قائمة فلسطينية لهدم أسوار الغيتو

31 يناير 2015

الكنيست الإسرائيلي المنحل في آخر جلساته (3 ديسمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -
للمرة الأولى، تنجح الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني في بلورة رؤية مشتركة، بالإعلان عن وحدتها، ضمن قائمة مشتركة لخوض الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية (الكنيست) في مارس/آذار المقبل. وضعت نفسها أمام مفترق طرق، وهي تتأهب لخوض الانتخابات البرلمانية بقائمة عربية مشتركة، إذ يتوقف على الاتجاه الذي ستسلكه كثير من مستقبلها ومصيرها، كما الحال لبقية الشعب الفلسطيني، كما يتمحور حوله تحديد مستقبل الداخل الفلسطيني عام 48، لمواجهة الانفلات العنصري الصهيوني الذي يستهدف وجودهم بالدرجة الأولى، مع ارتباط ذلك بالسياسات الإسرائيلية المدمرة القمعية والعنصرية، والتي أفرزت سابقاً تركيبة اجتماعية نادت بـ "الدمج" و "الأسرلة"، وصولاً إلى المساواة داخل "المجتمع الإسرائيلي".
ويأتي هذا الإنجاز التاريخي للمجتمع العربي في الداخل الفلسطيني رداً على سياسات السلطة الوطنية الفلسطينية التي أسهمت بشطب فلسطينيي الداخل من المشروع السياسي الفلسطيني "الرسمي"، وحاولت إخراجهم من الحل، فعندما تتبنى هذه السياسات مقولة "أنتم إسرائيليون، ولا نريد أكثر من تضامنكم"، فإنما كانت تدفع بهم نحو "الأسرلة"، ولعل المرارة والسخرية تتجلى في النظرة الاستخدامية لهم من بعض النظام الرسمي العربي، أيضاً، والذي يشترك، في هذه النظرة، مع طروحات السلطة الفلسطينية التي تتلاعب بمستقبلهم ومصيرهم، ليكون عرب الـ48 ضمن مثلث الأضلاع، الإسرائيلي والعربي والفلسطيني، الذي يحاول اقتلاع شوكة السكان الأصليين، فبدلاً من دعم عربي وفلسطيني لديناميتهم الخاصة والتعويل عليها، وتمتين الترابط مع قضيتهم الأم، يجري إهمال قضيتهم، والتآمر عليها وتهميشها، والتساوق مع المفاوضات المنادية بعملية تبادل الأراضي، المستهدف فيها من صمد أكثر من ستة عقود فوق أرضه، وترحيله إلى مناطق أخرى تشرف عليها السلطة الفلسطينية.
ارتكزت خطوة القائمة المشتركة على مطلب جماهيري، يطلق عليه الإسرائيلي تسمية "الأقلية العربية" في إطار الاستيعاب، أو التهويد، ما أمكن. ويطلقون على أنفسهم أصحاب الأرض
الأصليين الذين أثبتوا، في وحدة قرارهم وتشكيلهم السياسي، أنه الذي يؤمن لهم صد محاولات استئصالهم وطردهم خارج الحوزة الجغرافية والبشرية للمشروع الصهيوني. وفي خطوتها هدم لأسوار الغيتو الذي أقامه وينادي به عتاة الصهيونية. ومن هنا، يتضح أن الدور الطبيعي لسكان البلاد الأصليين لا يكون إلا في إطار المشروع الوطني الفلسطيني، وفي الهوية العربية، شاء بعضهم أم أبى، وعلى قاعدة التكامل مع قطاعات الشعب الأخرى، لا بمعزل عنها، كما يطمح بعضهم، ولتأسيس عمل جماعي وحدوي، يستطيع إيقاف اندفاعة الفاشية الصهيونية.
امتلكت الأحزاب العربية تجربتها الخاصة في العمل السياسي والبرلماني، ما مكّنها من فضح الادعاء الصهيوني الخاص بمقولات الديمقراطية والمواطنة والمساواة لتجميل صورة "إسرائيل" في عيون أصحاب هذه الدعوات. واستطاعت أن تزيل الغشاوة والغموض من أمام المراهنين على النوايا الصهيونية التي كانت سياساتها مدخلاً لتمسيخ السكان الأصليين وتهميشهم وإخراجهم من دائرة الصراع.
لعبت السياسة الرسمية الفلسطينية، بعد "أوسلو" دوراً مهماً في الالتفاف على الدور المتنامي والمتصاعد لعرب الـ48، واتجهت نحو "الفلسطنة" المسقطة لهم، ولدورهم من الانخراط في المشروع الوطني الفلسطيني. ثم أغلقت الأبواب أمامهم، وأبقت فقط الحالة الدعائية لقضية القدس.
أدرك الفلسطينيون، في المثلث والنقب والجليل والقدس، النظرية الفلسطينية والعربية القائمة على شعار "الاستخدام" الظرفي والدعائي للقضية الأساس، وكانت قراءتهم أكثر دقة وعمقاً لظروفهم، فكانت خياراتهم تعبيراً عن انتمائهم العربي والفلسطيني وتمسكهم بهويتهم ضد سلاح التذويب والأسرلة، وغادر شعار القضايا "المطلبية" الملحة قاموسهم السياسي، ليحل محله هبة في النقب ضد الاستيطان ومصادرة الأراضي ومرابطة في القدس ضد التهويد، واشتقوا في المثلث والجليل استراتيجية نهائية لمواجهة عتاة التطرف والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي.
ليس مسعى القائمة المشتركة الفوز بعدد مقاعد في الكنيست فقط، مع أهمية ما تشكله من أساس صالح لمواصلة نضالها ضد الطابع اليهودي للدولة، لكن ذلك كله في حاجة إلى توفير بيئة اقتصادية واجتماعية وثقافية، وإلى أداة تنظيمية، تدعم صمود السكان الأصليين، بعيدا عن الدعائية، وتوفير عوامل مساعدة فلسطينية وعربية ودولية، تمكنها من تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 48، وتحميهم من سياسة التهجير المتربصة بهم.
هنيئاً للشعب الفلسطيني تجربته الوحدوية، وعلى القوى المتصارعة في مناطق السلطة الفلسطينية أن تستخلص الدروس والعبر من تجربة شعبها في الداخل الفلسطيني، لأنه، معها وبها، يتقرر مصير الشعب الفلسطيني ككل.

AF445510-4325-4418-8403-7DA0DAAF58C1
نزار السهلي
كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في فرنسا يقول: طقسٌ رتيب في الرحيل وشقاء ولجوء، يعقبه حلم لا ينطفىء في زمن غير معلوم تحدده الإرادة العليا، هي ملامح سحنتي التي تشبه انتحاب اللاجئين في المُثل الواهمة.