وجد التلفزيون الوطني الأيرلندي، بالتعاون مع معهد "مارينو" في العاصمة دبلن، في مهاجر من أصول لبنانية ضالته، عند بحثه عن قصة تعليم ناجحة وذائعة الصيت في البلاد يكون بطلها مدرساً غير أيرلندي المولد.
أراد التلفزيون تسليط الضوء على ندرة وجود غير الأيرلنديين ضمن هيئات التعليم في البلاد، بالتزامن مع صدور نتائج دراسة أطلقها المعهد المذكور، بدعم من وزارة التعليم والمساواة، بيّنت وجود "تمييز" ضد المعلمين المهاجرين، واستبعادهم من التوظيف.
ورشح المعهد المدرس وسام عبد الصمد بصفته نموذجاً ناجحا، مكّن طلابه من حصد جوائز وطنية لاعتماده طريقة مبتكرة في التدريس، بعد أن أظهرت الدراسة الصادرة في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أن 400 معلم مهاجر من حملة الشهادات لا يجدون وظيفة في مدارس أيرلندا رغم الحاجة لملء شواغر الوظيفة. وخلصت إلى أن التنوع الكبير العرقي والطبقي والديني بين طلبة المدارس في إيرلندا، يقابله غالبية عظمى تفوق نسبة 90 في المائة من المدرسين "البيض" و"الكاثوليك" من الطبقة الوسطى الأيرلندية.
ما يميز قصة الشاب وسام حامل الجنسية الأيرلندية منذ عام 2012، إضافة إلى اختياره لتميزه في التدريس، أنه نجح في اختراق النظام التعليمي بحصوله على وظيفة ثابتة عام 2017، بعد العمل بعقود تعليم مؤقتة في البلاد وخارجها.
نظام تعليم لا يقبل الغرباء
يحدثنا وسام أن إقامته في أيرلندا أكثر من 10 سنوات، وحصوله على الجنسية، وتفوقه في دراسة اختصاص التربية والتعليم مسجلاً أعلى تقدير بتاريخ جامعة كورك منذ تأسيسها، وإثبات نجاحه في التعليم واستيفاءه شروط الخبرة، لم تتح له الحصول على وظيفة ثابتة إلا اخيراً بسبب عنصرية النظام التعليمي.
ويعتبر أن دراسة معهد "مارينو" التي أظهرت للعلن حصرية مهنة التعليم بالأيرلنديين وحدهم، والمسعى الرسمي لتأهيل مواطنين من أصول مهاجرة لتثبيتهم لاحقاً خطوة جيدة تخدم التنوع، وتكسر شيئاً فشيئاً حواجز التفرقة والتمييز في المجتمع.
ويشرح لنا أن "توظيف المدرسين لا يحصل بناء على ماذا تعرف، بل من تعرف". كما يشير إلى أن المسؤولين عن التوظيف لا يبحثون عن الكفاءة ولا يقرأون السيرة الذاتية لمقدم الطلب لمعرفة مدى خبرته في المجال وكفاءته، وإنما يتوقفون عند الاسم، ويستبعدونه إذا كان غير أيرلندي ومن أصول مهاجرة.
أراد التلفزيون تسليط الضوء على ندرة وجود غير الأيرلنديين ضمن هيئات التعليم في البلاد، بالتزامن مع صدور نتائج دراسة أطلقها المعهد المذكور، بدعم من وزارة التعليم والمساواة، بيّنت وجود "تمييز" ضد المعلمين المهاجرين، واستبعادهم من التوظيف.
ورشح المعهد المدرس وسام عبد الصمد بصفته نموذجاً ناجحا، مكّن طلابه من حصد جوائز وطنية لاعتماده طريقة مبتكرة في التدريس، بعد أن أظهرت الدراسة الصادرة في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أن 400 معلم مهاجر من حملة الشهادات لا يجدون وظيفة في مدارس أيرلندا رغم الحاجة لملء شواغر الوظيفة. وخلصت إلى أن التنوع الكبير العرقي والطبقي والديني بين طلبة المدارس في إيرلندا، يقابله غالبية عظمى تفوق نسبة 90 في المائة من المدرسين "البيض" و"الكاثوليك" من الطبقة الوسطى الأيرلندية.
ما يميز قصة الشاب وسام حامل الجنسية الأيرلندية منذ عام 2012، إضافة إلى اختياره لتميزه في التدريس، أنه نجح في اختراق النظام التعليمي بحصوله على وظيفة ثابتة عام 2017، بعد العمل بعقود تعليم مؤقتة في البلاد وخارجها.
