19 يناير 2024
في معنى فوز ترامب لأميركا والعالم
شكّل فوز دونالد ترامب مفاجأة صاعقة لكثيرين من الأميركيين ومتابعي الانتخابات الأميركية في العالم، والأهم أن فوزه كان ضربةً لكل استطلاعات الرأي وشركات الإعلان التي توقعت فوز هيلاري كلينتون بنسبة مريحة تقريباً في كل استطلاعات الرأي الوطنية (على مستوى الولايات المتحدة)، أو تلك المحلية التي جرت في ما يسمى الولايات المتأرجحة، كولايات فلوريدا وأوهايو وبنسلفانيا وغيرها.
هناك طريقتان لقراءة فوز ترامب، تحليل تقني لفوزه المفاجئ عبر الغوص في كيفية جمعه أصوات ما يسمى المجمع الانتخابي في كل الولايات الأميركية، وهو ما يظهر تقريباً التحالف الذي صعد بترامب إلى سدة رئاسة الولايات المتحدة. وهناك، بكل تأكيد، تحليل آخر تفسيري، وهو يحاول الغوص في تفسير الفوز على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي في الولايات المتحدة، وهو، بكل تأكيد، يختلف بشكل كبير طبعاً لخلفية المحلل أو قارئ الأحداث. ومن الصعب أن تتفق على رأي واحد بهذا الشأن، بدليل التحليلات المتضاربة التي قدمتها قيادات الحزب الخاسر (الحزب الديمقراطي) لفوز ترامب، بما فيها الرئيس باراك أوباما نفسه الذي قدّم رأيه في مقابلةٍ خاصةٍ مع مستشاره السابق، ديفيد أكسيلورد، والتي اعتبر فيها أن فوز ترامب لا يعود إلى أن الحزب الديمقراطي تجاهل الطبقة العاملة البيضاء الأكثرية التي صوّتت بأكثريةٍ لترامب، وإنما لضعف التواصل بين قيادة الحزب الديمقراطي وهذه المجتمعات المحلية في الولايات المختلفة.
وهو الرأي الذي يخالفه فيه بيرني ساندرز المرشح الديمقراطي السابق الذي خسر الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي أمام هيلاري كلينتون، والذي يدافع الآن بقوة عن رأيه في أن الحزب الديمقراطي يجب أن يكون صوت الطبقة العاملة في أميركا، وأن خسارة كلينتون الانتخابات إنما يعود، بشكل رئيسي، إلى أن الحزب الديمقراطي أدار ظهره للطبقة الوسطى، واستطاع ترامب أن يكسب صوتها، لأنه أظهر مواقف ضد التجارة الحرة التي نقلت صناعات ومعامل كثيرة خارج الولايات المتحدة، ما أفقد كثيرين من عمال الطبقة الوسطى وظائفهم. ولذلك، على الحزب الديمقراطي أن يشدّد على ضرورة الدفاع عن مصالح الطبقة الوسطى وأهدافها.
لكن، إذا عدنا إلى التحليل التقني الذي يظهر فوز ترامب بأكثر من 200 مقاطعة انتخابية، فاز
فيها أوباما في السابق، تظهر أن معظم هذه المقاطعات الانتخابية تتركّز في المناطق الريفية. وبالتالي، يمكن القول إن ترامب حصل على أصوات 306 من المجمع الانتخابي، فيما حصلت هيلاري على 232 صوتا من المجمع الانتخابي، في حين فازت بالأصوات الشعبية بأكثر من مليوني صوت (بالضبط 2 مليون و800 ألف صوت)، ما يعكس ما يمكن تسميته "الشرعية الانتخابية" للرئيس ترامب.
