في مديح الملل الرائع

21 مايو 2015
عمل للفنان أسامة دياب
+ الخط -
في 20 ديسمبر/كانون الأول 2012 كتبت في جريدة "الوطن" المصرية، مقالا بعنوان "تحويشة الثورة"، عقب الاستفتاء على دستور الإخوان، وإقراره، أيامها كانت الجرائد المعارضة للإخوان، جرائد الانقلاب فيما بعد، تتناول المصريين الذين صوتوا لصالح الإخوان، في كل الاستحقاقات الانتخابية، بوصفهم من ناخبي الزيت والسكر، والرشاوى الانتخابية، والجهل بالديمقراطية لصالح مفاهيم ثيوقراطية... إلخ.

راهنت فيما كتبت وقتها على أن المصريين لا يفكرون بهذه الطريقة، وأن "نعم" اليوم ليست إلا "لا" الغد، في حالة عدم تحقق نجاح فعلي على الأرض، الناخب المصري ينتخب بمشاعره، واحساسه، وينتظر النتائج، فإذا لم يجد ما توقعه انقلب على عقبيه، كل نعم حصل عليها الإخوان وقتها كانت وحدة معارضة مختزنة في "حصالة" الثورة، حتى إذا ما فار التنور، انفجرت حصالة التأييد وتحولت إلى لاءات مدمرة تحصد ما تجده بوجهها، ولا تبالي.

لم يعد المصري يوقع على بياض لأحد، يناير ثورة نجحت في تفعيل "ملل" المصريين المعتاد، وتحويله إلى طاقة، صحيح لم يواكب ذلك وعياً ثوريا يحمي المكتسبات، ويفكر مرحليا، واستراتيجيا، وفق الممكن، والمتاح، إلا أننا، منذ يناير، أمام نصف ثورة في طبيعة "الصبر" المصري المتأصلة منذ قديم الأزل، الممتزجة بلحم المصريين ودمائهم.

أيا كان موقفك من الإخوان، فلا خلاف على أنهم لم ينجحوا في إقناع المصريين بأنهم، نجحوا، أو سوف ينجحون، قد يكون النجاح قائماً، ولا تشعر به، قد يكون غائبا، ويخدعك أحدهم فتشعر كأنه بين يديك، والشاهد، أنه لا استمرار لمن لا أثر له في مصر.

الآن، يتصور عدد من الباحثين، والمراقبين، وغير واحد من المحسوبين على الثورة ولهم تأثير بكتاباتهم، وتدويناتهم على قطاعات كبيرة من الكتلة الحرجة الممثلة لشرارتها الأولى، أن السيسي ليس إلى زوال، السيسي باق ويتمدد، وسواء فشل، أو نجح فإنه مستمر، معه أجهزة الدولة العميقة، بزعمهم، ومعه الجيش، والإعلام، ولم يزل له ظهير شعبي، كما يتصورون، ولن يتزحزح!


وللذكرى، هذا ما كان يخبرنا به قيادات الإخوان أنفسهم، وهو ما شجع كاتب السطور مثلا على المضي في 30 يونيو من دون التفكير في عواقب انقلابية أو عسكرية من أي نوع، أخبرونا أن الجيش معهم قولا واحداً، هكذا كانوا يتصورون، وأن أجهزة الدولة تحترم الشرعية، رجال من ذهب، كانوا يتندرون بالدعوة للتظاهر، قالوا إنها دعوة علمانية، نشطاء، وحقوقيون، وبعض الفلول، لا يتمتعون بظهير شعبي، لن ينزل معهم أحد، الناس معنا، الشارع لنا، سيتظاهر ما يقرب من 5000 نفر، حتى ترهقهم الشمس فينصرفوا، ثم كان ما كان.

الآن، السيسي يخسر على كافة المستويات، يخادعوننا باستمرار تحالف الدولة العميقة، وهذا غير صحيح، كل الدلائل تشير إلى غير ذلك، ثمة صراع مكتوم، تبدو تمظهراته النوعية في خطابات كل فريق، وتفعيلاته لما لديه من قوة في مواجهة الآخر، من أول إحراج السيسي بأداء أجهزة الدولة الضعيف، إلى الحكم الكوميدي على آل مبارك في قضية القصور الرئاسية، لحرمان جمال مبارك من حقوقه السياسية التي كشفت عدسات الكاميرات في الأهرامات، وفي عزاء مصطفى بكري، أنه يعيد التفكير في استخدامها مرة أخرى!

السيسي ضعيف، ومرتبك، ولا خبرة لديه في إدارة عمارة من 3 أدوار، الشأن المدتي شيء آخر غير إدارة عساكر تسمع وتطيع، كما أن تسكين الأطراف المختلفة، وتقسيم الكعكة، حرفة، تحتاج إلى حواة لا هواة، المصريون بدأوا الملل، ملفات شديدة الخطورة تتعلق بالشارع، وهمومه الخاصة تزيد من الاشتعال، وتعجل بالنهاية.

الأسعار في ازدياد غير مسبوق، سبق ورفع الدعم جزئيا، في طريقه لإلغاءه بالكامل، كل المحاولات الترقيعية تبوء بالفشل، ملل المصريين وصل لآخره، لم تبق إلا الإجابة عن السؤال الأخير، من يأتي بعده؟ وبالمناسبة، لن ينتظرنا أحد، سينفجر المصريون ساعة أن يقرروا ذلك، أجبنا، فبها ونعمت، لم نفعل، سيتركونها لمن يستطيع، وقتها لا لوم عليهم، إنما على العاجزين عن تقدير الملل!

(مصر)
المساهمون