نظام تعليم لا يقبل الغرباء
يحدثنا وسام أن إقامته في أيرلندا أكثر من 10 سنوات، وحصوله على الجنسية، وتفوقه في دراسة اختصاص التربية والتعليم مسجلاً أعلى تقدير بتاريخ جامعة كورك منذ تأسيسها، وإثبات نجاحه في التعليم واستيفاءه شروط الخبرة، لم تتح له الحصول على وظيفة ثابتة إلا اخيراً بسبب عنصرية النظام التعليمي.
ويعتبر أن دراسة معهد "مارينو" التي أظهرت للعلن حصرية مهنة التعليم بالأيرلنديين وحدهم، والمسعى الرسمي لتأهيل مواطنين من أصول مهاجرة لتثبيتهم لاحقاً خطوة جيدة تخدم التنوع، وتكسر شيئاً فشيئاً حواجز التفرقة والتمييز في المجتمع.
ويشرح لنا أن "توظيف المدرسين لا يحصل بناء على ماذا تعرف، بل من تعرف". كما يشير إلى أن المسؤولين عن التوظيف لا يبحثون عن الكفاءة ولا يقرأون السيرة الذاتية لمقدم الطلب لمعرفة مدى خبرته في المجال وكفاءته، وإنما يتوقفون عند الاسم، ويستبعدونه إذا كان غير أيرلندي ومن أصول مهاجرة.
وفي محاولته لمعرفة آراء نظرائه من المدرسين الأيرلنديين ومدى قبولهم بالتنوع في المجال، سعى وزميلة له من أصول إيرانية للتواصل معهم من خلال منصة إلكترونية للمعلمين، تحوي أكثر من 35 ألف مدرس إيرلندي. ولمس بعد إثارته مواضيع نقاش عن المهنة والتوظيف فيها، أن الغالبية ترفض وجود "دخلاء" على مهنة التدريس في البلاد، على اعتبار أن مضمون التعليم سيتغير إذا قبلت الوزارة بتوظيف "أجانب"، وإن "الغرباء" لا يملكون المعرفة الكافية بالمناهج لتدريسها.
يتذكر الصعوبات التي مرّ بها باحثاً عن عمل، ويقول: "لم أترك مدرسة في مدينة كورك إلا وأرسلت لها سيرتي الذاتية مع شهاداتي وخبراتي ولكنني لم أتلق أي جواب". ويخبرنا أنه سجل 300 ساعة تدريس في بريطانيا بعد أن أمضى 6 أشهر بدون وظيفة، كما درس مواد فوق اختصاصه ليحسن شروط توظيفه في أيرلندا، وهو طريق طويل سبق تثبيته العام الماضي.
ويطلق معهد "مارينو" دورة تدريبية جديدة من نوعها في أيرلندا تشمل 30 مدرساً مؤهلاً من أصول مهاجرة، في يناير/كانون الثاني 2019، وهي مبادرة تندرج ضمن مشروع يوفر المعلومات والنصائح للمشاركين تساعدهم على مواصلة مهنتهم في المدارس التمهيدية وما بعد الابتدائية في البلاد.
التعليم في خدمة العدالة الاجتماعية
يعتبر وسام أن مهنة التعليم هي جزء أساسي من حياته، يحبها ويبرع فيها، ويتخطى أساليب المناهج الجامدة والمقولبة في نقل المعرفة للآخرين. ومنذ بداية عمله في لبنان بعد تخرجه من كلية العلوم فرع العلوم الطبيعية، ونيله الماجستير من الجامعة اللبنانية الأميركية في الهندسة الوراثية، والتعليم ثلاث سنوات في الإمارات، حتى وصوله إلى أيرلندا عام 2008، لم يعلم تلامذته بتقليدية. بل يعلم النقد والتفكير والبحث عن "العدالة الاجتماعية"، ويحفز طلابه على معرفة وفهم ما هو أوسع من المنهج من خلال دروس العلوم والرياضيات. ويقول عن ذلك: "أعلم طلابي كيف يغيرون الحالة بدل أن يصبحوا جزءاً منها".