تظهر الخريطة الانتخابية أن ترامب حصل على أصواتٍ أقل بكثير من المرشح الجمهوري ميت رومني في انتخابات عام 2012، وعلى الرغم من ذلك فاز بالانتخابات، ما يعني أن تصويتاً عالياً كان لترامب في المقاطعات الريفية، ولم يكن هناك كثافة بالتصويت مقابلة للمقاطعات المدينية التي صوّتت لكلينتون، ما رجّح فوز الولايات المتأرجحة لترامب على حساب كلينتون.
وإذا دققنا في التفاصيل أكثر، لوجدنا أن 53%من الرجال صوّتوا لصالح ترامب، مع 41% صوتوا لكلينتون، ومع عكس هذه النسب تقريباً، نكون قد فهمنا أن ورقة "المرأة المرشحة" لم تجلب لكلينتون أصواتاً كثيرة من شأنها أن تقلب التصويت لمصلحتها. وبالنسبة للناخبين البيض (يشكلون 70% من الناخبين)، فقد فاز ترامب بـ 58% وكلينتون بـ 37%، في حين فاز المرشح الديمقراطي بتأييد أغلبيةٍ كبيرة من الناخبين السود، 88% مقابل 8% فقط لترامب، وكذلك الأمر بالنسبة للناخبين من أصل إسباني، 65% إلى 29% له. أما النساء البيض، فقد فضلوا ترامب بنسبة 53% مقارنة مع 43% لهيلاري كلينتون.
الغريب أنه، على الرغم من تصريحات ترامب السلبية جدا ضد الأقلية من أميركا اللاتينية، حين وصف "الهسبانك"، كما يطلق عليهم، وخصوصاً أولئك القادمين من المكسيك، بأنهم مجموعة من القتلة والمغتصبين، فإنه حصل على تصويت 29٪ من الناخبين من أصول إسبانية الذين دعموا ترامب بنسبة أكبر من 27% الذين صوتوا لصالح ميت رومني، المرشح الجمهوري السابق والخاسر أمام أوباما في عام 2012، على الرغم من تصريحات ترامب حول المكسيكيين، وخططه لبناء جدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.
بالنسبة للطبقات حصلت كلينتون على تصويت غالبية الناخبين، ذوي الرواتب المتدنية، مع 52% من ذوي الدخل أقل من خمسين ألف دولار سنويا مقارنة مع 41% التصويت لصالح ترامب. أما من بين هؤلاء الذين يكسبون أكثر من خمسين ألف دولار فإن ترامب فاز بنسبة 49%، مقارنة مع 47% لهيلاري.
كان هناك تحول كبير للناخبين دون شهادة الدراسة الثانوية، فقد صوت لترامب 51% من
حملة الشهادة الثانوية مقارنة بـ 45%. لكلينتون في حين حصل الرئيس أوباما على دعم 64% من هذه المجموعة مقارنة مع 35% لميت رومني عام 2012. وفاز ترامب في التصويت في الريف بنسبة 62% إلى 34% والتصويت في الضواحي بنسبة 50% إلى 45%، في حين فازت هيلاري في التصويت في المناطق الحضرية بنسبة 59% إلى 35%.
يمكن القول إن ترامب عملياً فاز في الريف، مع ذوي التعليم ما دون الجامعي، وضمن الطبقات البيضاء حصراً، من دون الحصول على تصويت مرتفع من ضمن الأقليات، ما يعني أنه اكتفى بالحصول على أصوات البيض من دون أصوات الأقليات، كالسود أو القادمين من أميركا اللاتينية أو المسلمين وغيرهم، وهذا كان كافياً بالنسبة لترامب كي يفوز بالانتخابات. في النهاية، يمكن القول إن القاعدة الانتخابية لترامب اقتصادية بشكل رئيسي، وليست أيديولوجية، على الرغم من تصريحات ترامب العنصرية تجاه الأقليات والنساء وغيرها من الطبقات. وعلى الرغم من أن محللين وضعوه في خانة اليمين المتطرّف، إلا أنه في الحقيقة بعيد عن هذا التصنيف، وهو أقرب إلى الشعبوية منه إلى أيديولوجيا اليمين المتطرّف.
