في وداع محمود عبد العزيز...أفلام طغى عليها "رأفت الهجان"

13 نوفمبر 2016
"رأفت الهجان" درة محمود عبد العزيز جماهيرياً(العربي الجديد)
+ الخط -


شكل المسلسل التليفزيوني "رأفت الهجان" جزءا مهما من مخيلة عدة أجيال عربية، إذ كان نموذجا لحالة مفتقدة تمثل الانتصار على العدو الصهيوني، وقت أن كان العرب يعادونه صراحة شعبيا ورسميا، ولا شك أن المسلسل منح بطله محمود عبد العزيز جزءا كبيرا من بريقه كنجم.

لكن التعاطي مع النجم الراحل باعتباره صاحب "رأفت الهجان" فيه الكثير من الظلم لممثل موهوب قدم عشرات الأعمال المهمة، وتجول في أدوار متنوعة مخالفا قوالب التصنيف الشائعة في الفن العربي.

حظي المسلسل بنجاح واسع، وما زال، لكنه حظي أيضا بإمكانات لم تتوفر لغيره من الأعمال، حيث وفر له منتجه التليفزيون المصري كل عوامل النجاح؛ ميزانية مفتوحة، ونجوم أمام الكاميرا وخلفها، ودعاية ضخمة، وكان كل ذلك ضمن أسباب نجاحه إلى جانب نص مهم للكاتب المتمرس في أعمال الجاسوسية والمخابرات صالح مرسي وإدارة المخرج الكبير يحيى العلمي.

وبغض النظر عن بعض المبالغات الدرامية والأخطاء التاريخية، فإنها تظل هامشية في مسلسل طويل من ثلاثة أجزاء يستعرض سنوات ممتدة شهدت أحداثا كثيرة.

يبقى "رأفت الهجان" درة محمود عبد العزيز جماهيريا، لكن المتتبع لتاريخ الفنان الراحل يدرك جيدا أنه ليس أهم أعماله، وربما ليس ضمن الأعمال العشرة الأهم في مسيرته.

بدأ عبد العزيز مشواره الفني منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حيث قدمه المخرج المبدع نور الدمرداش، والذي مرت يوم السبت ذكرى ميلاده في صمت (1925- 1994)، في مسلسل "الدوامة"، قبل أن يقدمه المخرج عاطف سالم في فيلم "الحفيد" الذي يعد واحدا من أبرز كلاسيكيات السينما المصرية.


لكن بدايته الحقيقية مع النجومية كانت في الثمانينيات، رغم أنه قدم في السبعينيات أكثر من 25 فيلما، بينها أفلام من بطولته، استغل معظمها وسامته بدلا من موهبته الطاغية.

في مطلع الثمانينيات انتبه محمود عبد العزيز إلى محاولات حصره في أدوار الشاب الوسيم، فقرر التمرد على هذا التصنيف. في فيلم "العار" للمخرج علي عبد الخالق، وهو أحد أفلام قائمة المائة الأهم في تاريخ السينما المصرية، قدم شخصية الطبيب النفسي الذي يصاب بلوثة عقلية بعد أن يضحي بكل مبادئه لصالح خطة مزعومة لإنقاذ العائلة من الفضيحة، ويبقى مشهد نهاية الفيلم الذي يغني فيه "الملاحة.. الملاحة" شاهدا على ميلاد جديد لنجم كبير.

في العام التالي 1983، وبينما كان لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره، قام بتأدية دور والد فتاة مراهقة، قدمتها النجمة شريهان في فيلم "العذراء والشعر الأبيض" إلى جوار نبيلة عبيد. وبعد عامين، قدم خلالهما أفلاما متباينة، استعاده المخرج علي عبد الخالق مجددا في "إعدام ميت"، والذي كان بداية جديدة للنجم الموهوب، حيث قدم الملحمة الوطنية المغلفة بالكوميديا، كما كان مقدمة للاستعانة به لبطولة "رأفت الهجان".

في العام نفسه، قدم أحد أشهر أعماله على الإطلاق "الكيف"، والذي ثبت فيه أقدامه كنجم كوميديا حقيقي في السينما المصرية التي لم تكن تعترف بالكوميدي الوسيم، فالوسيم عادة هو نجم أفلام الرومانسية، منذ أنور وجدي ورشدي أباظة وكمال الشناوي وعمر الشريف وأحمد رمزي، بينما نجوم الكوميديا هم علي الكسار ونجيب الريحاني وإسماعيل يس.

