من فيلم قتل معلن  (أنور عمرو/ فرانس برس)
09 اغسطس 2020
+ الخط -

"أحجار تُلقى واحدة تلو الأخرى لتحرك المستنقع الراكد لذاكرة طفلة، فيتبدى مع كل حجر رمز أو مظهر من مظاهر العنف الممارس عليها في المجتمع، لتستيقظ الطفلة من كوابيسها وقد بللت فراشها". هكذا بدأت المخرجة والممثلة، واحة الراهب، التعريف بفيلمها الأخير "قتل معلن" الذي حاز قبل حوالي شهر على جائزة أفضل فيلم روائي قصير في مهرجان كييف السينمائي في أوكرانيا. يتناول العمل قصة "نور"، الطفلة السورية ذات الـ 11 ربيعاً التي تقطن مع عائلتها في مخيم للاجئين السوريين في لبنان، مع أب عاجز يتنقّل على عكاز، وأم في شهرها الأخير من الحمل مع أولاد صغار.

"نور" التي لعبت دورها الطفلة ماري الصفدي، تلازمها كوابيس يومية، تعكس مخزون العنف الممارس ضد المرأة في ذاكرتها، وعلى جميع الأصعدة حتى الاقتصادية. إذ لا يكفي عملها في الحقول مع أهلها لسداد أجرة الخيمة التي تقطنها في مخيم اللجوء، وهو ما يدفع أهلها لتزويجها من رجل يكبرها سنّاً. تستفيق الطفلة من حلم الاحتفالية بها كعروس، لتغرق بكوابيس يقظة هذه المرة، تخنق حلمها في الهروب بعيداً عن هذا المستنقع.

تقول مخرجة الفيلم، واحة الراهب التي شاركت ضمن المسلسل بشخصية "أم جابر": "حاولت خلال ربع الساعة المتاح لي تمويلياً أن أعبر ليس فقط عن المآسي والمظلومية التي تعيشها المرأة منذ طفولتها، بل تجسيد عنوان الفيلم كتتويج لكل المآسي التي يتعرض لها الشعب السوري بجميع أبنائه وبناته، من قتل معلن على الملأ جهاراً، والعالم يغض الطرف ساكتاً على جريمة العصر، المقتلة الكبرى في العصر الحديث.

الفيلم يعبر عن صرخة طفلة للتحذير من تفشي ظاهرة زواج القاصرات، المخالفة للدستور والقوانين السورية والإنسانية، وإلى الوضع المعيشي السيئ الذي يكابده السوريون في لجوئهم المذل للكرامة الإنسانية، والتشدق بمساعدات الأمم المتحدة التي يلمس المرء في المخيمات مدى زيفها، بينما يدعي العنصريون أن اللاجئين يهدرون أموال البلاد التي يقطنونها". شارك في الفيلم الذي حظي حصوله على جائزة مهرجان كييف باهتمام سوري، الممثلان مكسيم خليل ونجلاء خمري بدور أب وأم "نور".

وأشارت الراهب إلى أن اختيارها وقع على مكسيم خليل لكونه "فنانا موهوبا وملتزما، يحاول صنع بصمة مميزة في كل دور يؤديه، وهو ما حاول فعله في فيلمي، كما أن مواقفه الصادقة مع الثورة تتناغم مع موضوع فيلمي ومصداقية التعبير عن أهلنا الهاربين من عنف النظام إلى مراكز اللجوء. وقد أضاف على مخزون مصداقيته رفضه قبض أي أجر من الفيلم بعدما علم بضآلة الإمكانيات التي صنعنا بها الفيلم، كذلك الأمر بالنسبة لنجلاء. فقد سبق أن لفتت نظري بأدائها المميز وأدوارها، رغم قلتها بسبب ظروف ترحال المغترب المفروضة على المنتمين للثورة. أما الطفلة ماري، فقد وجدتها صدفة بعد طول عناء وبحث، فرض علي وضع إعلان في فيسبوك لأجد ضالتي، فكانت هي". وأشارت الراهب إلى أن الفيلم "بدأ تصويره عام 2018 وانتهى في 2019، في مركز اللجوء في منطقة بر الياس. اختياري لمخيم لجوء هو جزء أساسي من السيناريو، وينبع من رغبتي في التعبير عن واقع أهلنا المؤلم القاسي. إلى جانب ربط تفشي قضية زواج القاصرات بواقع اللجوء المأساوي، وهو ما يوضحه الفيلم رغم تناقضه مع القوانين الإنسانية والمحلية التي تحدد الزواج بعمر الثامنة عشرة. وكم كنت أود لو كان لدي تمويل أكبر لأطرح القضية ومعاناة أهلنا في المخيم بكل تشعباتها، وليس فقط بفيلم مدته ربع ساعة".