للوهلة الأولى لا تدرك ما هو المقصود تماماً، ما يدفعك للاستيضاح من وسام وطلب أمثلة تساعد على بلورة الفكرة أكثر. فيقول: "النظام التمييزي لا يمكنه أن يعلم العدالة الاجتماعية، لذلك نجده يطرح أسئلة بحث علمية ترتكز على التمييز، لحل مشاكل تهم الفئات من ذوي الامتيازات الاجتماعية بالدرجة الأولى، مقابل ذلك لا بد أن يشمل التعليم أسباب غياب تلك العدالة، وأسباب حجب جوانب أساسية من المعرفة". ويلفت إلى أن "تاريخ العلوم والرياضيات ذكوري يسيطر عليه الرجال عموماً، وهذا يكشف إلى حدّ ما أسباب حجب أسماء الباحثات والعالمات والمفكرات في مناهج التدريس مثل روزاليند فرانكلين المكتشفة الحقيقية للحمض النووي وغيرها كثيرات، ويغفل دورهن الحقيقي والجوهري في العلوم وتطورها".
ويشير إلى أن "النظام التمييزي في التعليم يتضمن أنواع التمييز كافة مثل العنصرية والطبقية والتمييز على أساس الجنس، ورهاب المثلية وغيرها. ومن مسؤولية المدرس تعريف الطلاب بأسباب ومعاني التمييز في المنهج، فعلى سبيل المثال لا بد أن نناقش أسباب بحث العلماء في أمراض محددة وإهمال أخرى دون إيجاد علاج لها، مثل مرض فقر الدم المنجلي الذي يصيب الأشخاص من أصول أفريقية، أو بدء البحث عن علاجات للإيدز وإيبولا حين بدأ خطرها يهدد المجتمعات الغربية، وأسباب اختراع حبوب منع الحمل للنساء وليس للرجال".
ويقول وسام إن تعليم الطلاب دروساً عن الذرة والحرب النووية لا بد أن يتسع للبحث عن دول الاستعمار كيف استغلت وتستغل مستعمراتها في التجارب النووية، وما يتبعها من خطر على صحة وبيئة وحياة سكان تلك الأماكن مثلاً.
المعرفة ليست حصرية
يخبرنا وسام عن طبيعة التدريس على أساس العدالة والمساواة، ويقول: "حين تمتلك القناعة بالمساواة بين الناس وتطمح للعدالة الاجتماعية تدرك تماماً أن المعرفة ليست ملكية خاصة بالمدرس، بل يصبح التعليم تبادلاً للمعرفة بين التلميذ وأستاذه، بل يجب على التلميذ أن يتفوق على مدرسه في لحظة ما، وهذا أمر من الطبيعي أن يحصل".
ويعترف عبد الصمد بأن تعليم الحرية المسؤولة والاحترام المتبادل والحوار المستمر يؤدي في النهاية إلى انتزاع "القوة" الحصرية التي يمنحها التعليم التقليدي للمعلم داخل الصف. ويقول: "لا ممنوع ولا مفروض في قاعة الصف، وإنما عمل جماعي وتعاوني وتوطيد للصداقة والرفاقية، وهي العلاقة السليمة التي تجعل الجميع حريصين على مصالح بعضهم بعضاً، فمن يعرف أكثر يساعد المقصّر، ومن يتلكأ يلقى اللوم من زميله قبلي".
النقد في التعليم
يرتكز وسام على نظرية علوم التربية الناقدة critical pedagogy، وتمكن من خلال تدريس المواد العلمية لصفوف المرحلة الثانوية، في توسيع آفاق طلابه كماً ونوعاً، وتسجيل نجاحات وحصد جوائر في مسابقات أجرتها وتجريها وزارة التعليم الإيرلندية وأبرزها برنامج المبتكرين الشباب young social innovators على المستوى الوطني.
ويوضح وسام أن نظريات التعليم التي درسها ضمن مواد الاختصاص أثناء تحضيره للدكتوراه ومنها علوم التربية الناقدة، جعلته يدرك أن منهجه الخاص في التعليم التلقائي سبق معرفته بتلك النظريات، والذي استمده من ثقافته الشخصية ومخزون الفكر الماركسي الذي تكون لديه قبل امتهانه التعليم. إذ كان يبحث عن إمكانيات تحقيق العدالة والمساواة بين الناس، ويغذي لدى طلابه حس النقد، والبحث الدائم عن إجابات على أسئلة لا يطرحها المنهج أصلاً.
