواريخ البالستية التي أطلقتها مليشيا الحوثي المدعومة من إيران باتجاه المملكة حتى الآن 206 صواريخ، تسببت في مقتل 112 مدنياً من المواطنين والمقيمين، وإصابة المئات.