"العربي الجديد" سألت الراهب عن احتكار عرض مثل هذه الأفلام في المهرجانات والمسابقات، دون إتاحتها بالقدر الكافي أمام المتلقي السوري أو العربي، فأشارت إلى أن "هذه الأفلام صنعناها عن الناس وهي للجمهور أولاً، وقد تم عرض فيلمي في عدة ملتقيات وتجمُّعات ثقافية للسوريين أو للمهتمين بقضايا المرأة. لكن أغلب المهرجانات تشترط عادة ألا يكون قد سبق عرض الفيلم جماهيرياً لقبوله، وتلك المشاركات مهمة جداً لتسويق الفيلم ومتابعة الجمهور له بشغف أكبر. بالإضافة لكون الجهة الإنتاجية، وهي المخولة بعرضه، كانت تنوي تأخير عرض هذه الأفلام لتقيم موقعها الخاص وتقدم منتجاتها، ولا أعرف لم تأخر ذلك".

وعن ضعف الإنتاج السينمائي السوري رغم وجود الكفاءات القادرة على صناعته، لفتت الراهب إلى أن "ما يعرض من أفلام سورية يجسد تجارب ومشاريع سينمائية لأفراد مبدعين، ولا يعكس السينما كصناعة. إذ تحتاج هذه النصاعة تحديداً إلى تكامل في عناصر إنتاجها، من وسائل إنتاج إلى وسائل عرض إلى آليات وأسواق للتوزيع. وهو الأمر الذي ينطبقُ بشكل أكبر على الفيلم الروائي الذي يتغلغل ويخلد في الوجدان أكثر من الفيلم الوثائقي الذي يقترب قليلاً من المادة الإخبارية الاستهلاكية التي تحتاج الفضائيات لساعات هائلة منها، لضخها في ماكينتها الإعلامية. لذلك، تجد هناك من يمولها ويروج لها أكثر من الفيلم الروائي الطويل الذي يختزل خلاصة الأحداث الواقعية، ليعيد صياغتها بأشكال جديدة إبداعية تلتصق أكثر بوجدان الناس، وتخلّد في ذاكرتهم بعمق أكبر".

وأضافت الراهب أن هذه الأسباب وغيرها، على سبيل المثال، لم تمكِّنها من إيجاد من يمول إنتاج سيناريوهين لفيلمين روائيين طويلين لها لكونهما يتطرقان إلى أحداث الثورة السورية، و"يعكسان حقيقتها وجوهر الثورة التي يحاول الجميع طمس معالمه، إذ لا أحد له مصلحة بانتصار تلك الثورة أو التعبير عن جوهرها الحقيقي، إلا من خلال ضخ مواد استهلاكية لكسب مصداقية لإعلامهم".

نجلاء خمري

وتحدثت الممثلة نجلاء خمري عن دورها بالفيلم للعربي الجديد، وهي تؤدي دور لاجئة سورية، أم تعيش مع زوجها المصاب، وأطفالها في خيمة قماشية لا تقيهم حر الصيف أو برد الشتاء، ويعملون في الحقول بأجور زهيدة حتى يستطيعوا تأمين أقل ما يمكن من قوت يومهم.

وقالت عن الشخصية التي تؤديها "هي امرأة لا حول لها ولا قوة، قسوة الحياة وظروفهم الصعبة تضطرهم لتزويج طفلتهم من شاب يكبرها بكثير، وحاولنا تسليط الضوء على ظروف اللاجئين الصعبة، الذين يعيشون في الخيام عاجزين، مظلومين، مقهورين".

ومضت تقول "حاولنا أن نوصل ماذا يعني أن تسحب طفلة من حضن أهلها ولعبتها لترمى مع رجل غالباً أكبر منها بكثير، هي غير جاهزة لا نفسياً ولا جسدياً لتكون زوجة وأم وتتحمل المسؤوليات".

وعن تجربتها السينمائية الأولى، أشارت خمري إلى أنها كانت سعيدة بالمشاركة في "قتل معلن" مع واحة الراهب، ولا سيما أنها "أبرزت قضية إنسانية وأدت رسالة مهمة".

وعن سبب غيابها عن الشاشة الصغيرة، قالت إن الظروف الحالية منعتها من الذهاب إلى سورية، وتمنت أن تعود قريباً إلى بلدها للمشاركة في الأعمال الدرامية من جديد.

المساهمون