لذلك، يمكن القول إن أجندة ترامب ستكون اقتصادية بالضرورة، هدفها رفع نسبة النمو داخل الولايات المتحدة التي استقرت على 1.8، وهي أدنى نسبة نمو منذ 1948. وبالتالي، ستكون تحديات ترامب الشخصية اقتصادية، وعلى العالم، بشكل أو بآخر، أن يتعامل مع رئيسٍ كل مفرداته قادمة من سوق العقارات وعقد الصفقات، ليس لديه أجندات أيديولوجية معينة، أو سياسة خارجية محدّدة. لكن، ربما تتغير الأمور، عندما يجد ترامب نفسه في البيت الأبيض، ويواجه تحدياتٍ ومشكلات داخلية وخارجية غير متوقعة، ومن خارج حدود معرفته الفقيرة.
هناك طريقتان لقراءة فوز ترامب، تحليل تقني لفوزه المفاجئ عبر الغوص في كيفية جمعه أصوات ما يسمى المجمع الانتخابي في كل الولايات الأميركية، وهو ما يظهر تقريباً التحالف الذي صعد بترامب إلى سدة رئاسة الولايات المتحدة. وهناك، بكل تأكيد، تحليل آخر تفسيري، وهو يحاول الغوص في تفسير الفوز على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي في الولايات المتحدة، وهو، بكل تأكيد، يختلف بشكل كبير طبعاً لخلفية المحلل أو قارئ الأحداث. ومن الصعب أن تتفق على رأي واحد بهذا الشأن، بدليل التحليلات المتضاربة التي قدمتها قيادات الحزب الخاسر (الحزب الديمقراطي) لفوز ترامب، بما فيها الرئيس باراك أوباما نفسه الذي قدّم رأيه في مقابلةٍ خاصةٍ مع مستشاره السابق، ديفيد أكسيلورد، والتي اعتبر فيها أن فوز ترامب لا يعود إلى أن الحزب الديمقراطي تجاهل الطبقة العاملة البيضاء الأكثرية التي صوّتت بأكثريةٍ لترامب، وإنما لضعف التواصل بين قيادة الحزب الديمقراطي وهذه المجتمعات المحلية في الولايات المختلفة.
وهو الرأي الذي يخالفه فيه بيرني ساندرز المرشح الديمقراطي السابق الذي خسر الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي أمام هيلاري كلينتون، والذي يدافع الآن بقوة عن رأيه في أن الحزب الديمقراطي يجب أن يكون صوت الطبقة العاملة في أميركا، وأن خسارة كلينتون الانتخابات إنما يعود، بشكل رئيسي، إلى أن الحزب الديمقراطي أدار ظهره للطبقة الوسطى، واستطاع ترامب أن يكسب صوتها، لأنه أظهر مواقف ضد التجارة الحرة التي نقلت صناعات ومعامل كثيرة خارج الولايات المتحدة، ما أفقد كثيرين من عمال الطبقة الوسطى وظائفهم. ولذلك، على الحزب الديمقراطي أن يشدّد على ضرورة الدفاع عن مصالح الطبقة الوسطى وأهدافها.
لكن، إذا عدنا إلى التحليل التقني الذي يظهر فوز ترامب بأكثر من 200 مقاطعة انتخابية، فاز
تظهر الخريطة الانتخابية أن ترامب حصل على أصواتٍ أقل بكثير من المرشح الجمهوري ميت رومني في انتخابات عام 2012، وعلى الرغم من ذلك فاز بالانتخابات، ما يعني أن تصويتاً عالياً كان لترامب في المقاطعات الريفية، ولم يكن هناك كثافة بالتصويت مقابلة للمقاطعات المدينية التي صوّتت لكلينتون، ما رجّح فوز الولايات المتأرجحة لترامب على حساب كلينتون.
