قرارات لا تُحتمل

20 أكتوبر 2014
خفض دعم الحروقات يؤثر على السلع (ميغيل ميدينا/فرانس برس/GETTY)
+ الخط -
قامت الحكومة السورية في مناسبات عدة خلال السنوات الاخيرة بزيادة أسعار المازوت وغيره من المشتقات النفطية المدعومة ‏التي توزع في السوق المحلية.‏
وفي عام 2013، كانت الخسارة من قبل الحكومة للمنطقة الشمالية الشرقية الغنية بالنفط، واضطرارها لاستيراد معظم النفط ‏المستهلك، ودفع ثمنه بالعملة الصعبة، واحداً من الاسباب وراء زيادة أسعار المازوت التي استمر ارتفاعها حتى العام الحالي.‏
لكن‎ ‎عملياّ، تتبع الحكومة منذ عام 2008 سياسةّ الإنهاء التدريجي لدعم المازوت.
وعلى المستوى العالمي، يعتبر البنك الدولي‎ ‎وغيره ‏من المؤسسات الدولية،‎ ‎أن الدعم الحكومي‎ ‎للمشتقات النفطية عقبةّ رئيسيةّ امام التطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي. وفي ‏سورية، يندرج رفع الدعم ضمن المبررات التالية: تؤدي أسعار المازوت المتدنية في السوق المحلية إلى زيادة في ‏الاستهلاك وارتفاع معدلات الهدر، وتشجيع تهريب هذه المادة إلى الدول المجاورة حيث تكون أسعارها أعلى بكثير، كما ان السعر المنخفض ‏يشجع على الاستثمار في المشاريع التي تتطلب كثافة رأسمالية بدلاً من الاستثمار في المشاريع التي تتطلب كثافة في اليد العاملة، ‏وبالتالي لا‎ ‎يساهم الدعم في زيادة تشغيل اليد العاملة.‏
ومع ذلك، فإن الحجة الرئيسية لمؤيدي إنهاء الدعم هي أن تكلفة الدعم عالية جداً و"غير محتملة" للحكومة وأن الزيادة في سعر ‏المازوت توفر مالاً يمكن أن تستخدمه الحكومة في مشاريع استثمارية.‏
لكن المشكلة مع هذا المنطق، وغالباً ما يتكرر في دول العالم النامي، هو أنه بينما يرثي "عدم استدامة" الدعم ربطاً بقدرات الحكومة، فإنه نادراً ‏ما يأخذ في الاعتبار "عدم استدامة" الإفادة بالنسبة الى المواطنين.‏
إذن مع زيادة سعر المازوت، تصبح أكلاف التدفئة أعلى بالنسبة إلى المواطنين، مما يزيد معاناتهم من البرد طيلة أيام الشتاء، كما ترتفع ‏تكاليف الزراعة لاعتماد المزارعين على المازوت بكثافة في تشغيل الآلات الزراعية مما يؤدي إلى انخفاض الانتاج الزراعي، ‏وبالتالي ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية. وفي الوقت نفسه يؤدي ارتفاع سعر المازوت إلى زيادة تكاليف النقل مما يزيد ‏ارتفاع اسعار معظم السلع، وستنخفض المقدرة التنافسية للصناعيين الذين يستخدمون المازوت في تشغيل البعض من آلاتهم.‏.. وباختصار، يمكن القول أن لوقف الدعم تأثيرات سلبية على شرائح واسعة من المجتمع.‏
في عام 2008، عندما زادت أسعار المازوت بمقدار ثلاثة أضعاف، وعدت الحكومة‎ ‎السورية بدفع تعويضات نقدية للمواطنين وبطرح استثمارات ‏جديدة في سورية. بالطبع لم يكن هناك أية استثمارات وسببت زيادة سعر المازوت، إضافة إلى نتائج موجة الجفاف التي مرت بالبلاد‎ ،‎انخفاضاّ ‏حاداّ‎ ‎في الانتاج الزراعي.‏
عندما تنتهي الحرب في سورية، سيكون مغرياّ جداّ للحكومة الجديدة حينئذ رفع أسعار المازوت، وأن تتذرع بالدمار الذي لحق بالبلاد، ‏وبحاجتها إلى توفير الاموال لتبرير قراراتها. ومع ذلك، يجب على الحكومة أن تعيَ أنَّه بعد سنوات من الحرب ‎والعديد من ‏السنوات السابقة‎ ‎التي خفّضت من القدرة الشرائية للمواطنين، فإنَّ بعض القرارات ستكون ببساطة "غير محتملة" بالنسبة ‏للسوريين، وسيكون من المهم تشجيع المزارعين على العودة إلى أراضيهم لانتاج المحاصيل، وأن تمنح الصناعيين فرصة ‏لالتقاط أنفاسهم، وأن يشهد الشعب تحسناً في قدرته الشرائية، وأن يشعر بالدفء من جديد‎ ‎طيلة أيام الشتاء.‏
هناك بالتاكيد مبررات جيدة لرفع سعر المازوت، ومن ضمنها الحد من الهدر والتهريب، إلا أنه يتوجب على الحكومة التي ستأتي ‏بعد الحرب أن تدرك أنه بدلاً من اللجوء إلى الحلول السهلة في سد الفجوة في حساباتها المالية، عليها الابقاء على دعم سعر ‏المازوت لسنوات اخرى بعد انتهاء الحرب. وكذك، على الحكومة ان تعلم أن قرار تقديم، أو عدم تقديم، الدعم لمنتج اساسي كالمازوت ‏يجب ان يبنى على رؤيةٍ‎ ‎شاملةٍ للسياسات والأولويات‎ ‎الاقتصادية والتنموية في سورية.‏

*كاتب ومحلل اقتصادي سوري
المساهمون