قبل العملية

25 أكتوبر 2018
حان موعد العملية (فاليري شريفولين/ Getty)
+ الخط -
ربما يكون الحصار داخل غرفة، نائماً على ظهرك، منتهك الخصوصية، ممنوعاً من التحرك، منتظراً ذلك الانتظار الطويل، تحتلّك الهواجس وتحاصرك الأصوات والأنفاس، كفيلاً وحده بالقضاء على إحساسك، قبل تخديرك ونقلك إلى غرفة العمليات.

المصل إلى يمينك، تراقب قطراته البطيئة بطء استدعائك إليها، بينما تحاول أن تتذكر كلّ كلمة من ذلك التنبيه الذي تلقيته قبل يوم واحد: "يجب أن تكون هنا عند السابعة والنصف صباحاً". حملت التنبيه ومضيت إلى المنزل ملتزماً بالتدابير المطلوبة، من امتناع عن الأكل والشرب منذ العاشرة مساء، وتجهيز نفسك، بمستنداتك ونقودك وملابسك وأغراضك، لمبيت يوم أو أيام. اتخذت كلّ الإجراءات الكفيلة بالاستيقاظ باكراً والوصول إلى المستشفى في الموعد المحدّد.

تصل إلى المستشفى، وتنهي إجراءات الدخول المتبقية، فبالأمس كان موعد الفحوص الأخيرة، ولم يبقَ غير مبلغ التأمين واستكمال الملف. تحدَّد غرفة لك، ستكون محظوظاً إن لم يكن فيها أحد غيرك الآن، ففي كلّ الأحوال سيكون معك شريك على الأقل، في أيّ لحظة.

تضع أغراضك في الخزانة بالقرب منك. تأتيك الممرضة بملابس المستشفى. تحلق بالشفرة المكان المطلوب للجراحة، أو يُحلق لك إن كان بعيداً عن متناولك. ترتدي الرداء الأبيض المنقط بالأزرق وتتمدد على سريرك. يأتيك أحد الممرضين ويطلب قياس وزنك وطولك في الغرفة المجاورة. تلبّي، ثم تعود. فحوص نبض وضغط بعدها. ثم مصل، تخطئ الممرضة وهي تشكّه في يدك، من دون أن تعلن عن ذلك، فالخطأ ظاهر في الدماء التي تتسارع للخروج من ذراعك إلى الأنبوب بدلاً من دخول سائل المصل فيها.



لا مشكلة. يصحح الوضع، وتنتظر. تنتظر طويلاً جداً حتى تندم على احترام الموعد، بينما تتصل بطاقم الطابق مرة بعد مرة محتجاً من دون أيّ نتيجة: "لم يحن دور عمليتك بعد".
بات لديك شريك غرفة منذ العاشرة. خرج من غرفة العمليات للتوّ، يتألم ويتأوه، ويحاول الممرضون أن يطمئنوه، وهم يعطونه توجيهات أخيرة قبل أن يتركوه.

يخرج الممرضون فيعود زائروك الذين تحولوا إلى مرافقين بعدد كبير، وينتشرون مجدداً في الغرفة كلّها، من دون أن يتوقفوا لحظة عن الكلام، وتناول القهوة والمأكولات الخفيفة. كأنّها فرصة للتطرق إلى مواضيع لا يتحدثون فيها أبداً في مكان آخر. تنزعج وينزعج شريك غرفتك، ويتأوه أكثر طالباً من مرافقيه أن يتركوه قليلاً لينام، عسى أن يفهم مرافقوك ويخرجوا بدورهم، فالكلام لـ "الكنّة كي تفهم الجارة"، على ما يقول المثل. ربما يفهمون ويصمتون قليلاً ثم يعاودون الكلام، وربما لا يبالون أساساً.

كلّ تلك المعاناة حتى الآن، ولم يحن بعد وقت نقلك إلى غرفة العمليات الذي يحلّ أخيراً في الواحدة والنصف... بالسلامة.
دلالات
المساهمون