وإذا دققنا في التفاصيل أكثر، لوجدنا أن 53%من الرجال صوّتوا لصالح ترامب، مع 41% صوتوا لكلينتون، ومع عكس هذه النسب تقريباً، نكون قد فهمنا أن ورقة "المرأة المرشحة" لم تجلب لكلينتون أصواتاً كثيرة من شأنها أن تقلب التصويت لمصلحتها. وبالنسبة للناخبين البيض (يشكلون 70% من الناخبين)، فقد فاز ترامب بـ 58% وكلينتون بـ 37%، في حين فاز المرشح الديمقراطي بتأييد أغلبيةٍ كبيرة من الناخبين السود، 88% مقابل 8% فقط لترامب، وكذلك الأمر بالنسبة للناخبين من أصل إسباني، 65% إلى 29% له. أما النساء البيض، فقد فضلوا ترامب بنسبة 53% مقارنة مع 43% لهيلاري كلينتون.
الغريب أنه، على الرغم من تصريحات ترامب السلبية جدا ضد الأقلية من أميركا اللاتينية، حين وصف "الهسبانك"، كما يطلق عليهم، وخصوصاً أولئك القادمين من المكسيك، بأنهم مجموعة من القتلة والمغتصبين، فإنه حصل على تصويت 29٪ من الناخبين من أصول إسبانية الذين دعموا ترامب بنسبة أكبر من 27% الذين صوتوا لصالح ميت رومني، المرشح الجمهوري السابق والخاسر أمام أوباما في عام 2012، على الرغم من تصريحات ترامب حول المكسيكيين، وخططه لبناء جدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.
بالنسبة للطبقات حصلت كلينتون على تصويت غالبية الناخبين، ذوي الرواتب المتدنية، مع 52% من ذوي الدخل أقل من خمسين ألف دولار سنويا مقارنة مع 41% التصويت لصالح ترامب. أما من بين هؤلاء الذين يكسبون أكثر من خمسين ألف دولار فإن ترامب فاز بنسبة 49%، مقارنة مع 47% لهيلاري.
كان هناك تحول كبير للناخبين دون شهادة الدراسة الثانوية، فقد صوت لترامب 51% من
يمكن القول إن ترامب عملياً فاز في الريف، مع ذوي التعليم ما دون الجامعي، وضمن الطبقات البيضاء حصراً، من دون الحصول على تصويت مرتفع من ضمن الأقليات، ما يعني أنه اكتفى بالحصول على أصوات البيض من دون أصوات الأقليات، كالسود أو القادمين من أميركا اللاتينية أو المسلمين وغيرهم، وهذا كان كافياً بالنسبة لترامب كي يفوز بالانتخابات. في النهاية، يمكن القول إن القاعدة الانتخابية لترامب اقتصادية بشكل رئيسي، وليست أيديولوجية، على الرغم من تصريحات ترامب العنصرية تجاه الأقليات والنساء وغيرها من الطبقات. وعلى الرغم من أن محللين وضعوه في خانة اليمين المتطرّف، إلا أنه في الحقيقة بعيد عن هذا التصنيف، وهو أقرب إلى الشعبوية منه إلى أيديولوجيا اليمين المتطرّف.
لذلك، يمكن القول إن أجندة ترامب ستكون اقتصادية بالضرورة، هدفها رفع نسبة النمو داخل الولايات المتحدة التي استقرت على 1.8، وهي أدنى نسبة نمو منذ 1948. وبالتالي، ستكون تحديات ترامب الشخصية اقتصادية، وعلى العالم، بشكل أو بآخر، أن يتعامل مع رئيسٍ كل مفرداته قادمة من سوق العقارات وعقد الصفقات، ليس لديه أجندات أيديولوجية معينة، أو سياسة خارجية محدّدة. لكن، ربما تتغير الأمور، عندما يجد ترامب نفسه في البيت الأبيض، ويواجه تحدياتٍ ومشكلات داخلية وخارجية غير متوقعة، ومن خارج حدود معرفته الفقيرة.