بعد النجاح الواسع لفيلم "الكيف" الذي شاركه بطولته يحيى الفخراني، واصل محمود عبد العزيز البطولات الجماعية رغم أنه بات اسما مطلوبا للبطولات الفردية، حيث قدم دور العقيد توفيق شركس في فيلم "البريء"، وهو أيضا أحد أفلام قائمة أفضل مائة فيلم مصري. وهذه المرة ظهرت بوضوح موهبته المتفردة في دور غاية في الصعوبة، أجاد كتابته وحيد حامد واختاره له المخرج عاطف الطيب، رغم أنه قبل عام واحد قدم في "الكيف" دورا لا يتصور معه القسوة والانفصام النفسي، الذي يتطلبه دور ضابط السجن السادي متقلب المزاج.

قدم محمود عبد العزيز أفلاماً عدة، تتطلب موهبة غير عادية، خاصة تلك التي تعالج مشكلات النفس البشرية، ومنها فيلم "الحدق يفهم" الذي يدور حول شخصية المجرم الهارب الذي يتنكر في زي شيخ، فيظنه أهل قرية مصرية بسيطة شيخا حقيقيا صاحب كرامات.

ولا يمكن في السرد، تجاهل فيلم "الدنيا على جناح يمامة" لوحيد حامد وعاطف الطيب، حيث تظل شخصية "بلحة" نزيل مستشفى الأمراض العقلية في الفيلم، رغم أنها لم تظهر على الشاشة إلا دقائق معدودة، أحد أهم أدواره الكثيرة المتميزة، وربما هي أيقونة الفيلم الذي لم يحظ بنجاح واسع.

استثمر محمود عبد العزيز نجاح "الكيف" في تقديم الأفلام الكوميدية والساخرة، وبينها "السادة الرجال" الذي قدم فيه بعفوية حالة الاضطراب التي تصيب رجلا تجري زوجته جراحة حديثة فتتحول إلى رجل مثله بعد أن رفض طلاقها، وفيلم "سمك لبن تمر هندي" الذي يتناول اتهام الشرطة لأي شخص بالإرهاب دون أدلة، وفيلم "سيداتي آنساتي" الذي تقرر فيه ثلاث صديقات الزواج من رجل واحد يخترنه معا، والأفلام الثلاثة من إخراج رأفت الميهي.

لكن درة أفلامه الكوميدية يظل "الكيت كات" من إخراج داوود عبد السيد، فدور الشيخ حسني تجاوز به محمود عبد العزيز نجاحه المدوي في دور المطرب الشعبي في "الكيف"، وإن كرر فيه الأداء الغنائي المحبب للجمهور، وبينما لا ينسى الجمهور أغنية "يا قفا" وتعبير "أحبك يا ستاموني" في "الكيف"، فإن كثيرين يحفظون أغنية "يلا بينا تعالوا" وتعبير "بتستعماني يا هرم" من "الكيت كات".

وعلى عكس فورة النشاط والتميز التي شهدتها مسيرة محمود عبد العزيز في ثمانينيات القرن الماضي، فإن التسعينيات لم تكن على نفس القدر من الوهج، فبعد عرض الجزء الثالث والأخير من "رأفت الهجان" في 1992، تراجعت أسهمه كثيرا خلال هذا العقد، وإن واصل تقديم فيلم بشكل شبه سنوي. ربما حافظ على شيء من بريقه في فيلمي "سوق المتعة" و"الساحر" مطلع الألفية الثالثة، لكن هذا العقد لا يقارن أبدا بسابقيه.

أما الفيلمان الأخيران في مسيرته "ليلة البيبي دول"، و"إبراهيم الأبيض"، فيمكن اعتبارهما محاولتين شبه ناجحتين لاستغلال اسمه في التسويق، الفيلم الأول توفرت له أغلب عوامل النجاح لكنه لم يحقق النجاح، والفيلم الثاني طغى فيه دور محمود عبد العزيز القصير على دور بطله أحمد السقا.

وكما تم استغلال اسمه في الفيلمين السابقين، فإن المسلسلات الخمسة الأخيرة التي قام ببطولتها كانت نوعاً من المشروعات التجارية التي اعتمد تسويقها على اسمه وتاريخه، دون أن تقدم له شخصيا أي إضافة فنية، وإن دعمت موقفه المالي.
المساهمون