— Stephen Mulligan (@stephenmulligan) ٨ مايو ٢٠١٨ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
ويقول إنه خلال تحضيره للدكتوراه تعرف على أفكار المربي البرازيلي باولو فرييري، صاحب النظريات المؤثرة في مجال التعليم، وله العديد من المؤلفات وأحدها كتاب "تعليم المقهورين". ويشير إلى تقاطع خطه التعليمي مع فرييري قبل أن يقرأ كتاباته أو يسمع عنه. ذلك الأخير الذي يرى أن التعليم وسيلة للثورة على القهر ونيل الحرية، وأن الحوار بين المعلم والتلاميذ عن تجارب الحياة هو الأساس، وهو نقيض لما يصفه بـ"التعليم البنكي" الذي يحشو أدمغة المتعلمين بمعلومات جاهزة، ويخرّج بشراً وفق قوالب متكررة تكرس استمرارية الأوضاع القائمة.
لذلك ينتقد وسام نظم التعليم الأميركية والبريطانية وما يشبهها كونها "تستغني عن التلميذ الضعيف وتتبنى الأشطر، وهي أنظمة تعليم أثبتت فشلها عالمياً".
الجانب العملي في التعليم
حازت البرامج والمشاريع العملية والتطبيقية التي اشتغل عليها وسام مع طلابه جوائز في المسابقات الوطنية في أيرلندا. أحدها كان تأسيس موقع عن المخدرات مع طلابه. ويقول عن تلك التجربة: "كان لدي مجموعة من الطلاب يعيش بعضهم في مناطق تنتشر فيها المخدرات وعصابات الترويج، ضمناه مقالات ذات طابع علمي بحت بحثناها خلال صفوف العلوم الطبيعية. لم نطلق أحكاماً على المتعاطين والمقيمين هناك، وإنما أوضحنا في الموقع تبعات التعاطي والمتاجرة وتأثيرها على الفرد والمجتمع، لأن المتعاطين والمروجين يعيشون تلك التبعات والمخاطر من دون إدراكها ووعيها". ويشير بفخر إلى أن طلابه "تعلموا من خلال المشروع بناء موقع إلكتروني، واستخدام هذه التكنولوجيا والسوشيال ميديا لنشر الوعي".
ومن التجارب الناجحة والسباقة في المدارس على مستوى الدولة ككل، اشتغال 12 تلميذاً من تلامذته على إعداد وتركيب ألواح للطاقة الشمسية على سطح المدرسة، ويخبرنا قائلاً: "كانت أول مدرسة بأيرلندا تنجح بذلك، وطرح تلامذتي المشروع في مجلس النواب، وناقشنا أمامه أهمية تغيير سياسته التمويلية للمشاريع، ونال مشروع الطاقة الشمسية جائزة ضمن برنامج المبتكرين الشباب". وأصبح الطلاب المرجع لدى الإدارة حين أرادت توسيع التجربة، وشاركوا في جلسات الاستشارة والبحث، وكانت آراؤهم محل تقدير كونهم السباقين في إنجازها.
كما تمكن وسام مع 25 تلميذاً آخرين من المساهمة في تأسيس مكتبة عامة في زامبيا، بجمع التمويل للبناء وإرسال الكتب، ومن المقرر أن يسافروا إلى زامبيا في يونيو/حزيران 2019. كما أنشأوا تطبيقاً عبر الجوال للترجمة باللغتين الإنكليزية والمحلية يساعد المتطوعين ممن يودون السفر إلى زامبيا على التحدث مع السكان هناك. وهذا المشروع نال بدوره العام الماضي جائزة "المدرس الأكثر إلهاما" من برنامج المبتكرين الشباب YSI.
العودة إلى لبنان
يشعر وسام بالفرح لأن عدداً من زملاء المهنة يطلبون منه حضور صفوفه لكي يتعرفوا مباشرة على طريقته في التعليم والتعامل مع التلاميذ. وهذا الفرح وإن كان له جانباً شخصياً، إلا أن جوانبه العاملة تمده بالتفاؤل بأن كسر جمود طرق التعليم ممكنة، وإغناء المنهج بما هو أوسع من الدروس والواجبات المطلوبة يبقى إحدى الغايات المنشودة، بحسب تعبيره.
وفي الختام نسأله عن احتمال نقل تجربته التعليمية إلى وطنه مستقبلاً، كونه الأحوج إلى تعليم أبنائه سبل حل مشكلاته الاجتماعية، فيقول: "بالطبع سأعود إلى لبنان".